«الأشخاص في وضعية إعاقة».. في أفق كسب رهانات الإدماج وحماية التماسك الاجتماعي يعانون من مسلكيات تمييزية متعددة الأوجه

 

تخليدا لـ «اليوم الوطني للأشخاص في وضعية إعاقة»، التأمت «جمعة دار الأمان للإعاقة والتربية ما قبل المدرسية» و«جمعية تدبير مركز تأهيل وإدماج الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة»، بخنيفرة، على مدى أيام الثلاثاء، الأربعاء، الخميس والجمعة 7، 8، 9 و10 مارس 2023، في تنظيم مشترك لفعاليات النسخة الثالثة للأيام التحسيسية والتواصلية، بشراكة مع وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، ومؤسسة التعاون الوطني، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وبشراكة مع مندوبية التعاون الوطني بخنيفرة ومجلس جهة بني ملال خنيفرة، وذلك «بهدف زيادة الفهم لقضايا الإعاقة، ودعم التصاميم الصديقة للجميع» وفق ورقة في الموضوع.
وشملت الأيام التحسيسية زيارة وحملة تواصلية من جانب الجمعيتين، معززتين بفريق متعدد الاختصاصات، لقسم الموارد للتأهيل والدعم بمؤسسة تعليمية دامجة (مدرسة الخنساء)، وحفل بمشاركة أطفال وطلاب الجمعيتين، وبفقرات مسرحية (مسرحية الأعمى والأعرج) ورقصات استعراضية وقراءات شعرية وعرض للأزياء ولوحات فولكلورية (من فن أحيدوس)، وشهد الحفل حضورا لافتا للأمهات والآباء، الى جانب حضور عدد من الشخصيات العسكرية والأمنية والمدنية، ومن السلطات المحلية، والعاملين في الحقل التربوي والصحي والجمعوي…
وتم تنظيم زيارة ل «ركن الصور»، والذي تم فيه استعراض حصيلة الأنشطة المنظمة من طرف الجمعيتين، منذ انطلاق شراكتهما مع الوزارة الوصية ومؤسسة التعاون الوطني، كما تميزت النسخة الثالثة بإعلان رئيسة “جمعية دار الأمان”، ذة. ماجدة الهكاوي، عن إطلاق النسخة التجريبية من “دليل تسيير مراكز الأشخاص في وضعية إعاقة”، والذي تم إنجازه بتنسيق وشراكة مع مندوبية التعاون الوطني بخنيفرة، في أفق توزيعه على «الجمعيات الرائدة والمشتغلة في مجال الإعاقة لإبداء ملاحظاتهم» قبل وضعه رهن إشارة العموم بغاية الاستفادة منه، سيما الجمعيات حديثة النشأة في مجال الإعاقة».
وقد افتتحت فعاليات الأيام التحسيسية بكلمة استحضرت «قيمة التضامن في مواجهة الإقصاء والتمييز، والمنجزات الرامية إلى إدماج الأشخاص في وضعية إعاقة في المجتمع كفاعلين، وكذا المجهودات التي يقوم بها المغرب في هذا الصدد»، وطرح تساؤلات بشأن «ما يجب القيام به من برامج تكوينية وإشعاعية وتنموية وحقوقية، وما يجب تحقيقه لأجل تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة». واستعرض المنسق الجهوي للتعاون الوطني ما حققته المؤسسة «من برامج وأعمال ومبادرات ومشاريع»، بينما لم يفت مدير المركز الثقافي أبو القاسم الزياني دعوة مكونات المجتمع المدني العاملة في المجال الإنساني إلى «التعاون المشترك والفعل الجماعي».
واحتضنت قاعة الندوات لقاء تحت عنوان: «الدمج المدرسي للأطفال في وضعية إعاقة: تحديات وآفاق»، بمشاركة المندوب الاقليمي للتعاون الوطني، ذ. رشيد القرشي، الأستاذ بالمدرسة العليا للتكنولوجيا، د. حوسى أزارو، ممثل المندوبية الإقليمية لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، ذ. إدريس مبروكي، الأخصائي النفسي بجمعية تدبير مركز تأهيل وإدماج الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، ذ. حسن بن الشيخ، الأخصائي النفسي بجمعية دار الأمان للإعاقة والتربية ما قبل المدرسية، ذ. محمد إزماون، ورئيسة مصلحة التربية الدامجة بالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، ذة. لالة حفيظة العلوي.
المندوب الاقليمي للتعاون الوطني، أبرز في تدخله كل «ما يتعلق بفئة الأشخاص في وضعية إعاقة على مستوى المخططات الوطنية ومضامين الدستور، والاشكالات التي يطرحها المجال، ثم الرؤى المشتركة مع المتدخلين لربح الرهانات على ضوء المقاربات التنموية والتضامنية»، مستعرضا «تجارب المؤسسة وموقعها في المشهد الاجتماعي، ودورها في برامج الحماية والتماسك الاجتماعي، وانفتاحها على عموم المبادرات ذات الاهتمام المشترك، وذات العلاقة بتحسين ظروف تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة»، داعيا إلى «محاربة جميع أشكال التمييز و إلى المزيد من تضافر الجهود».
رئيسة مصلحة التربية الدامجة بالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، ذة. حفيظة العلوي، ركزت على «المجهودات الملموسة والقفزات النوعية التي أخذت تتسع ببلادنا بخصوص حقوق وإدماج الأشخاص في وضعية إعاقة»، مؤكدة أن «الإعاقة ليست حاجزا بقدر ما هي عبارة عن اختلاف يجب تقبله»، مشيرة إلى «ما يقوم به الفاعلون في المجال من جهود»، داعية إلى «المزيد من المبادرات والتحركات» طالما أن «الإعاقة التي ظلت إلى وقت قريب من الطابوهات قد أضحت أمرا مجتمعيا تحت أضواء واسعة من الانخراط الوطني».
د.حوسى أزارو توقف عند «مسألة الإعاقة وضرورة الإدماج والسبل الممكنة لرفع التحديات»، انطلاقا من سؤال «مدى امتلاكنا لما يكفي من القوانين والبنيات الضرورية لدعم الأشخاص في وضعية إعاقة؟»، معتبرا أن»بلادنا متقدمة على المستوى القانوني والتشريعي مقابل تأخرها على المستوى الميداني والواقعي بخصوص التعاطي مع حاجيات هذه الفئة»، لافتا إلى «تحدث الجميع عن قيم التعاون والكرامة وقبول الآخر بينما السؤال المطروح يظل حول مدى استيعاب الشرائح الاجتماعية والمؤسسات العمومية وضعية الإعاقة؟»، وحول «مدى تمكن القوانين من بلوغ ما يمكن من القوة لتغيير المجتمع للأفضل؟»، مؤكدا «الحاجة لإعادة شكل التربية الاجتماعية من داخل الأحزاب والمدارس والمؤسسات، وتجاوز وضعية القبول نحو وضعية التأهيل»، مشددا على «ضرورة التفكير الجدي في إحداث شعب جامعية خاصة بموضوع الإعاقة، وتكثيف محطات التكوين والتأهيل في المجال»، طارحا تساؤلات من قبيل: «أي مشاريع استراتيجية قامت بها الدولة بدل المشاريع الاجتماعية التي قد يكون فيها تكريس للتمييز؟»، ملحا على «الحاجة لمشاريع مقبولة، ولتنظيم جديد ومؤسسة متممة، ومراكز تسهر على تنزيل الإدماج الحقيقي لفئة الأشخاص في وضعية إعاقة».
ممثل مندوبية وزارة الصحة، تحدث عن «مساهمات الوزارة الوصية على القطاع في ضمان كرامة الأشخاص في وضعية إعاقة، بناء على مضامين الدستور والمواثيق الدولية، ومخطط 2015/ 2020 المتعلق بفئتهم على مستوى التكفل والتكوين والإدماج»، مستعرضا «تعزيز خدمات التأهيل وإشراك المتدخلين وتطوير النظام المعلوماتي والبحث العلمي والبنيات التحتية، ثم المراقبة الاستباقية لصحة الحوامل في سبيل تحسين الإنجاب والحد من المضاعفات المرضية التي قد تتسبب في الإعاقة، فضلا عن المساعدات الاجتماعية والوحدات المتنقلة وتكوين الأطر المختصة».
الأخصائي النفسي ذ. حسن بن الشيخ، تحدث عن» التربية الدامجة كنموذج لتدبير الإعاقة»، متسائلا: «ما إذا كانت التربية الدامجة هي النموذج المناسب لتدبير الإعاقة؟، مستعرضا «مستوى انتشار الإعاقة في العالم العربي، وكذا تنامي وتطور حالات التوحد (بنسبة حالة في كل 30 ولادة)، لافتا إلى أن عددهم بلغ نحو 50 ألف حالة، قبل التطرق ل»أهداف التربية الدامجة، والتدخلات الممكنة لتحقيق الدمج المطلوب، وكذا الحواجز أو الموانع البيداغوجية المعيقة لتنزيل هذه التربية».
من جهته تناول الأخصائي النفسي، ذ.محمد إزماون، موضوع: «الدعم النفسي والدمج المدرسي، أية علاقة؟»، مستعرضا «دور هذا النوع من الدعم في دمج الأطفال والأشخاص في وضعية إعاقة»، وكذا «الاكراهات والتحديات التي تواجه الأخصائي أو فريق العمل»، معرفا بـ «المواكبة النفسية وشروطها بهدف تنمية المهارات الاجتماعية والسلوكية»، متطرقا لـ «مراحل الدعم النفسي وإعداد التقارير، انطلاقا من بنية حالة الشخص ووسطه الأسري وملفه الطبي»، مشيرا إلى «مشكل قلة أطباء الأمراض النفسية على مستوى الجهة».
أحد المكفوفين تقدم بشهادة مؤثرة استهلها بـ «المواكبة العالقة لأوضاع الأشخاص في وضعية إعاقة»، مستعرضا حالته كرجل كفيف متزوج تعترضه الكثير من العقبات في حياته، قائلا إنه «كلما تقدم لإيجار منزل يصطدم بالرفض والتهرب»، وكلما «دخل المسجد لأداء الصلاة يعتقد الناس أنه يتسول»، بل سبق له أن «رغب في فتح حساب بإحدى الوكالات البنكية التي امتنعت عن تلبية طلبه ما لم يتم الحصول منه على وثيقة من وكيل الملك تتحمل فيها زوجته المسؤولية»، معبرا عن ألمه حيال هذا الوضع، وداعيا إلى «تغيير نظرة المجتمع لمن هم في وضعية إعاقة بدءا من حقهم في مجانية النقل الحضري».
وعلى هامش الأيام التحسيسية تم عرض فيديو خاص بأنشطة «جمعية دار الأمان» وآخر خاص بأنشطة «جمعية تدبير»، لتختتم التظاهرة بلقاءات تواصلية للتحسيس باليوم العالمي للتوحد، والمندرجة، حسب تقرير للجمعيتين، «ضمن الحملات الساعية لـ «ضمان حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، وزيادة الوعي بإدماجهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية»، كما هي مناسبة ل «تقييم وتثمين المنجزات والخطوات التي تم قطعها من أجل المساهمة في حماية حقوق هؤلاء الأشخاص والنهوض بها على كل المستويات»، وكذا إبراز «التحديات المرتبطة بقضايا الإعاقة ببلادنا، ما بعد التنصيص عليها دستوريا والمصادقة على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة و بروتوكولها الاختياري الملحق بها في 8 أبريل 2009».


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 16/03/2023