أولياء مغاربة في مصر ابن أبي الدنيا: -25- صاحب الكرامات الذي انتظر المصريون قدومه

العلاقة التي تربط المصريين والمغاربة ،علاقة تمتد في الزمن منذ قرون،فقد تعددت أوجه هذه العلاقة كما تشهد بذلك كتب التاريخ .
ووفق المؤرخين، فقد هاجر العديد من المغاربة إلى الديار المصرية في عهد مولى إسماعيل، خاصة من فاس ومراكش، حيث استوطن أهل فاس في القاهرة، في حين استوطن أهل مراكش في الإسكندرية.
وتؤكد المصادر التاريخية، أن المغاربة الذين اختاروا مصر مقاما جديدا لهم، يعتبرون من التجار الكبار، وهناك تأقلموا مع أهل هذا البلد، فنمت تجارتهم، بل استطاعوا أن تكون لهم اليد العليا على المستوى التجاري والاقتصادي، فأصبحوا فعلا يشكلون النخبة هناك، ولهم تأثير واضح على مستوى الحكم.
تمكن المغاربة الذين اندمجوا بسرعة في المجتمع المصري،من توسيع تجارتهم، لتمتد إلى خارج مصر، وتصل إلى مكة والشام، بل بنوا حارات جديدة مازالت قائمة في مصر إلى اليوم، شاهدة على ما قدمه المغاربة من إضافة إلى وطنهم الجديد.
لم تقتصر الأيادي البيضاء للمغاربة على مصر في هذا الباب، بل ظهرت جليا على مستوى العلم والتصوف.
وكما يقال، إن كان الإسلام دخل إلى المغرب من الشرق، فإن تأثير المغاربة في المشرق جاء عن طريق علماء الصوفية.
في هذه الرحلة، نستعرض أهم أشهر المتصوفين المغاربة المدفونين في المشرق خاصة في مصر ،الذين تركوا بصمات وأتباع لمدارسهم الصوفية إلى اليوم ،حيث يستقطب هؤلاء المتصوفة المغاربة، الملايين من المريدين المصريين كل موسم.

من الأسماء التي كانت مشهورة بالكرامات كما جاء في كتب التاريخ، هناك ابن أبي الدنيا.
وكما جاء في مجلة دعوة الحق الصادرة في يناير 1985 في مقال حول التواصل الشعبي بين مصر والمغرب ، فإن ابن أبي الدنيا سيدي إبراهيم بن بن عبد الغفار الأندلسي ، كان من المشهورين بالكرامات المكاشفات، نقلوا في ترجمته أن الشيخ عبد الرحيم كان يذكره قبل قدومه إلى مصر وينتظره،ويقول:» يأتي بعدي رجل من المغرب له شأن»، قالوا: فقدم الشيخ ابن أبي الدنيا بعده، ونزل في جواره بقنا إلى وفاته وقبره مزار متبرك به .
ثم أتى مكانا ووقف وغرز عكازه ، وقال : ها هنا سمعت الأذان والإقامة ، ثم توجه الى الحجاز ورجع ، فوجد أهل البلد بنوا هناك رباطا فأقام به وتزوج وولد له ولد صالح يسمى محمدا ، وتوفي الشيخ بقنا يوم الجمعة مستهل صفر سنة 656، وتوفي ولده محمد بشنهور ، حصل له حال فتوسوس وذكروا أن والده كان يقول : يحصل لابنى شىء ولا يجد من يداويه منه ويموت به وكان كذلك ، وأمه زوجة الشيخ أيضا مشهورة بالصلاح تزار ،دفنت بالقرب من زوجها، فيقال إنه جرب من وقف بين قبريهما ودعا وسأل حاجته تقضى بإذن الله.
ودون إيغال في ماضي تاريخنا قبل الإسلام، نذكر كما جاء في مجلة دعوة الحق التي تصدر عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، أنه من القرن الهجري الأول، تواصلت الأجيال من المغاربة بأهل مصر، في الرحلات السنوية إلى الديار المقدسة كلما أهل موسم الحج الجامع للمسلمين كافة على تباعد أوطانهم وتفاوت أجناسهم وألوانهم وطبقاتهم، في هذا اللقاء السنوي الجامع كانت مصر مدخل الإسلام إلى إفريقية والمغرب كله، ومنطلق كتائب الفتوح الكبرى التي حملت اللواء الأغر إلى أقصى المغرب. وفي تلك الكتائب كان أمراء من الصحابة، رضي الله عنهم، نزلوا بمصر، وجند ممن نزلها من التابعين ومن مسلمة الفتح أهل مصر.
من الجبهة المغربية، كان الاحتشاد والتعبئة لفتح الأندلس بقيادة « طارق بن زياد البربري» وفي جند الفتح عشرة آلاف من البربر، مع بضعة آلف من الجند المشارقة.
في ذلك اللقاء الكبير تحت راية الإسلام، اتصل المغاربة بأهل مصر عصر الفتح في القرن الأول للهجرة، وما أعقبه من وفادات مستمرة إلى المغرب، من القادة والأمراء والقضاة والقراء والفقهاء، مرورا بمصر.
ثم كانت مصر، دون سأئر أقطار المشرق الإسلامي، هي بالضرورة مزار الحاج المغربي إلى الحجاز ذهابا وأوبة. وإنها بمزاياها الطبيعية – أيام كانت على ما وصفها به عمرو بن العاص في كتابه إلى أمير المومنين عمر، رضي الله عنهما ، بحيث تغري الحاج المغربي بإطالة المقام فيها، وبخاصة في طريق الإياب بعد قضاء مناسك الحج. وفيهم طلاب علم يحرصون على لقاء علماء الإسلام والعربية بحواضر المشرق، فربما شدوا الرحال من الحجاز إلى الشام والعراق وخراسان وما وراء النهر، وربما حالت موانع دون مد الرحلة، ووجدوا لدى أهل نصرا ما سبقوا إلى حمله من علماء الحواضر الإسلامية بالمشرق، وهي إلى مصر أقرب، على ما يستفاد من أسانيد السلف من علماء المغرب إلى الكتب الأصول الأمهات، أخذوا الكثير منها من طريق حملتها الثقات الأثبات من أهل مصر.
من تم كان التعارف بين المغاربة والمصريين، متاحا لهم على سعة من الوقت، كما جاء على لسان مجلة دعوة الحق، ومتصلا لم ينقطع، مما يسر لمن شاء من المغاربة أن يقيم حيث شاء بالديار المصرية، فيجد أينما حل أهلا ودارا، ويحمل النسب المشترك إلى وطنه الأول، وإلى منزله بمصر.
ويضيف صاحب المقال ،أنه في القرن الرابع للهجرة، كان المغرب الكبير قد صار دار قرآن وحديث وسيرة وفقه وعربية، وانتهت إلى علمائه الإمامة في القراءات وعلوم الحديث والعربية مما يقتضي أن تكون الرحلة إليهم من أقطار المشرق. لكن الإعصار الجائح الذي هز قواعد الدولة الإسلامية بالأندلس، من مستهل القرن الخامس، ومزقها طوائف قددا، ثم ما أعقبه من تصدع قلاع الأندلس وتساقط حصونه واجتياح ثغوره، ألقى على المغرب الأقصى تكاليف الجهاد لحماية الإسلام في جبهته المغربية، دينا ودولة وعلما وحضارة وتراثا وتعطلت الحواضر العلمية بالأندلس وأطفئت مناراتها، واتجه النازحون إلى مهاجرهم بالعدوة، وإلى تونس ومنها إلى مصر، حيث استقر بهم المقام على الرحب والسعة، وشاركوا في جهاد الصليبيين والتتار بالجبهة المصرية وما وليها شرقا، حين كان أهل المغرب الأقصى يجاهدون الصليبيين الروم في الجبهة المغربية، من النازحين إلى مصر، كثرة لا أحصيهم عدا، من أولياء الله الصالحين والقراء الشيوخ والعلماء العاملين والحفاظ النبلاء، يصعب في الواقع توزيعهم في دوائر منفصلة: أولياء وقراء ومفسرين وفقهاء وحفاظا وعلماء عربية … إذ كان لأكثرهم مشاركة في أكثر من مجال أقطاب بركة، أنزلتهم مصر أكرم منزل، فكانت لهم بالشعب صلة فذة: مربين قدوة، وهداة للسالكين.
ودون تنسيق موجه أو تخطيط مرسوم، انبثوا في أرجاء الكنانة من أطراف الدلتا شمالا إلى الصعيد الأعلى، ومن مشارقها غربا إلى الصحراء الشرقية وساحل البحر الأحمر، فكانت منازلهم وزواياهم وربطهم المتواضعة، مقامات علية ومدارس شعبية عامرة المريدين، ومجالس ذكر وتر ومجاهدة.
وبوركت الكنانة بمثواهم في ثراها الذي طاب بمثوى من نزل فيها من آل البيت والصحابة، رضي الله عنهم من زمن الفتح فما بعده.


الكاتب : n إعداد وتقديم: جلال كندالي

  

بتاريخ : 09/04/2024