إدريس لشكر لـ «العربي الجديد»: حزبُنا كان شيعاً وقبائل وممتلكاتٍ بأسماء أشخاص

لا أدعو الحكومة إلى تنفيذ برنامجنا بل إلى ليبرالية حقيقية

سنرى مصلحة المغرب في دخولنا الحكومة أو بقائنا معارضة

مصلحة الجزائر في حكم ذاتي أو لامركزية موسّعة في الجنوب

 

دعا الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المغربي المعارض، إدريس لشكر الحكومة في بلاده إلى عدم تنفيذ برنامج حزبه، بل أن تتّبع سياسة ليبرالية حقيقية. وقال، في حوار مع «العربي الجديد» في مكتبه في مقرّ الحزب في الرباط، إن هاجسَه منذ تولّى قيادة الحزب في العام 2012 إعادة بنائه، وقد كان «شيعاً وقبائل وممتلكات لأشخاص»، بتعبيره. وأوضح الوزير السابق المكلف بالعلاقات مع البرلمان أن دخول الحزب الحكومة أو البقاء في المعارضة، إذا ما أُجري تعديلٌ وزاري، مرتبط بمصلحة المغرب. وشدّد على أن المغرب يهمّه أمن الجزائر واستقرارُها، غير أنه يرى أن من مصلحتها أن تقيم نوعاً من الحكم الذاتي أو اللامركزية الموسّعة في مناطق في الجنوب.
وتالياً نصّ الحوار:

 

 كانت لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي ترأسونه أدوارٌ كبرى في الحياة السياسية في المغرب، لكن الواقع حالياً، ومنذ سنوات، يفيد بأن الحزب لم يعد كذلك، وأنه يعيش حالة من الضمور والتراجع. هل هي حالة خاصّة به أم بالحالة الحزبية في المغرب عموماً؟

أعتقد أن السياسة في العالم بأكمله تراجعت، فالثورة الرقمية وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي جعلا للسياسة منطقاً آخر، وحينما نتمعّن في ما آلت إليه الأمور في فرنسا مثلاً ندرك التحوّلات التي تجري، حيث أصبحت البنية التقنيّة هي المتحكّمة، كما أن القرار أصبح بأيدي أصحاب الياقات الذين أصبحوا فاعلين ومؤثّرين في إيصال ما يشاءون من أحزابٍ أو رؤساء. وقد رأينا كيف سقطت أسماءٌ كبرى في فرنسا، من اليمين واليسار، ولم يبقَ لها أيّ دور، في حين يمكنهم أن يأتوا بنكرةٍ ليحكم. وامتدّ الأمر إلى سقوط المرجعيات، حيث شهدنا كيف أن في وسع رئيس الدولة الفرنسية الاستعانة بشخصيةٍ ذات مرجعيةٍ يساريةٍ ويدخله إلى الحكومة بسهولة. لم يبق البناء السياسي كما كان، بل أكثر من ذلك، نجد أن مرشّحاً لرئاسة الجمهورية الفرنسية (مانويل فالس) أصبح مرشّحا لرئاسة بلدية برشلونة في إسبانيا.

 من لديه المقوّمات ليكون في المعارضة أو الأغلبية هو حزبنا

على المستوى المغربي، نشعر بأن المحلّلين والصحافيين ماضويون بعض الشيء، فكل ما هو قديم جميلٌ عندهم. وشخصياً لا أتبنّى التغنّي بالماضي. وهنا دعني أقول إنني تولّيت، في العام 2012، المسؤولية الأولى في حزب الاتحاد الاشتراكي في وقتٍ كان قد أعلن الكاتب الأول وقتها عبد الواحد الراضي إن «الاتحاد في حالة انتحار جماعي»، إذ منذ خروجنا من حكومة التناوب التوافقي في العام 2002 ونحن نتراجع، ووقعت انشقاقاتٌ كبرى في عهد عبد الرحمن اليوسفي، واستمرّت مع عهدي محمد اليازغي وعبد الواحد الراضي. ومنذ اليوم الأول لتحمّلي للمسؤولية الحزبية كان لدي هاجس واحد، إعادة بناء الحزب الذي كان شيعاً وقبائل وممتلكاتٍ بأسماء أشخاص. وكان شغلي الشاغل في هذه المرحلة الحفاظ على «الاتحاد الاشتراكي»، وقد صبرتُ، بكل مسؤولية، بمعيّة مجموعة من أطر (كوادر) الحزب الذين ظلوا صامدين معي، وتمكنّا من تدبير (تسيير) المرحلة، بما جعلنا أقوى حزبٍ في المعارضة حالياً، حيث يمثلنا فريقان في البرلمان، ولدينا إعلامٌ يوميٌّ حقيقيٌّ بالعربية والفرنسية، فيما لا تتوفّر كل الأحزاب، باستثناء «الاستقلال» و»التقدّم والاشتراكية» على إعلام حزبي. كما حافظنا على أموال الحزب وممتلكاته وعقاراته، وكلها أصبحت مسجّلة باسم الاتحاد الاشتراكي، وآمنّا بالحزب المؤسّسة من أجل إعادة الوهج للحزب. «الاتحاد الاشتراكي» اليوم هو الحزب الأول في المعارضة، ولدينا امتداداتٌ في الحركة المدنية والمجتمعية. وإذا أجريتَ دراسة لواقع الأحزاب المغربية فستدرك أن من لديه المقوّمات ليكون في المعارضة أو الأغلبية هو حزبنا.

 يُؤخَذ على أحزابٍ مغربية كثيرة أنها تستظلّ بالملك محمد السادس وبخطاباته وتوجيهاته، وتعلن أنها تعمل على هدي ما خطّط له، فيما يُفترض أن تكون الأحزاب بذاتها صاحبة خطابها الخاص وتشتغل ببرامجها.

لدى كل الدول ثوابتها ورموزها. ورمزُنا في المغرب هو المؤسّسة الملكية التي تلعب دوراً توجيهياً أولاً، وتحكيمياً بين مختلف السلطات ثانياً، وتدبيريّاً تنفيذيّاً ثالثاً، حيث تعمل الحكومة في إطار التوجيهات الملكية. وانطلاقاً من نظرة استباقية، ونتيجة لما وقع في العالم في أثناء أزمة كوفيد، طرح العاهل المغربي التوجّه نحو بناء الدولة الاجتماعية وورش لإصلاح المنظومة الصحّية وتعميم التغطية (التأمين والرعاية) الصحية. وبالنسبة لنا في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هذه توجّهات تلتقي مع مرجعيّتنا بوصفنا حزباً اشتراكياً ديمقراطياً.

 بماذا تفسّرون إبعادكم من حكومة عزيز أخنوش الحالية بعد انتخابات 2021؟

كنّا نتوقع أن رئيس الحزب الأول في الانتخابات (التجمّع الوطني للأحرار) بعد تكليفه من الملك سيكون في حاجةٍ إلى حزب الاتحاد الاشتراكي، لكنه لجأ إلى تحالفٍ غريب، فوجدنا أنفسنا في المعارضة. ولافتٌ للانتباه أن رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، قال، في أثناء تقديمه حصيلة حكومته خلال نصف ولايتها، قبل أيام في البرلمان، إن البرنامج الذي يطبّقه برنامج «الاتحاد الاشتراكي». وأدعوه اليوم إلى عدم تنفيذ حكومته برنامجنا، وإنما أن تتبع سياسة ليبرالية حقيقية، وأن تعمل على تطوير الديمقراطية الناشئة، وتوسّع من دائرة الحقوق والحرّيات الفردية والجماعية، وأن تظهر الليبرالية في مدوّنة الأسرة (قانون الأحوال الشخصية).
على الحزب الذي يعتقد أن من الضروري بقاءه في المعارضة أن يحلّ نفسه.

 يشيع حديثٌ عن إجراء تعديل حكومي محتمل بعد أيام، هل هناك إمكانية لدخول الاتحاد الاشتراكي إلى حكومة أخنوش؟

قناعتي أن الأحزاب تقوم وتنشأ من أجل أن تسيّر الشأن العام، وأن على الحزب الذي يعتقد أن من الضروري بقاءه في المعارضة أن يحلّ نفسه. كل عرضٍ سيُقدّم سنناقشه، ونحن مستعدّون، وسنرى فقط هل من مصلحة البلد أن ننضمّ إلى الحكومة أم البقاء في المعارضة وعدم ترك المقعد فارغاً.
التعديل الحكومي تقليدٌ سنّه عبد الرحمن اليوسفي مع الملك الحسن الثاني، حيث في منتصف الولاية تقدّم الحصيلة الحكومية، ويجري تعديل لمعالجة بعض الأمور، إما بتعديلٍ وزاريٍّ عميق، يمسّ حتى الأطراف السياسية المشاركة في الأغلبية الحكومية، أو يكتفى بتعديلٍ جزئيٍّ داخل الأطراف نفسها. ونعتقد في «الاتحاد الاشتراكي» أن البلاد مفتوحةٌ على ورشٍ كبرى، مطروح فيها برامج كبرى، من قبيل كأس العالم 2030 ومشروع النموذج التنموي الذي وقع الإجماع عليه. ويبدو لي أن الموقع الطبيعي للحزب أن نكون داخل الحكومة، وليس في المعارضة. وفي حال فرض علينا موقع المعارضة فسنحرص على تأديتنا دورنا الرقابي.
الحكومة الحالية مسؤولة عن أي تراجعٍ عن الحقوق والحرّيات قد يحدُث

كيف تروْن وضع الحرّيات العامة في المغرب في ظل حديث عن اعتقالات مدوّنين وصحافيين وبقاء معتقلين من حراك الريف في السجون؟

المغرب في مصافّ الديمقراطيات الناشئة، ويتعيّن على الحكومة الليبرالية التي تسيّر الشأن العام حالياً في البلاد توسيع مجالات الحرّيات والحقوق. وأعتبر أن المطلب الأساسي في المرحلة الحالية هو سيادة القانون، وأن يكون الجميع متساوين أمامه. وردّاً على سؤالك، يمكنني القول، أولاً، إنني ضد أي تجاوزاتٍ تقع في ما يتعلق بحرية التعبير أو بخصوص الاعتقالات التعسّفية في بعض الأحيان. وثانياً، إننا لسنا أمام تجاوزات للدولة أو مؤسّسة من مؤسّساتها، إنما هي لعاملين في قطاع العدل أو في قطاع الأمن. وفي كل حال، نحن ضد أي تجاوز، ونستنكره، ونعتبر أن الحكومة الحالية مسؤولة عن أي تراجعٍ عن الحقوق والحرّيات قد يحدُث. ومن موقعنا في المعارضة، نؤكّد أننا لن نسكُت عن أي تجاوزٍ أو تراجعٍ في هذا الصدد.

 تعرف العلاقات بين المغرب والجزائر أزمة صعبة في قطيعةٍ غير مسبوقة. كيف تتصوّرون الحلّ للخروج من هذا الحال، وهل هناك إمكانية للوساطة أو صيغة لإمكانية الوصول إلى أي حل؟

أعتبر أن طرح المغرب الحكم الذاتي حلّا لقضية الصحراء المغربية هو إمكانية للنظام والمؤسّسة العسكرية في الجزائر من أجل التجاوز الإيجابي لأخطاء الماضي. ويحفظ تقديم المغرب مقترح الحكم الذاتي ماء وجه الجزائر، فهو يسمح بعودة المحتجزين في مخيمات تندوف في الجزائر إلى المغرب والمساهمة في المشروع المجتمعي والتنمية في بلادهم.
مع كامل الأسف، يصرّ النظام في الجزائر على القطيعة، معتقداً أنها تُضعف المغرب، في حين أن العكس هو ما يحدُث. إن ما يقترفه النظام في الجزائر من تصرّفات، من قبيل ما حدَث خلال مباراة نصف نهائي كأس أفريقيا بين اتحاد العاصمة الجزائري ونهضة بركان المغربي، لا يمكن إلا أن يتسبّب في مزيدٍ من العزلة للجزائر. وما أتخوّف منه أن يؤدّي الإحباط والعزلة بالجزائر إلى اتخاذ قرارات هوجاء. وقد اتّخذتها من قبل، لولا صبر المغرب، ولولا أن لدينا دولة حقيقية لانحرفت الأمور إلى ما ليس حسناً، فقبل أسابيع قُصفت مدينة السمارة في الصحراء المغربية من التراب الجزائري، ولو لم يكن المغرب مسؤولاً وردّ على ذلك القصف لتطوّرت الأمور إلى حرب.
أكبر ضربة يمكن أن توجّه إلى المغرب أن يقع تشتيت الجزائر، أو أن تنهار

 ولكن المسؤولين المغاربة يُصدرون، أحياناً، تصريحاتٍ يدعون فيها إلى حكم الذاتي في منطقة القبائل، ما يبدو نكايةً في الجزائريين.

بصدق، أعتقد أن خصوصيّة المنطقة تستدعي منّي، لو كنتُ مسؤولاً جزائرياً، التفكير في هذا الحكم الذاتي، لتطوير مؤسّسات البلاد. في المقابل، يصعُب علي، كإشتراكي يؤمن بالاطار المغاربي، أن أدعم أي انفصالٍ في الجزائر. تقتضي خصوصية منطقة الأزواد في الجنوب وشساعة الجزائر التي تعرفون كيف تشكّلت عبر التاريخ، لو كانت هناك قيادة مسؤولة، أن تتأمّل وتفكّر في الإطار المؤسّساتي العام للبلاد والانفتاح على خصوصيات المناطق، ومنحها إمكانية للمشاركة السياسية بشكل أكبر، وهو أمرٌ لن يتحقّق إلا من خلال صيغةٍ من صيغ الحكم الذاتي أو اللامركزية الموسّعة.
هذا تصوّري، ولا أُملي على الجزائريين شيئاً، وهو صادرٌ عن تعاطف مع دولة جارة، يهمّنا استقرارُها وأمنها واستمرارُها. والخوف كل الخوف أن تنهار الجزائر. وأعتقد أن أكبر ضربة يمكن أن توجّه إلى المغرب أن يقع تشتيت الجزائر، أو أن تنهار. نحن أحرص على الجزائر كدولة ممن يسمّون أنفسهم حرّاسها في المؤسّسة العسكرية، لأننا ندرك جيّدا ما يمكن أن يشكله ذلك من خطر ودمار على المنطقة برمّتها.

 فلسطين حاضرة دائماً في وجدان الشعب المغربي وفي خطابات الفعاليات والهيئات المدنية. ما مدى حضور الحالة التضامنية، خصوصاً مع غزّة حالياً، لدى الأحزاب المغربية؟

نحن في الاتحاد الاشتراكي متمسّكون بأن الأمر يتعلّق بقضية الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزّة، ونؤكد دعمنا القضية من أجل الوصول إلى دولة فلسطينية عاصمتها القدس وفي حدود عام 1967، دولة تعيش بأمانٍ وسلام. ومن أجل تحقيق ذلك، نعمل مع أصدقائنا اليساريين في «الأممية الاشتراكية». نعتقد أنه آن الأوان للتعامل مع القضية الفلسطينية بكل عقلانية، وأن نعمل على جعل الرأي العام الدولي في صفّنا، حتى لا تذهب التضحيات الجسيمة التي قدّمها الشعب الفلسطيني خلال الأشهر السبعة الماضية هباءً.

نشر بالعربي الجديد يوم 21 مايو 2024

انقر هنا https://www.alaraby.co.uk/politics/%D8%A5%D8%AF%D8%B1%D9%8A%D8%B3-%D9%84%D8%B4%D9%83%D8%B1-%D8%AD%D8%B2%D8%A8%D9%8F%D9%86%D8%A7-%D9%83%D8%A7%D9%86-%D8%B4%D9%8A%D8%B9%D8%A7%D9%8B-%D9%88%D9%82%D8%A8%D8%A7%D8%A6%D9%84-%D9%88%D9%85%D9%85%D8%AA%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%AA%D9%8D-%D8%A8%D8%A3%D8%B3%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D8%A3%D8%B4%D8%AE%D8%A7%D8%B5 لقراءة الخبر من مصدره.


الكاتب : حاوره: معن البياري

  

بتاريخ : 22/05/2024