الأدب المغربي يفقد إحدى نجومه المضيئة

الناقد إبراهيم الحجري .. وداعا

 

بعد أقل من أسبوعين على رحيل الناقد المغربي بشير القمري، ورقة أخرى تسقط من شجرة التألق المغربي بعد أن غادرنا مساء أول أمس الأربعاء، الروائي والناقد المغربي إبراهيم الحجري.
الأسبوعان اللذان قضاهما الراحل بالعناية المركزة بمستشفى الشيخ خليفة بالدار البيضاء، في غيبوبة تامة، وحدّت كل الطيف الثقافي وشغلت المثقفين داخل المغرب وخارجه لما كان يتميز به الراحل من خصال إنسانية رفيعة وتواضع ودماثة خلق، ولما تركه الراحل من إشعاع دولي جعل اسم «المغرب الثقافي» يتردد في أكثر من منصة تتويج دولية، ما جعل الجميع يلتف، أشخاصا ومؤسسات، للمطالبة بتدخل طبي يشخص حالته إلا أن يد الموت كانت أسرع لقطف وردة الحياة.
راكم الفقيد طيلة مساره الإبداعي والنقدي، منجزا متعدد المشارب والرؤى، روائيا ونقديا، كما أنتج العديد من البحوث والمؤلفات التي أثرت الخزانة الأدبية المغربية والعربية، ناحتا مساره، القصير عمرا الغني إنتاجا، بكل أناة وتبصر الحكماء ممن يقدّرون الكتابة قيمة وفعلا ، وهو ما أهله لنيل عدد من الجوائز منها: جائزة الوديع الأسفي في الشعر- أسفي 2001 – جائزة دبي في الرواية 2004 – جائزة بدايات في القصة- آسفي 2005 – جائزة الشارقة للنقد التشكيلي 2012 – جائزة الطيب صالح في النقد الأدبي- الخرطوم 2013 – جائزة الأدب المكتبي- الشارقة 2014 – الترشح مرتين للّائحة الطويلة لجائزة الشيخ زايد في الدراسات النقدية- أبو ظبي 2013 – 2015 – جائزة الألوكة للقيم- الرّياض 2015- جائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي 2018.
لقد ظل الراحل سفيرا فوق العادة للثقافة المغربية أسبوعا قبل إصابته الغامضة، حيث شارك في فعاليات الندوة الفكرية والنقدية التي نظّمها «الملتقى الأول لقصيدة النثر العربية في رحاب المنتدى العربي الأوروبي  للسينما والمسرح» بتاريخ 17 يونيو الماضي وذلك كان آخر نشاط له ، حيث شارك بورقة نقدية بعنوان «قصيدة النثر: صدى اليومي وتصاهر الخطابات».
وقد نعى الكاتب هشام بن الشاوي صديقه الناقد الحجري الذي كان يرقد في غيبوبة بالقول: «اعتاد إبراهيم أن يقضي عطلة الصيف في مدينة آسفي، لكنه آثر أن يقضيها في مكان أكثر.. جمالا !! لا تنس أنني أحبك صديقي..».وتابع ضمن «تدوينة» على موقع التواصل الاجتماعي: «ليس رثاء، فنحن الأموات.. وهو حي في قلوب محبيه، بطيبته النادرة؛ كأنما اختار أن يرحل عن هذا العالم القاسي، لأن هذا العالم غير جدير به، لأنه يستحق الحياة في مكان أجمل..رحل دون أن يودعنا».
الشاعرة وداد بنموسى نعت ابن بلدة التين» البيادرة» قائلة:
« لا تينٌ ولا رُمانٌ يا صديقي
نغادرها خِفافا
ولا نودعُ سوى الضحكات، كانت ما أقَلَّها..
عزيزا غاليا كنت يا ابراهيم الحجري..لتنعم بالصمتِ الأبدي وبالبياض المطلق»
أما الشاعر والباحث صالح لبريني، فكتب في تدوينة مؤثرة:
«إبراهيم الحجري: الغيبوبة المخاتلة
كنتَ، قبل قليل، تمشط للموت سوالفه، وتعتني بتسلّله المباغث إلى الجسد، أياماً طوالاَ من ألفية السأم، تطلّ على الجميع من جبة الغيبوبة، تبتسم ابتسامتك البريئة في وجهه، وتغوص عميقا في لجج الصمت المحيط به هناك، حيث الملائكة يحفّونك برعاية المحبة، ولا أحد معك سوى ظلال الوالدة التي كانت تسبّح للسماء بدموعها تارة وبيقينها في الله بأنك سيعود لتطرق الباب مرة ثانية، رحلت أنت ومازالت الوالدة في انتظار مولودها المعتقل بين الحياة والموت، لن ألوم الموت بل ألعن هذه الحياة التي تسرق منا النّاس الطيبين النبلاء، لتهديها للموت الذي لايشبع ولا يكلّ في مطاردة طرائده، فالإنسان طريدة الموت.
قبل قليل كنتَ تبحث بين دروب الحياة عن أشياء نفتقدها بمجرّد امتلاكها، عن أناس ضاعوا في متاهات الفراغ والتلاشي، وأضاعوا الوقت في مقارعة الهباء، ومطاردة الساحرات، وتقف هناك على ربوة دكالة تتأمّل رحابة الأرض وشساعة السماء، وخرس العالَم وتقذف بروحك سابحا في بحر السؤال المتلاطم بعسر الجواب واستعصائه، ومطاردا عصافير الظهيرة في أوج موسم الحصاد، لايهمّك العالَم وحروبه، تفاهاته وضحالته، بقدر ما كنت قبل قليل تنسج للسرد أحابيل الرؤى وتشرع الفضاء لشخصيات تعيش معنا لكنها غائمة في سماء الحياة، لتقول لنا إن الحياة مصيدة والغبي من يتوهم امتلاكها..»
القاص محمد الشايب نعى صديقه الراحل في تدوينة كتب فيها :
حزين لرحيلك صديقي العزيز المبدع و الناقد إبراهيم الحجري.. محطات ثقافية كثيرة جمعتنا، كان آخرها المهرجان العربي للقصة القصيرة بمدينة خنيفرة، حيث اقتسمنا نفس الغرفة بالفندق و تحدثنا كثيرا..
رحمك الله أيها الكريم الأصيل و أسكنك فسيح جناته. إنا لله وإنا إليه راجعون»
من أعمال الفقيد الإبداعية والنقدية نذكر : «أسارير الوجع العشيق» 2006م، و»صابون تازة» 2011م، و»العفاريت» 2013م، و»رجل متعدد الوجوه» 2014م، و»آفاق التجريب في القصيدة المغربية الجديدة» 2006م، و»الشعر والمعنى»، «شعرية الفضاء في الرحلة الأندلسية»، و»المفهومية في التشكيل العربي: نماذج ورؤى» 2012م، و»المتخيل الروائي العربي» 2012م، و»خطاب الرحلة المغربي الأندلسي: مقاربة سردية- أنثروبولوجية» 2013 إلخ.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 09/07/2021