إقليم تارودانت: ساكنة دائرة إيغرم تعاني من خصاص كلي في ضروريات الحياة

لن يستغرب الشاهد على ما يجري في العالم القروي بإقليم تارودانت، وفي القبائل المنتمية إلى دائرة ايغرم على وجه الخصوص، هجرة الساكنة كليا وجزئيا إلى هذه المدينة وتلك لعدة عوامل مؤثرة، منها ما يتعلق بوضعية أراضي وأشجار الآباء والأجداد، وإشكالات الرعي الجائر قضى على شجرة اللوز وأركان، والخنزير البري المتناسل، بالإضافة إلى حرمان العديد من ساكنة الجماعات القروية من التعليم الإعدادي، ويتعاظم الأمر بسبب عدم وجود أي مستشفى بدائرة إيغرم التي تضم 16 جماعة قروية وبلدية واحدة.

أراض وأشجار الآباء والأجداد:

بالعودة إلى التاريخ، أقامت ساكنة جماعة النحيت سنة 1952، دعوى قضائية نضالية ضد المستعمر الفرنسي، ونصّبت المناضل المرحوم البشير بن العباس محاميا لها. وبعد الحكم الابتدائي لصالحها، تم إلقاء القبض على أعضاء اللجنة المكلفة بمتابعة الملف، والزج بهم في سجن عين مومن قصد منعهم من متابعة قضيتهم في محكمة الاستئناف بمراكش، مما فسح المجال للقضاء الفرنسي، الذي أصبح خصما وحكما، للحكم لصالح المستعمر، بل وتركت لساكنة النحيت ممن أقاموا دعوى ضدها %16 فقط من الأراضي. وجاء الاستقلال وكان المنتظر أن تكافئهم الجهات المسؤولة بإرجاع الأمور إلى نصابها، لكن السلطات الغابوية عملت على حصر القرى بأحجار خاصة وتبييضها بدعوى تحديد الملك الغابوي طبقا لقوانين جد قديمة تركها الاستعمار الفرنسي، وهي قوانين جد جائرة غير صالحة لأنها لا تراعي أدنى شروط العيش لقرى جد متقاربة لا تملك الأسر فيها إلا فدادين وأشجار أركان جد قليلة، ولا تأخذ تلك القوانين بعين الاعتبار تكاثر السكان والعمران، مما يستوجب إعادة النظر في مشكل المجال الغابوي بعد زيارات ميدانية للمنتخبين والمتخصصين لهذه المناطق ليشاهدوا وليستمعوا إلى شكايات السكان، تم ليحوِّلوا مطالبهم إلى أسئلة واقتراحات تستهدف رفع اليد عن المجال الغابوي في العالم القروي، وعن مصدر عيش سكان لا مورد لهم غير قطع أرضية متوارثة منذ مئات السنين، وغير بقع أرضية بورية قليلة لا تتزايد، بل تتلاشى نتيجة التصحر وانجراف التربة عند وقوع الفيضانات، والشيء نفسه بالنسبة لشجيرات أركان التي أصبحت تقتسمها عشرات الأسر. لكن الذي لا يتغير هو «قانون الغاب» أو القوانين الخاصة بالمجال الغابوي المتوارثة عن الاستعمار الفرنسي منذ 1916، والتي لا تراعي التكاثر البشري للأسر، ولا مجاورة الدواوير لبعضها، وتداخل النتف الأرضية، مما يجعلنا نطالب بمراجعة القوانين الجائرة وجعلها مسايرة للتكاثر السكاني والعمراني بل ومستهدفة تشجيع الساكنة على الاستقرار في دواويرهم بدل حملهم على الهجرة إلى هذه المدينة وتلك وإلى خارج الوطن ولو أدى هذا إلى الغرق في البحر.

قضى الرعي الجائر على أشجار أركان واللوز:

بعد استبشار ساكنة قبائل دائرة ايغرم كغيرها من قبائل جهة سوس ماسة، بتهاطل أمطار الخير، وبعد موسم الحرث، اخضرت الحقول بأنواع النباتات المزروعة وغير المزروعة، لكن هذا الاخضرار حمل معه عشرات الشاحنات الكبيرة التابعة لمن يدعونهم «الرحل». مئات الأغنام التهمت الأخضر واليابس. كما أن هؤلاء الرحل يرفضون الابتعاد عن الفدادين المزروعة، ومنهم من أتى بشاحنات محملة بالجمال. هؤلاء الرعاة يواجهون كل من حاول إبعادهم. بل أكثر من هذا لا يتركون قطرة ماء في المطافئ التي تعتبر خزانات مائية للساكنة القروية صيفا وشتاء ولا يتركون نبتة من النباتات إلا واقتلعوا جذورها، والأغرب من كل هذا أنهم لا يخشون تدخل السلطة المحلية !

بئر تيلكيست واستنزاف الفرشة المائية:

إن ما يزيد الطين بلة، كما يقال، هو سيطرة منجم النحاس الموجود في جماعة إمي تيرت والتصفية قرب جماعة والقاضي دائرة ايغرم إقليم تارودانت، على بئر تيلكيست جماعة النحيت الذي تم حفرها لتزويد سبعة دواوير بمنطقة أنفيد بعد كرائها من شخص يقيم في الدارالبيضاء، حيث تنقل الشاحنات الصهريجية المياه قرابة أربعمائة طن يوميا، مما أدى إلى استنزاف الفرشة المائية في الدواوير التي تتلقى الماء بواسطة الناقلة مقابل ثمنها بما في ذلك البئر التي كانت تزود دواوير إكوزولن والمدرسة الجماعاتية التي تضم أكثر من مائتي تلميذ وساكنة إغيرنومان، ورغم الشكايات المباشرة وغير المباشرة في مواقع التواصل الاجتماعي لم تتحرك أية جهة من الجهات المسؤولة، مما جعل الساكنة غير المهاجرة تفكر في مغادرة المنطقة.

الساكنة والخنزير البري:

إذا تركنا الرعي الجائر جانبا، هناك الخنزير البري المتناسل في جهة سوس ماسة، إذ يعيث في الأرض فسادا ويتكاثر لدرجة أن يخوض في ممرات الدواوير، ولا يترك للفلاح الصغير ما يستعين به على مصاريف الحياة اليومية.
ويعتبر الخنزير البري من المساهمين في الهجرة الكلية بعد الجزئية. وتجدر الإشارة إلى أن هناك من يصطاد الخنزير ليلا، وهذا يتم منذ سنوات. ويذهب به إلى فضاءات بعينها، دون أن يصل الخبر إلى من يعنيهم الأمر، بل أن هناك صيد الغزلان وغيرها من الطرائد…

انعدام التعليم الإعدادي:

منذ 2015 وساكنة الجماعات الثلاث: والقاضي النحيت تيسفان، تطالب ببناء إعدادية بجماعة والقاضي وبدار الطالب والطالبة، ووقعت اتفاقية الشراكة بين رؤساء الجماعات الثلاث المشار إليها وبين اللجنة السداسية ( عضوان عن كل جماعة) لمتابعة الملف، أضف إلى ما ذكر توفير الوعاء العقاري من طرف أحد أبناء المنطقة مساحته هكتارين حفظها وسلمها لمديرية التعليم الإقليمي بتارودانت، الممثل لوزارة التربية والتكوين. طبعا جرت اجتماعات في المديرية وفي الأكاديمية وفي العمالة وتلقت اللجنة السداسية وعودا، لكن الساكنة والطفولة الضائعة ما زالت تحتاج، إلى حدود الآن، إلى بناء الإعدادية ودار الطالب والطالبة، لا إلى وعود !
ويذكر أن الساكنة كانت تقوم بجمع المنح سنويا لتمكين تلميذات الجماعات المشار إليها من متابعة دراستهن الإعدادية والثانوية في ايت ملول وتارودانت. لكن إلى متى؟ فالمهاجرون باتوا مسؤولين عن إعالة أسرهم في المدينة ومن تركوهم في القرى.
وتجدر الإشارة إلى أن آخر اجتماع مع السيد وزير التربية الوطنية في موضوع الإعدادية المشار إليها كان بتاريخ 11/11/2022.

17 جماعة لا تتوفر على مستشفى:

في المجال الصحي، نذكر بكون دائرة إيغرم إقليم تارودانت تشرف على ستة عشرة جماعة قروية وبلدية واحدة لا تتوفر على أي مستشفى لاستقبال مرضى الأمراض العادية والمزمنة والحوامل. فقط هناك مستوصفات لا تتوفر على التجهيزات الكافية ولا على الأطباء، ومنذ أكثر من عشرين سنة تم إشعار السكان بأن دائرة ايغرم ستعرف بناء مستشفى يتوفر على جميع التخصصات، لكن المنطقة ظلت تعيش على الوعود. كما أن الساكنة لا تتوفر على إمكانيات التنقل إلى مدينة تارودانت حيث مستشفى المختار السوسي المشرف بدوره على 89 جماعة ضمنها سبع بلديات.
نعم، تم توفير حاليا مستشفى عسكري بمركز دائرة ايغرم بأمر من صاحب الجلالة، لكن المنطقة بحاجة إلى مستشفى دائم وإلى تخصصات طبية من أطباء التوليد والعيون والعظام … قصد الحد من نزيف البشري الهجرة إلى المدن وإلى خارج الوطن.
«لك الله يا إيغرم»، هكذا صرخت رئيسة جماعة تومليلين التابعة لدائرة ايغرم حين حضرت دورة استثنائية لجهة سوس ماسة ولاحظت أن مكتب الجهة لا يتواجد فيه أي مستشار تابع لهذه الدائرة !


الكاتب : محمد مستاوي

  

بتاريخ : 30/04/2024