الأغنية المغربية الأمازيغية بين الأمس واليوم

مما لا شك فيه أن الكلمة الشعرية والنغمة الموسيقية لا قيمة لهذه وتلك إلا لكونهما صادرتين عن ألإنسان معبرتين عن آلامه وآماله، عن شدته ورخائه، ومن خلالها الشاعر كفنان مبدع يعبر عن آلام وآمال من يشاركونه همومه وهموم من يعبر نيابة عنهم.
….هناك من يعبر ببراعته كمثقف يكتب فيستفيد منه القراء، وهناك من لديهم الكثير من التجارب ضمنوها قصائد شعرية مغناة وغير مغناة، ومعزوفات موسيقية ولوحات معبرة، كثقافة شعبية مكتسبة من هذه المدرسة الشاسعة والغنية : مدرسة الحياة، مأخوذة عن جدارة واستحقاق عن المعاناة اليومية…
تذكير لا بد منه وأنا بصدد طرح ملاحظات أولية حول : الأغنية المغربية الأمازيغية من الهواية إلى الاحتراف، والسؤال الذي يفرض نفسه هو :
ماذا عن الأغنية الامازيغية السوسية التي أمارسها وأبحث فيها ؟
كيف كانت وكيف صارت وإلى أين تسير ؟
بداية تنقسم هذه الأغنية إلى :
رقصات أحواش.
أغنية الروايس.
الأغنية المعاصرة.
رقصات أحواش :
بالنسبة لرقصات أحواش وباختصار، تعد بالعشرات وتختلف من ناحية إلى أخرى من حيث الأوزان الشعرية والآلات الموسيقية المستعملة، كالبنادير والطبول والمزامير والناقوس… وحركات الأطراف المصاحبة للإيقاعات الموسيقية كالتصفيقات وحركات الأرجل، وبالتالي فمصطلح أحواش يطلق على جميع أنواع الرقصات مهما اختلفت أوزانها وآلاتها وطقوسها ويطلق أيضا على هذه الرقصات مصطلح «لهدرت».
وتجدر الإشارة إلى أن رقصات أحواش جماعية، تقوم فيه كل جماعة بمهمتها داخل المنظومة ككل، مجموعة البنادير داخلها (أمنقر) حامل البندير، يصدر صوتا مميزا، ويعتبر مسيرا لمجموعة البنادير ثم أمريس وهو مسير الرقصة، يقف أمام الراقصين ويسير الرقصة من الناحية الحركية، ثم حامل الطبل المحتفظ بتوازن الرقصة، والذي يعطيها حرارة إيقاعية متميزة وهناك (الناقوس) آلة حديدية دائرية تدق بمسمارين كبيرين، وفي مناطق أخرى كالأطلس الكبير يستعمل المزمار أو عدة مزامير، إضافة إلى اختلاف في الملبس الخاص بالرقصة الحربية (تاسكيوين)، وكثيرا ما تنقل الرقصة بحكم التزاور من قبيلة إلى أخرى، لتضاف إلى رقصاتها أشكالا أخرى، ولكل رقصة طبعا اسمها المميز لها.
وإذا كانت رقصة أحواش تمارس من طرف ساكنة هذه المنطقة وتلك كهواية، فقد أفرزت الهجرة والمتطلبات الاقتصادية والاجتماعية مجموعات احترافية في البادية والحاضرة، تشارك في الاحتفالات بالمقابل، دون إقصاء الهواية المحلية طبعا، وتوجد المجموعات أيضا في هذه المدينة وتلك، ولكل منها مكانتها لدى جمهور (إسوياس) المراقص، وهناك من سقطت في حضيض مدح فلان وفرتلان، وهذا النوع يقوم أحيانا بتشويه مكانته ومكانة مجموعته شكلا ومضمونا ليصير متجاوزا محليا ووطنيا.
وقد سبق أن كتبت تحقيقا في الموضوع في هذا المنبر تحت عنوان : شعراء أحواش ليسوا وكالة إشهارية لمدح فلان وفرتلان، أتركوهم لرسالتهم النبيلة.
والخطاب هنا موجه للذين اعتادوا وضع النقود فوق رأس هذا الشاعر وذاك طلبا لمدحه ليتبعه الثاني…
أغنية الروايس
المتتبعون لفن «تارايست» خاصة من عايشوا الثلاثينات إلى الثمانينات أو من جالسوا أعمدة «أحواش» و «تارايست»، يعلمون أن الأغنية الامازيغية للروايس وأحواش ابتدأت بالهواية ثم الاحتراف.
الهواية التي كانت تستهدف التعبير عن معاناة الفنان، عن ذاته، عن آلامه وأماله وعن آلام وأمال مجتمعه المحلي والوطني والإنساني، دون أن يؤثر عليه إلا ما يؤمن به سلبا وإيجابا، من خلال مشاهداته ومعايشته اليومية ومن خلال احتكاكه بالآخر.
«الرايس» كهاو لفنه إذن، يعبر عن ذاته، وعن محيطه وعن معاناته ومعاناة مجتمعه، عانق الطبيعة وعانقته فنسج قصائد وألحانا رائعة لازلنا نردد ما وصلنا منها.
كان الفنان الهاوي مرحا، ضحوكا لا يعرف الحقد ولا الحزن لقلبه ولا لمحياه طريقا، سعيدا هنيئا في سراء الحياة وضرائها، ساندته الطبيعة الخلابة وصفاء الحياة المستمدة من سلوكه، لأن يصير محبوبا ومقبولا لدى مستمعيه ممن يلتفون حوله بالعشرات أينما حل وارتحل.
في مرحلته هاته، مرحلة الهواية ساعده الفراغ الإعلامي الكلي المسموع والمكتوب والمرئي، مما جعله وسيلة ترفيهية متميزة لسكان البوادي والمدن. وقد أتاح لهم هذا الجو مكانة اجتماعية وفنية متميزة، حيث يستدعى من أعلى سلطة في المناطق، وتتوافد عليهم الجماهير المشجعة، تغدق عليه الهدايا من طرف الأعيان والقواد، لكونه وسيلة إعلامية.
كان الفنان وسيلة إعلامية متميزة لا تنافسه أية وسيلة، لا إذاعة، لا تلفزة، لا أنترنيت، لا مقعرات، لا جرائد، جولات مريحة في الداخل والخارج ومصاريف متواضعة، لا كراء، لا فاتورات للماء والكهرباء، لا عيادة، لا شراء بقعة أرضية ولا الاقتراض لبنائها، لا ….لا….
لا يعرف للمحكمة بابا…، لا دراسة للأبناء، لا أمراض، الجو غير ملوث…، لا دخان، لا خمر، لا مخدرات…
بل اشترط أحد الروايس، وهو مبـــــارك بونصيـــــــر، المنتمي إلى إقليم وارززات في اتفاقية مع مرافقيه قبل السفر إلى فرنسا للقيام بجولة مع أحد الممونين للسهرات، اشتــــرط عليهم كتـــــــابة ما يلي :
عدم التدخين، منع تناول الخمر، عدم الخروج إلا بإذن منه إلخ…
نظرة جد مختصرة عن مرحلة الهواية، التي كان الرايس يعيش لكرامته ولذاته، ولمجتمع، كان يضيء بفنه طريق الضالين، كان بلسما يعالج القلوب المكلومة، يحترم ويحترم، يتمنى الجميع أن يجالسه وأن يستمع لألحانه ولكلماته الهادفة.
مرحلة الاحتراف :
مع دخول الحماية إلى المغرب، جاءت مرحلة الهجرة من البوادي إلى الحواضر خاصة بعد إيصال الطرق الرئيسية إلى جميع الجهات ليتدفق «الروايس» على مراكش جامع الفنا، وإلى الدارالبيضاء، بساحة درب غلف وغيرها من المدن.
كانت بداية هجرة «الروايس» مريحة نسبيا ومربحة، هاجر الجمهور وتبعه الفنان ليسليه في غربته ولينقل له ما يذكره ببيئته على الأقل، لكن سرعان ما كشرت المدينة أنيابها وطالبت الرايس بالمقابل الذي لم تكن تطالبه به البادية، وهكذا بدأت المعاناة الحقيقية للروايس، ومع هذا كله، وإلى غاية الثمانينات استطاع العديد من الروايس أن يحافظوا على مكانتهم الفنية وعلى استقرار مادي، وعلى احترام متبادل بينهم وبين جمهورهم العاشق لفنهم، من جهة ثانية.
حرفة من لا حرفة له :
لكن سرعان ما صار فن الروايس ملكا مشاعا ومهنة من لا مهنة له، فصرنا نسمع تسجيلات صوتية مبتذلة، وأخذنا نسمع ألحانا أوربية وأسيوية تقحم في فن تيرويسا، بعيدة كل البعد عن أصوات وألحان «الروايس» الرواد، ونسمع كلمات مدغدغة للعواطف، لا هي بشعر ولا بنثر، وبالتالي لا مضمون لها، وهناك من أقحم رقص «البالي» في فن الروايس. هذا كله جعل هذا الفن الحضاري الرائع والرفيع، وهذا الجانب المضيء من ثقافتنا وأصالتنا فن الروايس يفقد مكانته شيئا فشيئا لتفوق الطالح على الصالح واللامسؤول على المسؤول.
طبعا هناك قلة من «الروايس» تحدوا الصعاب وحافظوا على مكانتهم وجمهورهم، أخشى أن أذكر البعض وأترك البعض الآخر..، رغم ما فرضته الشاشة من السيطرة بإنتاجاتها المتنوعة وبقنواتها التي تتنافس على أخذ أكثر ما يمكن من الجمهور ورغم أن دعاة الفن أفسدوا أذن المستمع وإحساسه وخلقوا لديه نوعا من السأم وكراهية الفن…
إذن، هذه العوامل جعلت فن الراويس يحتضر، وشاهدنا العديد من أعمدة هذا الفن لا يجدون تكاليف الأدوية أثناء مرضهم، ولم يوفر لهم الفن بيتا محترما للسكن، إلا قليل منهم، ومن أين لهم بتغطية باقي المصاريف ؟ لا داعي لذكر الأسماء وقد لخص المرحوم الدمسيري هذه الوضعية بقوله : « احبنت ايمى نشرك تاوورى داوكراب «
ومفاد هذا البيت الشعري أن العمل يتوفر صيفا لمن كان محظوظا وأهلته جديته ومكانته ليكون مقبولا، والفراغ والبطالة وجيش الحاجيات ولا مداخيل بالمرصاد طول السنة.
أسباب هذه المعاناة :
ومن بين أسباب معاناة الروايس انعدام النقد الهادف والتصحيح والتوجيه، بعضها ساهم فيه الروايس أنفسهم، كعدم تأسيسهم لإطار قادر على ان تجمعهم وأن تعرف بهم وبمشاكلهم بواسطتها يمكن تكوين صندوق أو تعاضدية لمساعدة مرضاهم وأيتامهم، نعم هناك الآن بطاقة القنان لمن سعى للحصول عليها وأن الأغلبية لا يحصلون عليها إلا بعد الوفاة، بل ويمكن تأسيس استوديوهات للتسجيل وشركات للتوزيع الموسيقي، وكذا عدم انخراطهم في نقابة ما، قادرة على الدفاع عن حقوقهم المادية والمعنوية كالضمان الاجتماعي، وحق التقاعد والتعاضدية ومحاربة القرصنة ممن اعتادوا السطو على حقوق الروايس وعلى ألحانهم وكلماتهم، بل وعلى أسمائهم في بعض الأحيان، إضافة إلى عدم استطاعتهم تكوين جوق موسيقي كجوق الملحون وغيره، لتمثيل فن الروايس في المهرجانات الوطنية والعالمية، هناك أخيرا بطاقة الفنان ومكتب حقوق التأليف بحاجة إلى تحقيق خاص ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه من فن أحواش وفن تيرويسا وغيرها من الفنون المغربية كفن العيطة، لابد من تأسيس معاهد على مستوى الجهات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وللمحافظة على هذه الفنون التي تمثل حضارتنا وثقافتنا وإنسانيتنا.
المجموعات المعاصرة :
تعتبر هذه المجموعات امتدادا لمدرسة «الغيوان» وأوسمان وازنزارن، حيث تخلت عن الآلات التقليدية وعن ما يميز فن الروايس من جلباب، وخنجر وعمامة صفراء أو بيضاء، هذه المجموعات بدورها سقطت في سوق العرض والطلب كمجموعات الروايس إلا بعض الأسماء المعدودة على رؤوس الأصابع.
علاقة «الروايس» والمجموعات بمؤسسات التسجيل بكل اختصار علاقة استغلال مادي ومعنوي، إذ تفرض المؤسسة المواضيع الهشة على صاحب هذه الفرقة وتلك وبمقال جد هزيل، هناك قلة ممن استطاعوا تأسيس مؤسسة باسمهم يقومون بالتسجيل والتوزيع.
إن وضعية الفنان الأمازيغي للأســـــــف إسوة بإخوانهـــــــم الفنانين المغاربة بصفة عــــــامة تــــــدعو إلى القلق، فلو قمت بزيارة لمدينة الدشيرة الجهادية قرب مدينة أكادير لوجدت أجساما تتآكل، لا موارد في المستوى المطلوب من مكتب حقوق التأليف بالنسبة للمنخرطين، أضف إلى ذلك أن أغلبيتهم غير منتمين لا للضمان الاجتماعي ولا للتعاضديات، فكلما مرض أحدهم، أو فقد ذاكرته، أو توفي، إلا وتجد هذه الجمعية وتلك تجمع المساهمات البخيلة لمساعدته، كما حدث مثلا ل أ»اهروش» و»مبارك ايسار» هذا الأخير كان نجما لفن الروايس، لما أصيب بشلل جزئي أقيمت له ندوة تكريمية وتكفل أحد الأطباء بمتابعة علاجه إلى أن لبى نداء خالقه، ونفس الشيء بالنسبة للمرحوم أحمد أمنتاك، وأخيرا بالنسبة للرايس احمد بيزماون الذي تمت العناية به كالأولين في عيادة الدكتور محمد بيزماون بمساعدة أطباء آخرين وبالمجان، لهم الشكر.
هناك أيضا معضلة القرصنة فما أن يقوم أحدهم بالتسجيل حتى تتحرك آلات اللصوص لتستخرج من شريط واحد مئات بل الآلاف لانعدام الحماية، فالموظفون المتواجدون في مكتب حقوق التأليف لا يقومون بالمراقبة لقلتهم، ولعدم توفرهم على وسائل مساعدة لهم، أضف إلى هذا توقيف لجنة تسيير المكتب بعدما قامت باستخلاصات ودراسات واقتراحات الخ.
خلاصة القول أن الواجب يفرض :
إحصاء عام للفنانين المغاربة خاصة من تتوفر فيهم مواصفات الفنان.
دراسة ميدانية لوضعيتهم المادية والمعنوية.
المطالبة بتفعيل القوانين والمراسيم الصادرة أخيرا، والخاصة بمكتب حقوق المؤلفين.
تشجيع الجمعيات المهتمة والمؤطرة للأغنية المغربية.
توفير الضمان الاجتماعي للفنانين وفق شروط معينة.
توفير تعاضدية للعلاج ورعاية أيتام الفنانين.
تدوين موسيقى الروايس وأشعارهم، وكذا روائع رقصات أحواش بأنواعه، علما بأنهم يتحملون وظيفة الإعلام بالنسبة لمستمعيهم، فقد سجلوا أغاني عن الحروب الكونية وعن الوحدة الوطنية والفوارق الطبقية وعن حقوق الإنسان، وعن مدونة الأسرة، …سواء تعلق الأمر بشعراء «أحواش» او ب «الروايس» أو ببعض المجموعات الرائدة كمجموعة ارشاش وغيرها.
تلك نظرة مختصرة عن الأغنية الأمازيغية كجانب ثقافي معبر عبر العصور عن آلام وآمال هذا الوطن. دون العناية بالفنانين سيضطر هؤلاء إلى الرقص لهذا السائح وذاك طلبا لدريهمات كثمن لكرامتهم التي تعتبر كرامة وطنهم المغرب.
ومع ذلك، يجب الاعتبار والتنويه بما قدمته وتقدمه أغنية «أحواش» وأغنية «الروايس» والأغنية العصرية كأغنية احترافية، حيث ساهمت مساهمة فعالة ثقافيا واجتماعيا ودينيا واقتصاديا وسياسيا وإعلاميا، على مستوى المتن الشعري الهائل الذي ضاع منه الكثير، وعلى المستوى الاحتفاظ على المتن الموسيقي ومحاولة تطويره في إطار الأصالة والمعاصرة.
لقد حافظت أغنية الروايس وأحواش على اللغة الأمازيغية بمعجمها اللغوي الغني مع العلم أن الأغلبية يستعملون المتن الدارجي المغربي وكلمات أجنبية أحيانا، رغم غنى المعجم الأمازيغي، ونفس الشيء بالنسبة لأغاني أحواش، وما المتن اللغوي الهائل والمميز الذي جمعه وانفرد به الشاعر الرايس الحاج محمد ابن احيا اوتزناخت في أغنية الطيور الرائعة إلا أكبر دليل على أسماء لطيور مفقودة اندثرت.
حافظت أغنية الروايس وأغنية أحواش على الفن الأمازيغي أصالة ومعاصرة من حيث نقل النغمة الموسيقية بإيقاعاتها المتنوعة من الأجيال السابقة إلى الجيل الحاضر مع محاولة التطوير للانطلاق بها نحو المستقبل علما بأن الكل يلاحظ بأن هناك من يقوم بتشويهها مدعيا تطويرها لعدم توفرهم على الحد الأدنى من الثقافة الموسيقية التي تؤهله للجمع بين الأصالة والمعاصرة دون السقوط فيما يفقد فن تيروسا خصوصياته.
المتتبع لهذا الفن المغربي، الأمازيغي، الإنساني، سيلاحظ محافظة الروايس ماضيا وحاضرا إلا قلة جد قليلة على الهندام المميز لهذا اللون كخصوصية ثقافية ومميزة لفن «تارايست»، حيث النغمة الصادرة عن آلة «الرباب» و»لوطار» و»الناقوس» و»البندير»…. تفقد جماليتها ونكهتها أثناء المشاهدة الهادفة إلى تحقيق الفرجة والاستفادة ونفس الشيء يقال عن رقصات أحواش، فالزي الخاص بهذه الرقصة لا يمكن استبداله بالزي العصري والهندام التقليدي من جلباب وعمامة بيضاء وخنجر بخيطه الحريري وبلغة بيضاء أو صفراء أساسي في منظومة الروايس وأحواش بل ويدخل في هذه المنظومة الحيز المكاني، أي مكان الرقصة لابد من أن تكون الأرضية صلبة أو خشبية لما تلعبه حركات الأرجل من تجارب وتكامل بينها وبين الأيادي أثناء التصفيق المنتظم والمدروس والخاضع لنغمات «الرباب» و»لوطار» وآلات أخرى عند «الروايس» ونغمات البنادير والناقوس والطبل عندما يتعلق الأمر برقصة أحواش.
إشارات لابد منها، ونحن نشاهد أحيانا في القنوات التلفزيونية رقصة أحواش والروايس تمارس فوق الزرابي مما يجعل ضربات الارجل، لا تسمع وهي المتجاوبة مع حركات الأيادي كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
وسأسرد مثالا لجهل أحد المنظمين لمهرجان أكادير المنظم من طرف جهة سوس ماسة درعة، حيث برمج فرقة «حاحا» بالشاطئ جانب البحر، وسط الرمال، وبعد أن انطلقت المزامير وتصفيقات الأيادي وتلقائيا اختفت الأرجل مدفونة في الرمال، وهذا ما يبين جهل المنظمين بما هم بصدده.
وعودة إلى إسهامات الروايس والممارسين لرقصات أحواش والمجموعات العصرية، أذكر بالجانب الاقتصادي والاجتماعي، فأغنية الروايس تعيل العشرات بل مآت الروايس بحاجياتهم اليومية إضافة إلى حاجيات عائلاتهم بالدراسة ولو توفرت لدينا المعاهد المتخصصة في هذا المجال لأمدتنا بدراسة ميدانية لفرق الروايس المتواجدة في مدينة الدشيرة الجهادية والدارالبيضاء، ومراكش إلخ، وقد قال لي المرحوم الحاج الدمسيري وانا أحاوره كعادتي لبرنامجي الإذاعي، لو تعلق الأمر بي وبأسرتي لمنحت التقاعد لربابي ولذاكرتي وحلقي ولجسمي العلل ككل، لكن لدي قرابة عشرين فردا بين عازف ومردد ومرددة ولكل واحد منهم أسرة من ستة أفراد فأكثر….
كما سأسرد ما وقع للرايس محمد بونصير العازف الممتاز على آلة الرباب من تلامذته ابن المودن العازف على نفس الآلة فالأول شارك المرحوم الدمسيري وغيره العازفين وأصحاب الكلمات لدى الروايس لا تذكر أسماؤهم كحق معنوي وكيف بإنصافهم ماديا. توفي بأحد مستشفيات مراكش ابن طفيل زرته وقتذاك ووجدته في حالة يرثى لها قبيل وفاته. وهاتفت المسؤولين بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ونقلت صوته لعشاقه في برنامجي الإذاعي وكتبت عنه في إحدى الجرائد الوطنية كواجب. علما بأن محمد بونصير وأمثاله من العازفين وكذا غيرهم من الروايس باختلاف إسهاماتهم في الخلق والإبداع، هذه الشريحة أعطت للمواطن الفرجة لتنسيه آلام المشاكل اليومية وتناولت من حيث الكلمة الهادفة قضايا إنسانية، مما يستوجب على الدوائر المسؤولة من وزارة الثقافة والمجالس المنتخبة العمل على المحافظة على هذا الفن الثقافي الوطني الإنساني وعدم ترك الفنان للمعاناة، وهذا يقتضي أولا وقبل كل شيء التعجيل بتأسيس معاهد خاصة بهذا الفن في كل جهة من جهات الوطن خاصة حيث يتواجدون.
في السنوات الأخيرة تم إطلاق اسم الفنان الراحل الرايس الحاج بلعيد على المعهد الموسيقي البلدي لمدينة تيزنيت ليصبح المعهد الموسيقي البلدي للرايس الحاج بلعيد… حضرت حفل التسمية ودخلت المعهد لأجد البراعم يعزفون الموسيقى الشرقية والغربية… مع العلم أن الشرق والغرب في نظري تتوفر لديهم معاهد وأساتذة وإمكانيات.
لم نترك حقولنا تجف وزهيراتنا تذبل ونحول جداولنا إلى حقول غيرها رغم توفرها على سدود وسواقي ؟
أسئلة وآهات لا أملك غيرها.
شكرا على حسن الاستماع.
تانميرت.


الكاتب : محمد مستاوي

  

بتاريخ : 11/01/2022