أية طرائق جديدة للتفكير، ما بعد كوفيد 19؟ 2/1

أمدتني الكاتبة غيثة الخياط، مشكورة، بهذا النص في أصله الفرنسي، لنشره، معربا، بجريدة الاتحاد الاشتراكي. وحررته خلال فترة الحجر الصحي. ذكرتنا بالعودة المتجددة لقراءة الفلسفة الرواقية الجائحة ذاتها أفقا للتفكير والتفلسف وانتزاع حق التفكير الذي ما زال حكرا على الغرب. قلب المعادلة الشائعة بكون الإنسان مسؤولا عن الجائحة وليس الفيروس، بل هو ذاته فيروس مثله مثل الرأسمالية الحديثة يهددان العالم.
فبعد تسعة قرون، بعد “مارك أوريل” و”سينيكا”، وفي غمرة الأزمة الوبائية الناتجة عن فيروس كورونا، تتعزز العودة إلى قراءة الفلسفة الرواقية القديمة.
تظل هذه الأزمة أيضا مادة استثنائية للتفكير. لكن المثقفين بقوا مكبلين بردود أفعال فكرية دون تجاوزها إلى التفكير الحقيقي. التفكير في الحدث، هو تفلسف على عجل، وداخل الكارثة، بالاشتغال على يسمى “ميتافيزيقا الراهن” أو “أنطولوجيا الحاضر”.
ما زال الغرب أيضا، يحتكر حق التفكير، هذا الحق تعززه قوته المادية الساحقة وغطرسة تفوقه؛ المستقبل سيبدأ انطلاقا من كل ما هو ناشئ ومختلف، داخل الإنسانية بتعددها وتنوعها، وليس بوحدتها المتجانسة وأحادية لغتها. لقد ساهمت الأزمة الصحية الناتجة عن كورونا فيروس، في نشوء جيل جديد ممكن من المنظرين. وضعت العديد من التحاليل إلى حد أن بعض الملاحظين رأوا فيها علامات إنتاج فكر ممهور بالحجر الصحي. وهو فكر يمكن أن تثبته الأحداث. لذلك على المفكرين “الثالثيين” إطلاق فلسفة وأنثروبولوجيا مغايرتين، وإلا فإن العالم سيسير نحو الهاوية…ويبدأ الأمر أحيانا من فيروس بسيط. الفيروس هو أحد الطفيليات يتضاعف على حساب المضيف الخاص به، إلى حد الفتك به.
فيروس غير متوقع (وهو نفسه في الواقع ثابت). إذن، هو ناجم عن العولمة. في المحصلة، إن الإنسان هو المسؤول عن الجائحة وليس الفيروس. وبالتالي فإن الإنسان صار فيروسا يهدد الكوكب الأرضي كما أصبحت الرأسمالية الحديثة فيروس العالم.. وهذا ما تتصرف به الرأسمالية مع الأرض منذ بدايات الثورة الصناعية.
الواقعة الاجتماعية العامة ل”كوفيد-19″ تتعلق بعنصر أقل مجهرية، حطم مجموع العلاقات الاقتصادية والثقافية. فيروس في أبعاد متناهية الصغر يكشف اليوم، عن كل ضعف الإنسانية وعجزها، في إدارة نفسها وتطورها. فالأرض يمكنها التخلص من البشر، عن طريق أصغر كائناتها، فيروس، من حجم جزء من المليار من المتر!
إن الجائحة كاشف يكشف، ليس فقط خصوصيات مجتمع خاص، ما دام أنها عالمية، لكن بعض ملامح نظام يعتمل في العالم الحالي، الرأسمالية ما بعد الصناعية.
ها هو ذا فيروس معولم، يجتاح كل أنحاء الكوكب ويهاجم الديموقراطيات العتيدة في عقر دارها. لقد نسينا الأوبئة التي عصفت بالقارة الأمريكية عندما أباد البيض، وبلا هوادة، 150 مليون من الهنود الحمر. الوباء الكولونيالي غزا الكوكب كله واختلط بالدم والقتل…
هذه الأزمة الوبائية هي أولا حدث بيو-سياسي biopolitique مستجد. بمعنى الفكرة القائلة بأن السلطة لا تشمل الحياة المدنية فقط بل تمتد أيضا إلى الحياة البيولوجية. والبيو-سياسة لا تنحصر في تدجين الأجساد، لكنها أيضا تسعى إلى حمايتها.
صارت حالة الاستثناء وضعا عاديا لفرض المراقبة والعقاب، بهذا تفكر الوجوه المثقفة لليسار الراديكالي.
وسيعمق ارتداء الكمامة، التباعد بين الأشخاص الذين لم يعد بإمكانهم التواصل الحقيقي. وقد يفهم منها أنها قناع بيوسياسي يحل محل الحجاب الديني تحت ذريعة علمية.
أظهرت الجائحة اتساعا في فوارق اجتماعية ظلت دائما تحجبها نقاشات تتكرر بين المختصين بمختلف توجهاتهم.
وقفنا، خلال الجائحة، على أهمية عامل النظافة، وعامل التوصيل، والممرض المتنقل إلى البيوت، ورجل الإسعاف، وكل هؤلاء الذين يشتغلون في الظل، وعليهم تتوقف حياتنا اليومية العادية.
طرحت مع هذه الأزمة فكرة تقاطع ممكن بين عالم الحيوان وعالم الإنسان
في التصورات الفلسفية والدينية للحيوان في الحضارات الكبرى، وهي تصورات تأرجحت طويلا بين اتجاهين أساسيين: الحيوان-الإنسان l’animal-homme والحيوان-الشيء l’animal-objet، للوصول، في نهاية المطاف، داخل الفكر الغربي الراهن، إلى تصور أكثر تماشيا مع العلم الحديث، يقضي بأن الحيوان كائن حساس.

يضعنا التيار الفكري للفلاسفة الرواقيين القدامى، أكثر، أمام تفكير شخص غارق في التأمل، وطرح التساؤلات المختلفة، في هذه الأوقات من الجائحة، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ لأنه يجيب عن التطلعات الوجودية العديدة وغير المرتقبة، المذهب يستهوي القراء؛ لأن الكتب التي تحيل عليه تلقى رواجا واسعا. “مارك أوريل”، في “تاريخ الأباطرة الرومان” وجه تحذيرات وأسدى نصائح فلسفية، لولده كما لزوجته، كاتبا: “لا تتصرف أبدا كأنك ستعيش الاف السنين! فما لا مفر منه معلق فوق رأسك…”
ومن الظواهر التي لا مهرب منها كذلك، نستطيع أن نضع الأعاصير، الزلازل، الفيضانات، كوارث تسونامي، وثوران البراكين، والحرائق، والصواعق، وحرب العصابات، والحرب والقتل، والإرهاب، وحوادث السير، والمجاعة، المرض والموت. وغير ذلك من الأسباب والأحداث السيئة مما يحدثها البشر أنفسهم. لكن ما يصاحب، دائما وباستمرار، الكائن البشري، طول حياته، هو تعرض العضوية ذاتها للمرض، والمرض القاتل والأمراض المعدية، وهي كثيرة جدا، والتي عصفت بالإنسانية منذ آلاف السنين. في الواقع، منذ أن توفرت للإنسان، ذاكرة عن ماضيه.
لكن، لنعد إلى “مارك أوريل” وهو يتأمل في “أفكار لنفسي”، (حيث تم التحرير بين 170 و180 بعد الميلاد) وفي زمن الجائحة التي حملت اسم الوباء ” طاعون الأنتوناين”، من غير الممكن ألا نتأثر بتكرار الأشياء في تاريخ الإنسانية. المرض المسمى “طاعون الأنتوناين” يبدو أنه الجذري أو مرض مصحوب بطفح (جلدي)، كلمة علمية للدلالة على أنه يتفجر على الجلد في شكل بثور، قروح أو في صفائح حمراء كما يحدث في مرض الحصبة…لقد نسينا الأوبئة التي عصفت بالقارة الأمريكية عندما أباد البيض، وبلا هوادة، 150 مليون من الهنود الحمر، جزء كبير منهم توفي بأمراض، منها ما بقي مجهولا من حيث طبيعته، إلى حدود غزو القارة واجتياحها برمتها. ما يعود إلينا، اليوم، نحن الشعوب المستعمرة سابقا هو التفكير في ما تعرضنا له من سلب، الوباء الكولونيالي غزا الكوكب كله واختلط بالدم والقتل…
انتشر وباء الجذري تاركا آثاره مدى الحياة، على وجه من بقي حيا، بنفس الطريقة، تقريبا، التي تركتها العبودية والاستعمار على أجساد ونفوس العبيد، وفي البلدان المستعمرة، التي غذت مريضة بفعل الأجساد الغريبة، ولم تكن إلا المناهج، والواردات والأشخاص النموذجيون لهذه الممارسة الاستعمارية. إلى حدود القرن العشرين، الجذري كان طاعونا، (تم القضاء عليه بفضل اللقاح) إذا اتفقنا أن كلمة طاعون لا تتضمن فقط الطاعون نفسه، بل كل الأمراض والأسقام المسماة “وباء” مثل الجذري والكوليرا والطاعون، لأنها، على العموم، تحدث أوبئة، تكون قاتلة في كثير من الأحيان. وبالتالي فإننا لا نتحدث عن السرطان بوصفه وباء؛ لأنه غير معد، والحال أنه مرض خطير، حيث تبذل مجهودات للانتصار عليه، شيئا فشيئا.
الأمراض المعدية الأقرب إلينا نحن الأحياء والتي عاصرناها هي: السيدا، السارس، حمى إيبولا والآن جائحة كوفيد 19، بكلفة ثقيلة على كل الشعوب وكل مناطق العالم، لنتذكر” الأنفلونزا الإسبانية” التي أودت بحياة خمسين مليون شخصا! وقد مر عليها قرن من الزمن؛ لأنه أعلن عنها في منتصف الحرب العالمية الأولى (1914-1918) ولم تتمكن الوسائل المناسبة، وقتئذ، من الحد منه. إلا أنها عرفت تطورها الآن.
ففي 30 من شهر يونيو 2020، تم إحصاء 500000 من الأموات في العالم، دفنوا في مشهد جنائزي ضخم: حفرت مئات بل آلاف من القبور، بواسطة النقابات وآلات الحفر…
إذن، فبعد تسعة قرون، بعد “مارك أوريل” و”سينيكا”، وفي غمرة الأزمة الوبائية الناتجة عن فيروس كورونا، مذكرات الامبراطور الروماني الرواقي هي الأكثر مبيعا في البلدان الناطقة بالإنجليزية، وبشكل غريب، حسب ما أفادته دار النشر “بينجين راندوم هوس”، وذكرت ذلك اليومية البريطانية “الغارديان”. مبيعات هذا الصنف من كلاسيكيات الفلسفة القديمة، ارتفع بثلاثة أضعاف في الربع الأول من 2020، مقارنة بالسنة الفارطة. بينما عرفت “رسائل إلى ليسيلينوس”، ل «سينيكا”، بدورها اهتماما متجددا، لاسيما في صيغتها الرقمية (القراءة، وقد شدت الرحال إلى النشر الالكتروني، كان لها وقع على الناشرين الالكترونيين أنفسهم، خلال الجائحة). سينيكا رواقي نموذجي انتحر بأمر من الامبراطور، بإجبار الجميع على مواساة أسرته وخدمه، قبل وفاته…يمكن القول إن شجاعته القصوى أمام الموت، هي درس عبر القرون ومنتجه مثل ” العزاءات” هو حداثة جسورة.
كشف مدرس الفلسفة الأمريكي William B. Irvine أنه أعطى مجموعة من الحوارات عن فائدة المذهب الرواقي في مجابهة الجائحة الراهنة. مروره في 23 مارس على “التدوين الصوتي” البودكاست The Happiness Lab للأستاذة “لوري سانتوس”، إحدى شهيرات شعبة علم النفس بجامعة Yale حظي باهتمام ثلاثمائة ألف مستمع.
“كولان ويست” شارك أيضا بثقافته الواسعة مدليا بتصريحات، وعارضا تحليلات مهمة، لكن في مجال آخر، مرتبط بالعنصرية: يهمنا كثيرا هنا لأن المختبرات الصيدلة (Big
Pharma) الشهيرة اقترحت إجراء لقاحات على السكان الأفارقة، وكأن المقصود بذلك معاملتنا نحن الأفارقة، بوصفنا مليارا من رعاة البقر، أو من قرود التجارب المخبرية !
ولد “كورنيل رونالد ويست” يوم 2 يونيو عام 1953 ب «تولسا” (أوكلاهوما)، فيلسوف من السود الأمريكيين وأحد المساهمين الأساسيين في “الدراسات الأفرو-أمريكية” يدرس بجامعة “هافارد” و”برينستون”. ترتكز علاقته بالحقل الفلسفي على التعميد الأفرو-أمريكي، والماركسية، والبرمجة والنزعة المتعالية: عندما تتوفر شروط التعلم والبحث العلمي فمن كنا نعتبرهم عبيدا وشعوبا عديمة الذكاء يصبحون علماء ومنارات الإنسانية. أعود إلى مالك غلاب، ومنصف السلاوي، ورشيد اليزمي، إلخ. فهم ولدوا في المغرب واستقطبتهم، واعتدت بهم الأنظمة القوية للعلم والبحث الدولي بالخارج.
فإذا كانت الأزمة الصحية الناتجة عن كورونا فيروس، قد زادت من حدة الانقسامات بين المثقفين النقديين، فإنها كشفت أيضا عن منعطف اقتصادي وسياسي مهم للفكر، وساهمت في نشوء جيل جديد ممكن من المنظرين. ها هو ذا فيروس معولم، يجتاح كل أنحاء الكوكب يوقف العالم بأكمله وهو مذهول.
مست المشاكل المحلية النظام الكوكبي في العالم وعجلت، وفي غرابة، قدوم وظهور مجتمعات بدون اتصال، ليبقى التباعد الاجتماعي خيارا مفضلا. ستؤدي الصدمة، وهي تهاجم الديموقراطيات في عقر دارها، تلك التي اعتقدنا أنها لا تقهر، إلى عديد من الحالات الاستعجالية الصحية، وسن قوانين الطوارئ.
سيعقب الحجر الصحي الكبير، فترة من المعتاد والقرب، وسيعمق ارتداء الكمامة المفروض في الغرب، بوصفه إجراء صحيا ضروريا، التباعد بين الأشخاص الذين لم يعد بإمكانهم النظر في وجوه بعضهم البعض، دون حجاب بمعنى الإفصاح عن الانفعالات والابتسامة، والإيماءات إجمالا، التواصل الحقيقي. فكرت مليا لما طلبت مني صديقة وزميلة لي خلال الحجر الصحي، وبإلحاح، أن أكشف وجهي، اثناء محادثتنا، عبر الهاتف. فما كان يبدو لي عديم الأهمية، كان له في الواقع أهمية قصوى، الحد من المسافة والتغلب عليها، وشخصنة الحوار، وتبادل النظرات (لأن جزءا مما لا يقال يمر عبر النظرة)، التواصل في الواقع.
وبالتالي، فإن للكمامة حدودا، وكذلك التباعد الاجتماعي، والاثنان معا ملزمان: لم تنته الجائحة بعد، فهي معاودة ومتكررة، حتى في نفس البلدان، التي زعمت أنها انتصرت عليها داخل ترابها. في الواقع علينا التعود لمدة أطول وعلى الأرجح، بواجب احترام قواعد النظافة هذه، مهما كانت تفاصيلها مملة.
رغم عودة المأساة والانهيار الاقتصادي ورغم الانفراج في المجالات المرتبطة برفع الحجر الصحي للشعوب، فإن هذه الأزمة الصحية تظل أيضا مادة استثنائية للتفكير.
التفكير في الحاضر والمستقبل، في ضوء الماضي، أذكركم بمؤلفين وقد مر عليهم ألفا عام، عاشوا نفس الشيء. ومع ذلك فإن كل المثقفين لم يوفقوا في المرور من ردود أفعال فكرية إلى التفكير الحقيقي؛ لأن الكثير منهم وجدوا في هذه الجائحة طريقة متفقا عليها، لإثبات أفكارهم ونظرياتهم وآرائهم أو وجهات نظرهم، وليس تحديد محاور أخرى، للتفكير والتأمل تكون جديدة؛ فالطلبات على المشاركة بكتابات جماعية للتفكير في “كوفيد 19” والجائحة أمر ملحوظ، في العالم كله.
لقد بات بمقدورنا إذن، معاينة تنامي نقد متوقع لمبادئ القدرة على التحرك طوال الوقت، ( بل يمكن أيضا نحت مفردة جديدة في مصطلح النزوع الحركي، الذي يقتضي رغبة مهووسة بالحركة)، العالمية أو العولمة والمجتمع المسمى سائلا. حضرنا أيضا العرض الكبير للمفكرين حول السببية الوحيدة، مثل “الطبيعة” التي أسيء إليها وبالتالي أصبحت تنتقم لنفسها، حول “السيادة” فبقدر ما نسيت صارت قاهرة، أو حول “الرأسمالية” التي حللناها في النهاية، كشفنا عنها وتعقبناها عند الأسواق التقليدية الصينية، دون أن ننسى الحلول الموازية كالوطنية الحكومية مثلما الصحية، حواجز النظافة والجمارك، وطبعا الهوياتية، والحدود بمختلف أشكالها الوطنية (البلدان على أنها مغلقة)، لكن أيضا، وللأسف، تلك الأخرى النفسية والاجتماعية. الانتفاضة إما أن تكون وطنية أو شعبية، أو شعبوية، تحرك الثورة المجتمعات والشعوب، وكذلك التمرد المرتقب والتخوف في عدد كبير من البلدان. كل هذه الظواهر المحركة والناتج بعضها عن بعض، في غالب الأحوال، تحرك العالم اليوم، وهؤلاء الذين مهمتهم التفكير، فهم يتطاولون على هذا الحق، أو كما يشار إليهم بوصفهم مفكرين عبر ما يعملون، ويكتبون، وما ينظمونه من ندوات، ويمارسون من تعليم، إلخ
التفكير في الحدث، هو تفلسف على عجل، أي الاشتغال على ما يسميه ميشيل فوكو “ميتافيزيقا الراهن”، وهي موضوعة notion صعبة الفهم مثلما هي صعبة الشرح. وجب الحذر، ففوكو ذاته تفاعل لحظيا مع الثورة الإيرانية، وقد أخطأ حول طبيعتها وغاياتها. في ختام هذا الجزء الأول من التفكير، أدعوكم إلى تأمل ما كتبه “سينيكا” منذ ألفي عام:
– لنستمد شجاعتنا من يأسنا ذاته
– سارع إلى رغد العيش وفكر مليا أن كل يوم في حد ذاته حياة
– لا ينبغي أن نعاقب من أجل العقاب لكن قصد الوقاية
– الدخول في شجار أسهل جدا من الخروج منه. لا سيما: ” نقضي الجزء الأكبر من حياتنا على نحو سيء، والجزء الكبير منها بدون شيء، والحياة كلها دون تفكير في ما قضيناه”
في هذه السيرورة من الحجر الصحي الذاتي، الذي يشغل العالم السياسي والثقافي. كل واحد يدلي بتعليقه وتحليله وضبط نظراته وأخطائه.
كل واحد يطرح برنامجه الخاص بالنظر، معا، إلى التفسير والإثباتات الأولية والحل الذاتي، بطبيعة الحال، بمعنى الإيكولوجيا للبيئيين، النسوية للنسويين، الليبرالية للبراليين، الوطن للوطنيين، الماركسية لليساريين الجذريين، إلخ. وضعت العديد من التحاليل إلى حد أن بعض الملاحظين رأوا فيها علامات إنتاج فكر فرض عليه الحجر الصحي. وهو فكر يمكن تثبته الأحداث.
لكن هنا أيضا توجد عدة مدارس وطرائق لفهم ما هو هذا الفكر، وما سيكون عليه، منذ وقت قريب أو ما كان عليه دائما، وما هو عليه وما سيكونه؟ يبدو أنه غير منفصل عن الإيديولوجيا، التي تخضع الواقع لمنطق فكرة معينة. ليس إلى حد التركيز الفوري للصحافة تقريبا، وما تنظر له الانتلجنسيا، حول صيرورة العالم الافتراضي في ما بعد، إشارة إلى صعوبة ما، وعجز عن التفكير في الحدث. لأن التفكير في الحدث هو القدرة على التحكم في انبثاق الجديد، غير المسبوق عبر إصلاح الفهم، هو مواجهته، هو البحث عن حلول له في حالة الصعوبات أو المشاكل العويصة التي تواجهه. التفكير في الحدث، هو تفلسف على عجل، وداخل الكارثة، بالاشتغال على يسمى “ميتافيزيقا الراهن” أو “أنطولوجيا الحاضر”. لكن هذا الانطباع عن الفكر الموسوم بالحجر الصحي، لن يكون كبيرا، إذا نظرنا أكثر إلى مثقفي العالم الجديد، بدلا من هؤلاء الذين يرفعون أصواتهم أحيانا، وهم مفكرون لامعون من العصر القديم. وما زال الغرب أيضا، يحتكر حق التفكير، ويتطاول عليه في العالم جميعه، هذا الحق تعززه قوته المادية الساحقة وغطرسة تفوقه؛ لن يكون المستقبل حاملا أشياء كما رأينا حدوثها منذ خمسة قرون تقريبا، المستقبل سيبدأ انطلاقا من كل ما هو ناشئ ومختلف، داخل الإنسانية بتعددها وتنوعها، وليس بوحدتها المتجانسة وأحادية لغتها.


الكاتب : تقديم وترجمة: محمد معطسيم

  

بتاريخ : 10/10/2020