إنجاز أسطوري، الأسود يفوزون بقلب العالم..!

لم يكن أكثر المتفائلين منا يتوقع هذا الإنجاز الخرافي، الذي حققه أسود الأطلس في مونديال قطر 2022، بالنظر إلى الكثير من المتغيرات التي طرأت على الفريق الوطني قبيل انطلاقة العرس العالمي، وحتى خلال مباراة ربع النهائي أمام البرتغال، التي احتضنها ملعب الثمامة، أول أمس السبت.
فبعدما تم التخلي عن خدمات المدرب البوسني، وحيد خاليلوزيتش، الذي قاد المنتخب الوطني إلى تأهل سادس في المونديال، وتعويضه بالمدرب وليد الركراكي، الذي يمتد عمره التدريبي لثمان سنوات فقط، أشرف فيها على الفتح الرباطي، وحقق معه لقب البطولة والكأس، قبل أن يخوض تجربة قصيرة بالدوري القطري، رفقة الدحيل وتوج معه بلقب الدوري، ليعود بعدها على وجه السرعة إلى الدوري الاحترفي المغربي، عبر بوابة الوداد الرياضي، والذي فاز معه بعصبة الأبطال وبطولة الدوري الاحترافي؛ بعد كل ذلك، قلل البعض من فرص نجاحه، واعتقد أنها مغامرة غير محسوبة منه، ومن الجامعة، لكنه كذب كل التكهنات.
كما أن الإصابات ضربت معسكر الأسود قبل التوجه إلى قطر، بعدما تأكد غياب كل من طارق التيسودالي، وآدم ماسينا، وعمران لوزا، وأمين حاريث، الذي كان يتواجد في اللائحة النهائية، قبل أن يصاب قبل يوم من السفر إلى الدوحة، فضلا عن عودة كل من زياش وحمد الله، اللذين رافقهما كثير من الجدل عقب إعلان الأول اعتزاله بسبب خلاف مع وحيد، وغياب الثاني عن المنتخب منذ صيف 2019. لكن أبناء جبال الأطلس أبوا إلا أن يدخلوا التاريخ من أوسع أبوابه ويحققوا تأهلا غير مسبوق، عربيا وإفريقيا، إلى المربع الذهبي، ويسجلوا تاريخا جديدا في عالم الساحرة المستديرة، بفضل رأسية عالمية من يوسف النصيري، في الدقيقة 42، بعدما توصل بكرة ساحرة ورائعة من الظهير الأيسر يحي عطية الله، بديل نصير المزراوي في هذه المباراة، فنال الفريق الوطني الإشادة من كل حدب وصوب، وأصبح ممثل الأفارقة والعرب، وصانع فرحة كبيرة جاب صداها كل بقاع المعمور.
سيظل يوم 10 دجنبرا محفورا في التاريخ، لأنه سجل ملحمة عظيمة بصناعة مغربية، وكانت على حساب منتخب كان مرشحا فوق العادة لنيل لقب المونديال، كيف لا وهو يضم بين صفوفه رونالدو، أحسن لاعب في العالم لخمس مرات؟
في يوم 10 دجنبر بملعب الثمامة، كتب المنتخب الوطني صفحة خالدة في تاريخ كأس العالم، لأنه أصبح ثالث منتخب من خارج إفريقيا وأمريكيا اللاتينية يدخل مربع الكبار، بعد الولايات المتحدة الأمريكية في أول نسخة عام 1930، وكوريا الجنوبية عام 2002.
وما إن توصلنا بتشكيلة المنتخب الوطني، التي ستواجه البرتغال، بطلة أوروبا لعام 2016، وثالث العالم في دورة 1966، حتى وضعنا قلوبنا على أيدينا، لأن وليد الركراكي تعذر عليه الاعتماد على الثنائي نايف أكرد ونصير المزراوي، بداعي الإصابة، وعوضهما بجواد الياميق وعطية الله، اللذين كانا في مستوى المسؤولية، ونجحا في المهمة التي أسندت لهما على أكمل وجه، ما يؤكد أن المنتخب الوطني هو مجموعة متجانسة ومتناغمة، تتكلم لغة واحدة «واللي حضر يقضي».
اعتمد وليد الركراكي في مواجهة البرتغال على النهج التكتيكي الذي يجيده، وأبدع فيه، (4 – 1 – 4 – 1)، وأصبح الاختصاصي رقم واحد فيه، رغم ما يتطلبه من تركيز عالي ومجهود بدني كبير، وقد لاحظ الجميع كيف أن حكيم زياش وسفيان بوفال، تخليا عن الأسلوب الذي يفضلانه (الاستعراض بالكرة والمراوغات)، وانضبطا لخطة المدرب، التي تعتمد على الدفاع الجماعي والهجوم الكلي في اللحظة المناسبة، وهو الأسلوب الذي حمل الفريق الوطني إلى مصاف الكبار، رغم كل ما يمكن أن يقال عنه.
ورغم أن البداية كان للبرتغال الذين ضغطوا على مرمى الحارس ياسين بونو، وكانوا الأخطر، إلا أن أسد المرمى المغربي كان حاضر البديهة، ونجح في الذود عن شباكه، خاصة في الدقيقة الخامسة عندما تصدى ببراعة لرأسية لجواو فيليكس من مسافة قريبة، قبل أن يبعد الياميق تسديدة قوية لرافايل غيريرو وهي في طريقها الى المرمى قبل أن يتدخل الدفاع المغربي (13).
وبعدها أصبحت المباراة سجالا بين اللاعبين، الذين تبادلوا الحملات، مع خطورة نسبية للمنتخب البرتغالي، قبل أن يمنح النصيري للمنتخب الوطني هدف التقدم والنصر في الدقيقة 42، من ضربة رأسية وقفزة هلامية، بعدما أحسن التعامل مع عرضية مثالية ليحي عطية الله. وهو الهدف الثاني للنصيري في كأس العالم، بعد الأول في مرمى كندا والثالث له في مشاركتين في العرس العالمي بعد الأول في مرمى إسبانيا في النسخة السابقة، والسابع عشر في 55 مباراة دولية.
وبات النصيري الهداف التاريخي للمنتخب الوطني في المونديال بثلاثة أهداف، متقدما على خيري وبصير وكماتشو، الذين سجلوا ثنائية.
وتلقى المنتخب الوطني ضربة قوية في الدقيقة 58، بعدما تعذر على العميد غانم سايس إكمال المباراة بعد تجدد الإصابة، ليضطر إلى ترك مكانه لأشرف داري، الذي شكل ثنائية إلى جانب الياميق، لكن خوف الركراكي من الخطر البرتغالي، خاصة بعد دخول رونالدو في الدقيقة 51، جعله يضحي بكل من النصيري وأملاح، ويعوضهما ببدر بانون ووليد شديرة (د 65)، وبعدهما زياش وبوفال اللذين تركا مكانهما لأبو خلال ويحي جبران، ليغلق كل المنافذ في وجه خط الهجوم البرتغالي، الذي انفجر أمام سويسرا في دور الثمن، وتخطاها (6 – 1).
وتزايد الخوف أيضا عندما أعلن الحكم الأرجنتيني فاكوندو عن إضافة ثمان دقائق كوقت بدل ضائع، لكن عزيمة الرجال كانت كبيرة، ونجحوا في التماسك، رغم النقص العددي، عقب طرد وليد شديرة في الدقيقة (90+2)، بعد جمعه إنذارين، وهي واقعة رفعت الضغط النفسي وتوتر الجماهير المغربية، التي ظلت وراء منتخبها إلى نهاية المباراة بتأهل تاريخي وغير مسبوق.
لتنطلق فرحتنا بهذه الانجاز الخرافي والهلامي، فرحة بلعت عنان السماء، ونتمنى أن تتواصل يوم الأربعاء، بتحقيق عبور أسطوري إلى النهائي.


الكاتب : ابراهيم العماري

  

بتاريخ : 12/12/2022