الأستاذ سعيد المتوكل لـ «الاتحاد الاشتراكي»:انسداد الحوار والغلو في المطالب لن يؤديا إلا للباب المسدود واستئناف السنة الجامعية مسؤولية جماعية

بكثير من الانشغال، عبّر الأستاذ سعيد المتوكل، وهو يلتقي «الاتحاد الاشتراكي» حين إنجاز هذا الملف، عما يؤرق باله ويختلج صدره جراء الوضعية التي تمر منها كليات الطب والصيدلة، فالرجل الذي خبر المجال والمنظومة الصحية، تحدث باعتباره أستاذا سابقا بكلية الطب بالدار البيضاء، ورئيسا سابقا لقسم الإنعاش الطبي، ومديرا سابقا لمختبر الطب التجريبي، كما تكلم بلسان الأب الذي يهتم لصالح ومستقبل أبنائه ويقلق لأوضاعهم، ولم يخل حديثه من أفكار تنهل مرجعيته الثقافية والحقوقية.
في هذا الحوار، يقف الأستاذ المتوكل، عند بعض الملامح المرتبطة بمسارات احتجاجية لطلبة كليات الطب، وبعض المواقف التي كان لها تبعات مختلفة وتسبب في مراحل معينة في شرخ، بين المكونات الطلابية نفسها، وفي تداعيات أخرى على أكثر من مستوى، ويقدم رؤيته للملف المطلبي يالمرفوع، وتقييمه لما تحقق، وما الذي يأمل الجميع في القيام به لإيقاف هذه الأزمة.

n تعرف الساحة الطلابية الطبية إضرابا لا محدودا لطلبة كليات الطب منذ ما يناهز أربعة أشهر دون بوادر حلّ هذه الأزمة. هل نحن أمام احتجاج غير مسبوق أم حيال شكل مستمر لاحتجاجات سابقة؟

pp إن هذه الأزمة ليست وليدة اليوم، إذ تخللت السنوات الماضية عدة إضرابات مؤطرة من طرف تنسيقيات مكاتب الطلبة في جميع ربوع الوطن، وكانت المطالب تتلخص في تجويد التكوين، وتوفير أماكن إجراء التداريب السريرية لطلبة الطب والمختبرات بالنسبة لطلبة الصيدلة، وكراسي طب الأسنان، وتوفير العدد الكافي للأساتذة المؤطرين، كما يشتمل الملف الطلبي على تحفيزات مادية بالنسبة للطلبة الذين يمارسون في المستشفى، إضافة إلى ما يتعلق بإشكالية السلك الثالث الذي يهمّ التخصصات الطبية.
وإلى جانب ما سبق فقد اعترض الطلبة كذلك في مرحلة معينة على مشروع الخدمة المدنية، وعلى تمكين طلبة كليات الطب الخصوصية من الحق في اجتياز مباريات الولوج إلى صف الأطباء الداخليين في المراكز الإستشفائية بالمغرب، وكذا على إلحاق طلبة الطب الهاربين من الحرب الروسية الأوكرانية بكليات الطب والصيدلة وطب الأسنان إلا بشروط.
وفي شهر دجنبر من سنة 2023، دخلوا في إضراب مفتوح يتواصل إلى حد الآن مع تطور الملف المطلبي الذي أصبح يحتوي على خمسين مطلبا، يتصدرها مطلب أساسي حسب الطلبة يكمن في تقليص سنوات التكوين بالنسبة لطلبة الطب إلى ست سنوات، والذي يبدو أنه «القشة التي هشمت ظهر البعير»، رغم أن المرسوم المتعلق بسنّ ست سنوات، كان معروفا منذ أكثر من سنتين وأن الطلبة الجدد كانوا على علم بهذا المستجد واجتازوا مباريات الدخول إلى كليات الطب وهم على دراية بالمرسوم السالف الذكر.

n ما هي الخطوات التي تم قطعها بهدف إيجاد مخرج لهذه الوضعية، وهل حققت ما كان مرجوا منها؟

pp لقد تم عقد عدة اجتماعات مع المسؤولين في وزارتي التعليم العالي والصحة التي لم تؤد مع كامل الأسف إلى رفع الاحتقان، كما عقد الوزيران المسؤولان على القطاع مؤتمرا صحافيا وأشارا إلى تلبية أكثر من ثمانين في المائة من المطالب دون التراجع عن المرسوم المتعلق بست سنوات بالنسبة لطلبة الطب، وهو ما جعل التنسيقيات ترفض رفضا قاطعا كل ما أتى به بلاغ الوزارتين وواصل الطلبة بذلك الإضراب المفتوح.
إن هذه الوضعية قد طال أمدها مع كامل الأسف، وهي تعبر عن أزمة ثقة تسائل الجميع، ونحن ندخل في بداية المشروع الوطني المتعلق بالحماية الاجتماعية والتغطية الصحية لجميع المغاربة، وكذلك بناء منظومة صحية جديدة تقطع مع ما عرفه المغرب لحد الآن، والتي كانت مطلبا أجمعت عليه كافة القوى السياسية والنقابية والمجتمعية.
إن هذه المعضلة تعبر كذلك عن عمق تراجع الوساطة الاجتماعية المؤسساتية التي عرفناها إبان إضراب رجال ونساء التعليم، إذ أصبحت التنسيقيات هي المؤطرة للإضرابات بالمغرب على حساب المؤسسات النقابية. وهنا تجب الإشارة كذلك إلى مهام وأدوار مجالس كليات الطب التي تؤطر سير الحكامة والتأطير البيداغوجي، والتي من بين أعضائها ممثلين للطلبة، كما أن هاته الكليات تنتمي إلى جامعات تتمتع بالاستقلالية البيداغوجية ولها أيضا مجالس تشمل ممثلي الطلبة، لكننا ورغم الدور الكبير لهاته المجالس في الحوار مع الطلبة فإننا لم نسمع صوت ممثلي الطلبة في هاته الهيئات.
إن انسداد الحوار والغلو في المطالب أصبح يهدد السنة الجامعية وهناك بوادر لا قدر الله لسنة بيضاء تذكرنا بما عاشته الجامعة الوطنية المغربية في الماضي، وأنا لي شخصيا بعض الملاحظات حول الملف المطلبي وإن كانت الكثير من المطالب مشروعة، ولي اختلاف مع الطلبة، وإن كان الاختلاف لايفسد للود قضية، وأنا في هذا الإطار لا أدعي الوصاية ولا الأبوية.

n ما هي تفاصيل هذا الاختلاف أو لنقل الملاحظات المرتبطة بتدبير هذا الملف من الناحية الطلابية؟

pp يجب التأكيد على أن الإضراب المفتوح واللامحدود يحمل في طياته خطر الباب المسدود والفشل، فكل الحركات النقابية تعرف متى تدخل في الإضراب ومتى تنهيه، كيفما كانت مخرجات الحوار الاجتماعي، كما أن عدم قبول مرسوم تحديد سنوات دراسة الطب في ست سنوات هو ليس من صلاحيات الطلبة، إذ أن المواد المدرّسة، والهندسة البيداغوجية، ومدة التكوين، تبقى من صلاحيات الأطر الأكاديمية والأساتذة وهيئاتهم العلمية، بناء على تصور واضح يعتمد على معايير تحددها السلطات الطبية للبلد، وكذلك على الأهداف المرجوة التي يحددها الفاعل السياسي عبر مؤسسات الدولة. قس على ذلك التخصصات التي يحتاجها المجتمع وأولوياته، فالكثير من الدول تجعل من طبيب الطب العام هو المدخل الرئيسي لتحديد المسار العلاجي للمريض في إطار التغطية الصحية، وهناك بعض الدول ذات الدخل المرتفع اختارت تعمیم تخصص طب العائلة والكثير من الدول جعلته من اختصاص الطب العام، والصيادلة وكذلك وبعض مهنيي الصحة كالمولّدات «القابلات» نموذجا.
إن المجموعات الصحية الترابية التي هي في طور الإنجاز ستوفر مراكز جديدة لتأطير الطلبة و تكوينهم، وهناك مجهود في الرفع من المناصب المالية بالنسبة للأساتذة الباحتين والمؤطرين الذي سيستمر على سنوات، وبالتالي فأنا لا أشاطر طلبتي الشعار المرفوع والذي مفاده «سنة بيضاء أحسن من مستقبل مظلم»، لأن كلفة سنة بيضاء هي كبيرة جدا وستكون وبالا على الطالب وعائلته ومحيطه الاجتماعي.

n في حال استمر نفس الوضع ووصل الجميع إلى الباب المسدود، ما هي أبرز التساؤلات التي ستُطرح في ظل هذا الوضع؟

pp يجب أن نعلم إضافة لما تمت الإشارة إليه، بأن هناك طلبة للطب في المغرب يتابعون دراستهم في مؤسسات جامعية تابعة للقطاع الخاص لا تعرف إضرابات وبالتالي فهم يطرحون أسئلة هم أيضا ويتقاسمون مع إخوانهم طلبة الطب في الكليات العمومية كل الإكراهات التي يعرفها التعليم الطبي، وهو ما يدفعنا للتساؤل إذا ما كانت هاته الإضرابات اللامحدودة تشكل خطرا على مستقبل التكوين الطبي بالقطاع العام؟ ألا يرهن هذا مستقبل الجامعة الوطنية العمومية التي مكّنت أبناء وبنات الطبقات الشعبية من الارتقاء وخدمة هذا الوطن.
وإلى جانب ذلك تطرح تساؤلات أخرى من قبيل إذا ما استمر الإضراب لا قدر الله، كيف سيكون مصير الراسبين والذين لن يبقى لهم حق التكرار وسيصبحون معرضين للطرد؟ وكيف ستستقبل كليات الطب الطلبة الجدد للسنة المقبلة، هل سنرهن مستقبلهم، أو سنجعلهم يلتجأون إلى الخارج لتحقيق طموحهم وإثقال عائلاتهم بمبالغ ليست في مقدورهم؟

n انطلاقا مما سبق ما هي النصيحة التي تقدمونها في ارتباط بهذا الملف؟

pp لقد علمنا التاريخ أن بناء الوطن يبقى حلما وورشا مفتوحا طويل الأمد ويحتاج إلى أجيال عديدة لتطوره باستمرار، وواهم من يعتقد أن له عصا سحرية ويستطيع أن يحل جميع المتطلبات في رمشة عين. وأتمنى في علاقة بما سبق ألا نبقى، كيف ما كانت مسؤولياتنا، وريثي البيت الشعري المأثور «نحن قوم لا توسط بيننا .. لنا الصدر دون العالمين أو القبر».
إن استجابتي وتفاعلي من خلال جريدتكم المحترمة مع هذا الموضوع، الذي اعتبره معضلة، ينطلق من كوني كأستاذ، ومسؤول سابق، وكأب كأب قد يكون قاسيا، واختصارا كمواطن يسعى لمشاركة مواطنيه في بناء غد أحسن.


الكاتب : حاوره: وحيد مبارك

  

بتاريخ : 23/04/2024