اتحاد كتاب المغرب اليوم: الحاجة إلى بارديغم جديد وتغيير إبستيمي يواكب التحولات

إن الهدف من هذا ندوة «أدوار اتحاد كتاب المغرب اليوم» ليس هو محاولة تفسير ما وقع في مؤتمر طنجة، وهل كان مدبرا هل كان مبيتا؟ هذه أشياء ثانوية.
في اعتقادي إن لقاء من هذا القبيل، يفرض علينا الذهاب إلى ما هو أساسي وجوهري وليس الانغلاق في ما هو ثانوي، فالتاريخ ، كما يقال، طويل وأقواسه قصيرة.
السؤال المركزي، في نظري هو: هل لاتحاد كتاب المغرب اليوم وحتى في المؤتمر 18 ، مشروع متجانس مع ما يعرفه المغرب من تحولات اجتماعية وسياسية واقتصادية، ومع ما يعرفه العالم من طفرة نوعية وهزات قوية، وهل هذا الاتحاد الذي تأسس في الستينيات مازال صامدا أمام هزات ورجات وتحولات العالم؟ وهل استطعنا أن نواكب وأن ننصت إلى دقات القلب النابضة التي تتحكم الآن في ما يعرفه العالم من تحولات؟.
إن ما حدث في طنجة يجب أن ننظر إليه في إطار هذا السؤال، وفي ضوء التساؤل التالي: هل بإمكان الاتحاد، في شكل بنياته وهياكله وطرق اشتغاله المعروفة اليوم، أن يرفع تحديات الألفية الراهنة، فربما أن طرق الحكامة والتسيير والهياكل لم تعد بالقدرة ولا بالكفاءة ولا بالإجرائية التي تسمح بمواكبة التحولات ورفع التحدي علما أن العالم تحول، وفرضت الرقمية موقعها.
هذه الأسئلة هي التي أدت إلى تفجير الكثير من التيارات الثقافية والسياسية في جميع التجارب، وكان لابد لاتحاد كتاب المغرب، بالتالي، بعد مسار طويل، أن يعيش هذا العطب وهذه الأزمة وهذا المأزق. إن الأمر كان ضروريا وحتميا. وحتى لو لم يحدث ذلك العطب، كان ينبغي أن يحدث ذلك ليدفعنا إلى البحث عن طرق لخلخلة والتفكير في تغيير الباراديغم. إن مسألة تغيير الباراديغم داخل الاتحاد اليوم أصبحت سؤالا راهنا، فلم يعد بالإمكان الاشتغال بنفس الباراديغم، ومن ثم البحث عن باراديغم جديد لتقديم مشروع جديد لاتحاد كتاب المغرب. والندوة التي نحن مدعوون إليها اليوم هي محاولة ومناسبة للتفكير في محاولة تغيير الباراديغم.
إن الاتحاد انبثق من التيارات التقدمية الديمقراطية، واستطاع أن يساير المسار الذي يعرفه المغرب بفضل دعم الجرائد الوطنية «المحرر»،» الاتحاد الاشتراكي»، «العلم» و»البيان»، وفي هذا الاطار تأتي مبادرة الندوة التي ربما تأخرنا في اتخاذ مثلها لكنها اليوم تأتي بعد أن أخذت وقتها من الاختمار والنضج ، وهي مبادرة تستمد مشروعيتها إذن من كون اتحاد كتاب المغرب نبع وتعزز وعُضد في إطار التيار التقدمي، وفي إطار المؤسسات الإعلامية التي صاحبته منذ نشأته.
إن اللقاء يستمد أيضا مشروعيته من سؤال اللحظة التاريخية التي تفرض على الجميع أن يتحمل مسؤوليته إزاءها .فهناك اليوم النموذج التنموي الذي تم فيه التنصيص على المسألة الثقافية. هناك مؤسسات تم إحداثها وتعرف حضورا للفعل الثقافي. والحالة هاته،لا يمكن إذن السكوت لمجرد أن هناك أزمة وهناك عطبا. كما أن هناك تحديات، إلى جانب النموذج التنموي، تتعلق بقضية الوحدة الوطنية حيث تبرز مسؤولية المثقف في مثل هذه اللحظات التاريخية التي تحدد مصير الوطن ومصير البلاد، سواء على المستوى الوطني أو الجيوستراتيجي، وعلى المثقف أن يقوم بدوره في كل هذه القضايا الوطنية.
على المستوى الفردي، هناك كاتبات وكتاب وصحافيون يكتبون اليوم ويقومون بدورهم إزاء هذه القضية الوطنية، ولكن على اتحاد كتاب المغرب أن يتحمل مسؤوليته كمؤسسة، وعليه أن يتموقع في إطار النموذج التنموي الجديد للمساهمة في تغيير وجه المغرب.
هناك أيضا ضرورة الاستجابة للآتي، أي كيف يمكن من خلال الثقافة أن يكون لنا موقع قدم في إطار ما يمكن تسميته ب»ابتكار المستقبل «، فنحن نعيش المستقبل الذي يُفرض علينا، والحال أن لنا رصيدا في هذا الجانب. فابن رشد وابن خلدون، مثلا، ساهما في صنع المستقبل، ولا يمكن أن تنحصر مهمة الاتحاد في تدبير سير الفروع وتنظيم اللقاءات الثقافية، لذا أصبح من الضروري تغيير الباراديغم بالموازاة مع بناء مشروع جديد في إطار التحديات المطروحة.
اليوم لدينا نخبة من الشباب تفوز بمجموعة من الجوائز (في الشعر، في الادب، في النقد، في التفكير الفلسفي) ، وبالتالي لا يمكن ألا تكون لنا مساهمة في في صنع أرضية «ابتكار المستقبل»، وهذه مسؤولية الأجيال.
إذن، يجب الاستجابة لبناء المستقبل والمساهمة في بناء مجتمع اقتصاد المعرفة ، وهذا لن يتم في غياب الفعل الثقافي، سواء في الإعلام أو في الجامعة ومختبرات البحث، لكن السؤال الحارق هنا هو: أين هي مؤسسات الفعل والعمل الثقافي الموكول لها هذا الدور؟
نحن اليوم أمام أزمة لكنني أعتبرها أمرا عاديا، فالعديد من التنظيمات وقعت داخلها تصدعات مثل تجارب: السورياليين وتجربة « أنفاس» بالمغرب التي انطلقت كمشروع شعري قبل أن تتحول الى مشروع سياسي ثم LA REVUE INTEGRAL . كذلك حدثت أزمات داخل الأحزاب السياسية. ولهذا أعتبر أن ما نمر منه اليوم هو أمر حتمي وعادي. فما حدث يفضي الى وقفة صحية ولا يجب الخوض فيه من مرجع صراعات شخصية، لأن من أثاروا الفعل التناقضي في مؤتمر طنجة قاموا بشيء إيجابي لصالح الاتحاد لأنهم طرحوا سؤالا مهما: هل سيستمر الاتحاد كغدير هادئ وسط ما يعيشه المغرب والعالم من حركية ومن تحولات، يدبر المحطات التنظيمية ويتداول في نقطة وحيدة هي عقد المؤتمر وتكوين المكتب التنفيذي وتدبير الفروع في كل محطة، دون أن نعيش لحظة القلق الذي تولده عادة مثل هذه التحولات، وهو القلق الذي طالما عاشته النخبة وعاشه المثقفون والكتاب والفلاسفة المغاربة في المراحل الحاسمة من تاريخ المغرب.
هذا اللقاء يمنحنا اليوم فرصة طرح السؤال: كيف يمكن أن نضع لاتحاد كتاب المغرب، مشروعا جديدا، باراديغما جديدا والمساهمة، بالتالي، في تغيير إبستيمي جديد.. من أجل انطلاقة جديدة.
في ما يخص الميكانيزمات، وكيف يمكن استرجاع الأمور في إطار قانوني، لأن اتحاد كتاب المغرب كان دائما يدافع عن الديمقراطية والقانون، وكيف يمكن أن نسترجع المبادرة من أجل عقد مؤتمر استثنائي؟
أقترح التنسيق، بطبيعة الحال،مع اللجنة التنفيذية التي جل أعضائها مازالوا يشتغلون ولم يقدموا استقالتهم،وهناك لجنة موسعة والتي تعتبر برلمان الاتحاد التي تساير أشغاله، وكانت هناك أيضا لجينة انبثقت عن المؤتمر الاخير بطنجة. كل هؤلاء يمكنهم أيضا التنسيق مع كل الفاعلين من خارج الاتحاد والإعلاميين بجرائد « الاتحاد الاشتراكي»، و»العلم» و»البيان» الذين واكبوا مسيرة الاتحاد، وممكن أن يتسع الإطار ليشمل رؤساء الاتحاد السابقين وأعضاء المكاتب السابقة من أجل استعادة الأمور ليس بشكلها السابق، بل وفق مفهوم جديد لاتحاد كتاب المغرب وهذا سيحسب لهذا الجيل الحالي. فنحن أمام تحديات جديدة، أمام فلسفة جديدة وتصور لمجتمع وثقافة جديدة ولا يمكن إغفال كل ذلك.. نحن أمام تحدي جعل الاتحاد قوة ضاربة وفاعلة داخل المجتمع لأنه لا يمكن لأي بلد أن يحدث التغيير دون الاستناد إلى العمل الثقافي في إطار مشروع يتماشى، ويواكب الأجيال الجديدة، أجيال الرقميات .
إن رهاننا اليوم وضع مشروع جديد لاتحاد كتاب المغرب في ظل الرهانات الجديدة و التفكير في الصناعات الثقافية والرقميات والإنسان الرقمي، ويلزمنا معه تغيير الباراديغم وإحداث تغيير ابستيمي جديد لبناء المواطن وترسيخ الوطن في حدوده الجغرافية والثقافية والحضارية، وهي مسؤولية الجميع، أفرادا ومؤسسات، وعلى رأس هذه المؤسسات مؤسسة بزخم ورمزية اتحاد كتاب المغرب..


الكاتب : عبدالرحمن طنكول

  

بتاريخ : 03/03/2023