الأسرة الواحدة مطالبة بتخصيص مبلغ 1200 درهم كمعدل شهري لاقتناء علبه لرضيع واحد : حليب الرضاعة الاصطناعي يعمّق الجراح المادية لأكثر من 400 ألف أسرة مغربية

 

يسجّل المغرب كل سنة معدّلا سنويا في عدد الولادات يقدّر بحوالي 650 ألف حالة ولادة، وتتجه الكثير من الأسر بكل أسف إلى تمكين رّضعها من الحليب الاصطناعي عوض اعتماد الرضاعة الطبيعية، لأسباب متعددة، قد تكون صحية، أو مرتبطة بظروف اجتماعية تتعلق بإكراهات العمل وقيوده، أو نتيجة لرغبة بعض الأمهات في الحفاظ على جمالية الجسد، وغيرها من العوامل الأخرى، التي تحول دون منح الرضع حليب الأم إما بشكل قطعي أو بكيفية منتظمة، وتدفع الأسر للبحث عن بديل يتمثل في حليب اصطناعي لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يقدّم نفس الحماية والقيمة الغذائية التي يمنحها حليب الأمهات.
حليب اصطناعي، سواء كان «أساسيا» بالنسبة للبعض أو «مكمّلا» بالنسبة للبعض الآخر، صعب المنال على العديد من الأسر المغربية التي تعاني من تدهور للقدرة الشرائية وتعيش صعوبات اجتماعية واقتصادية متعددة، إذ أصبح ثمن بعض الأنواع يطلّ على مبلغ 100 درهم للعلبة الواحدة أو يتجاوز ذلك ببضع دراهم، بسبب الزيادات المتتالية التي عرفتها أنواع مختلفة من هذا الحليب، الذي يصرف في الصيدليات بالنسبة للرضع في المرحلة الأولى منذ الولادة إلى بلوغهم ستة أشهر، ويكون متاحا لمن هم فوق ذلك في مختلف المرافق التجارية.
وأضح عدد من أرباب الأسر التي تعتمد الرضاعة الاصطناعية في تصريحات لـ «الاتحاد الاشتراكي» أنهم مطالبون بتوفير مبلغ 100 درهم على الأقل، لاقتناء علبة واحدة توفر كمية المسحوق بها «حليبا» للرضيع لمدة لا تتجاوز مدة يومين ونصف، وهو ما يعني أن الأسرة التي تتوفر على رضيع واحد ولا تمكّنه من الرضاعة الطبيعية، هي مطالبة بتوفير مبلغ 1200 درهم كمعدل في الشهر الواحد، يوجّه لاقتناء علب الحليب لوحدها، دون احتساب باقي المصاريف الأخرى المرتبطة بالصحة والتغذية وغيرهما خلال مراحل نمو الرضيع المختلفة، وهو المبلغ الذي سيتضاعف بالضرورة إذا كان الأمر يتعلق بتوأم متكون من رضيعين أو أكثر.
وضعية تطرح أكثر من علامة استفهام، إذ في الوقت الذي تواصل فيه تسع شركات الاتجار في هذا المنتوج، الذي تُفرض عليه رقابة مادية صارمة ترتبط بهامش الربح على مستوى الصيدليات بشكل يخدم المستوردين، وفقا لمصادر «الاتحاد الاشتراكي»، فإن بلادنا لا تتوفر على منشأة خاصة بتصنيع هذا النوع من الحليب محلّيا، بعد أن توقفت إحدى التجارب في هذا الإطار، وذلك بسبب قيود عديدة ترتبط بضمانات التعقيم والجودة وسلسلة التبريد والتخزين، وأساسا، جودة الحليب المستخرج من الأبقار الحلوب، الذي يتطلب رعاية خاصة وحرصا شديدا، دون إغفال عامل الوفرة، الأمر الذي بات متعذرا مع توالي سنوات الجفاف ومع الأزمة التي يعرفها المغرب المرتبطة بعدد الرؤوس، وهو الذي اتّجه لاستيراد الأبقار من الخارج لمواجهة أزمة اللحوم الحمراء، مما يعيد مرّة أخرى مساءلة نجاعة المخطط الأخضر من عدمه!
وارتفعت الأصوات المنددة بموجة الغلاء التي طالت الحليب الاصطناعي الموجه للرضع، التي تدعو الدولة إلى التدخل لـ «تحصين» هذا المنتوج ضد كل «منحنيات» المعاملات المالية ذات البعد الربحي، خاصة وأن مداخيله بالنسبة للشركات المستوردة له هي جدّ مرتفعة، دون الوقوف عند عدد من الممارسات التي سبق وأن أشار إليها تقرير أممي المرتبطة بتوصيات التسويق وغيرها. بالمقابل شدد مختصون في قضايا الصحة في تصريحات للجريدة على ضرورة تشجيع الرضاعة الطبية التي تبقى الحل الحقيقي لهذه الأزمة، صحيا واجتماعيا واقتصاديا، منتقدين خطوة إرضاع الرضع اصطناعيا خلال اللحظات الأولى لولادتهم، مشددين على أن عددا من الممارسات هي تتجه ضد كل الدعوات الرسمية التي تحث على أهمية الرضاعة الطبيعية. وتشير الأرقام الرسمية إلى أن الرضاعة الطبيعية المبكرة خلال الساعة الأولى بعد الولادة لا تمارس على المستوى الوطني إلا بنسبة 42 ٪، وتبرز المعطيات الرقمية أن 35 ٪ فقط من الأطفال يستفيدون من الرضاعة الطبيعية الحصرية وفقا لآخر مسح وطني للسكان وصحة الأسرة لسنة 2018، وهي أرقام ونسب تكشف حجم المعضلة، وفقا لعدد من الأطباء، الذي يشددون على أهمية وفوائد الرضاعة الطبيعية للرضع والأمهات على حدّ سواء، ويدعون إلى تشجيعها تشجيعا فعليا، ومنح الأمهات الموظفات والمستخدمات تسهيلات أكثر مما ينص عليه القانون في صيغته الحالية، وإحداث مرافق وفضاءات داخل بيئة العمل، تساعد على الاهتمام بالرضع أكثر.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 31/05/2023