الأكاديمية والناقدة زهور كرام لـ”الملحق الثقافي”: عندما لا نقف تقديرا لكل الأصوات النسائية المُبادِرة لصناعة المتخيل الرمزي، فلن يستقيم حضورنا

يعرف المشهد الروائي اليوم تراكما مهما للقول الإبداعي النسائي، لكنه للأسف، لايجظى بمتابعة نقدية تواكب إبدالاته على مستوى اللغة والخطاب والإبداعية والفنية.
في هذا الحوار مع الناقدة الدكتورة زهور كرام صاحبة «طبقات ربات الخدور مقاربة في القول النسائي»، نقارب تحولات الرواية النسائية بالمغرب، كما نطرح أسئلة من قبيل: حضور الجسد وتوظيفه ضمن خطاب روائي تحرري؟ هل مازال مصطلح «الأدب النسائي» قابلا للتداول النقدي اليوم، بالنظر إلى لما وصله النقد الأدبي الغربي لما بعد الجندرية وتعدد الهويات الجنسية؟ كيف تحرر الخطاب الروائي النسائي من سطوة الإيديولوجي ليكتسب شرعيته الموضوعية من النص ومن الرؤية والوعي الثاويين خلفه، والمساهمة ،بالتالي، في إنتاج متخيل رمزي يصنعه الكاتب والكاتب؟

 

هل مازال مجديا الحديث اليوم عن رواية نسائية، بالنظر إلى لما وصله النقد الأدبي الغربي لما بعد الجندرية وتعدد الهويات الجنسية؟

– أظن بأن اعتماد مصطلح « الرواية أو الأدب النسائي» بشكل عام مُرتبط بشكل كبير بشرط سياقي له علاقة بموقع المرأة في الثقافة والمجتمع والقوانين. ارتبط ظهوره أول مرة بسياق حقوق المرأة في التعبير، والدفاع عن أحقيتها في الكتابة، وأحقيتها في أن تكون مقروءة، بمعنى أن يُسمع صوتها، ويتم استقباله بوصفه صوتا مستقلا. يختصر مصطلح « الأدب النسائي» سواء بإنتاجه أو تلقيه ثقافة تمثل المرأة. لهذا، شكل ظهور المصطلح صراعا بين من يرى فيه إمكانية ثقافية لإعادة الانتباه إلى المرأة، باعتبارها ذاتا فاعلة، وصوتا شريكا، وكائنا بذاته ولذاته وتجاوزا في الوقت نفسه لتمثل المرأة باعتبارها مفعولا به ومنظورا إليه وذاتا قاصرة، تحتاج إلى ذاتٍ أخرى عبرها تستكمل كينونتها. بناء على ذلك، تحول المصطلح إلى أداة إجرائية تعتمدها الدراسات النقدية والثقافية من أجل إنتاج وعي أولا بطبيعة الخطاب الرمزي الذي تنتجه المرأة، وتحليل نظام هذا الخطاب، ورصد طبيعة التمثلات التي يختزنها هذا الخطاب، ومن هذه التمثلات يمكن رصد حركة تحول المرأة من موقع إلى آخر، أو أن الخطاب يكشف عن استهلاك المرأة للتمثلات المألوفة، وبهذا الشكل تصبح الكتابة مرجعية ثقافية لرصد حقيقة التحولات بالتوازي مع المكتسبات الحقوقية والتشريعية والقانونية والتعليمية. نحن نتحدث عن المتخيل الرمزي الذي تنتجه الكتابة النسائية، وبواسطة مصطلح الأدب النسائي نستطيع أن نحلل هذا المتخيل ونقف عند التمثلات حول المرأة والرجل والمجتمع والتعاقدات الذهنية.
ما أقصده بكلامي أن هذا المصطلح له قوته الثقافية في كونه يشتغل برؤيتين اثنتين: واحدة باتجاه كتابة المرأة وثانية باتجاه المُستقبِل لكتابة المرأة. لأن المجيئ نحو كتابة المرأة يكشف سر الذاكرة، حتى وإن كان حاملها ينتمي إلى أعرق الإطارات الحقوقية، أو كان من الموقعين على أكبر اتفاقيات حول أحقية المرأة في أن تُتنج متخليها الرمزي، فإن المجيئ نحو كتابة المرأة يُفشي سر الخلل الثقافي الذي يحمله متلقي كتابة المرأة، سواء كان رجلا أو امرأة أو المجتمع بكل منظوماته.
ظهر المصطلح في التجربة المغربية مبكرا بالمقارنة مع أغلب التجارب العربية. ونتذكر كيف هيمن على المشهد منذ نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، وكيف شكل محور نقاشات وأخذ اسم ملتقى سنوي، وخُصصت له ملفات في مجلات وملاحق ثقافية، وكان الأمر مرتبطا بحركية سياسية وحقوقية أسهمت في الانتصار لهذا المصطلح الذي سيتخذ شرعيته الموضوعية بعيدا عن الإيديولوجي عندما دخل مجال البحث العلمي، وأصبح عنوانا لتكوينات وأطاريح جامعية. يمكن القول بأن تاريخ اشتغال المصطلح في التربة الثقافية والأكاديمية المغربية أسهم في جعله ممارسة ذهنية أكثر منه خطابا دفاعيا عن المرأة. ولهذا، لم نعد نجد -إلى حد ما- في التجربة المغربية هذا الانشغال بالكتابة النسائية، لأن المشهد تجاوزه بشكل أو بآخر، بعد أن حقق مكتسبات أسهمت في الاهتمام بكتابات المرأة وتخصيب شروط إبداعها. نلتقي بهيمنة المصطلح حاليا في سياقات عربية وذلك انسجاما مع حاجيات تلك المجتمعات إلى بث التمثلات حول المرأة، باعتبارها صوتا منتجا وذاتا فاعلة وشريكة في تدبير مجتمعها ومتخيل المجتمع.
نعيش اليوم تحولات عالمية مع العصر الرقمي الذي بات يفرض تفكيرا جديدا و مفاهيم جديدة، لهذا يتم الحديث اليوم عن مراجعة المفاهيم.
بناء على ذلك، عندما نتناول مصطلح « الرواية النسائية» فمن الضروري استحضار مسار تحقق المصطلح حسب السياقات، وكيف يمكن مراجعة المفهوم.

لا يكفي توظيف خطاب الجسد أثناء عملية الكتابة بما يحرره ويعيد له الاعتبار. هل على الروائية أن تشتغل في إطار رؤية للعالم تشتغل على الجسد، انطلاقا من اللغة الموظفة للحديث عنه؟

– عندما نتحدث عن الإبداع، نُلغي الوصايا عن التعبير. وهنا يكمن الفرق بين الخطابات السياسية أو الفكرية أو الثقافية والخطابات الرمزية الإبداعية. لغة الإبداع مختلفة عن لغة الخطابات التقريرية التي تبحث في موضوع وتشتغل برؤية واضحة من الأول، وتعمل على تمريرها لإحداث التأثير والإقناع لدى الآخرين. لغة الإبداع مختلفة بنيويا، لكونها لغة انزياحية عن لغة التواصل اليومية، فهي لغة إيحائية ورمزية ومن ثم تأويلية، لا تعكس رؤية سابقة أو واضحة، إنما الرؤية تتشكل وِفق زمن الإبداع المُختلف عن زمن الواقع. ولهذا، لا يعني حضور الجسد بالضرورة الانتصار للتحرر أو انتصار الكاتبة لرؤيتها، كما أن الوعي السابق حول إلزامية استحضار الجسد في الرواية لا يُنتج – حتما- رؤية تحررية، بل قد يُفسِد إبداعية الرواية. الإبداع ليس واجهة إيديولوجية أو حقوقية، إنما هو بناء لمتخيل في زمن منفلت من وصايا الوعي الواقعي. وعندما يتحقق الأدب بشروط زمنه، فإنه يُنتج لنا متخيلا عبره نستطيع أن نتبين حقيقة الوعي، وطبيعة التمثلات. الإبداع ليس شيئا تابعا أو ملحقا .الإبداع ضرورة تاريخية وحاجة اجتماعية وبلاغة جمالية. لا يكفي أن نجد جسدا متحررا في رواية حتى نقول إن الرواية تُؤسس لمفهوم التحرر. لا يشتغل النقد بالمحتوى أو الحكاية إنما بالخطاب لأنه هو حامل حقيقة التمثلات.

كيف تقرأ الناقدة زهور كرام «طبقات القول النسائي» اليوم، وهي على مسافة تسمح بقراءة نقدية منصفة لتكون النص النسائي الروائي من التأسيس إلى التتويج؟

عندما أعود إلى كتابي « طبقات ربات الخدور مقاربة في القول النسائي العربي والمغربي» الذي يعود إلى عام 2004م، الذي قدمتُ فيه حفريات في الخطاب العربي النسائي زمن النهضة والخطاب النسائي المغربي زمن الاستعمار الفرنسي، فقد مكنتني هذه الحفريات من إنتاج وعي بالحضور النوعي للمرأة في السياقين العربي والمغربي، سواء من خلال طبيعة الخطاب الذي أنتجته المرأة في زمن لم يكن يسمح بحقوق المرأة، وبدورها في صناعة المفاهيم وبناء المتخيل كما في تجربة المرأة زمن النهضة، أو من خلال الإصرار على كتابة الإبداع والتسلل إلى الإبداع عبر المقالة والمساهمة في بث التمثلات الجديدة حول المرأة في المقالات والقصة القصيرة والأعمدة الصحفية كما في تجربة المرأة المغربية زمن الاستعمار، وهو وعيٌ يجعلني أقف احتراما لكل امرأة انتصرت للكتابة و الأدب في زمن صعب. عندما لا نستحضر هذا التاريخ، قد لا نستوعب أفقنا. وعندما لا نقف تقديرا لكل الأصوات النسائية المُبادِرة لصناعة المتخيل الرمزي، فلن يستقيم حضورنا وتوجهنا نحو المستقبل. ما نعيشه اليوم من تراكم كمي ونوعي لكتابات المرأة المغربية، وما تعرفه هذه الكتابات من تجارب متعددة ومتنوعة تمنح للمشهد المغربي خصوصية تنوعه الفسيفسائي، تعود بذرة خصوبته للقول النسائي المغربي ما قبل الاستقلال. يعرف المشهد اليوم تراكما مهما للقول الإبداعي النسائي المغربي، لكنه يحتاج إلى اهتمام نقدي يكشف عن سر خصوبته وقدرته في بناء خطابات بتصور مختلف يستطيع أن يكون شريكا فعالا في تدبير المتخيل الرمزي المغربي. وأظن أن الأمر لا تحتاجه فقط كتابات المرأة ولكن أيضا الكتابات بشكل عام، هناك شبه أزمة للتفكير النقدي، طبعا هناك دراسات عديدة وأطاريح جامعية متراكمة لكن أتحدث عن المشروع النقدي الذي ينطلق من أسئلة التراكم، ويتجه نحو بناء معرفي له.

أكيد أن بروز عدد من الأقلام الروائية النسائية أغنى المنجز الروائي المغربي، لكن مع ذلك يمكن أن نطرح هذا التطور في إطار ثنائية الخطاب/ التراكم هل يتساوقان؟ يتعارضان؟

– لا شك أن المشهد الثقافي المغربي يشهد تراكما مهما من حيث كتابات المرأة المغربية، وارتفاع عدد النساء اللواتي يبدعن في مختلف الأشكال الرمزية، وبكل اللغات ليس فقط العربية، وهذا أمرٌ جديرٌ بالانتباه، والدراسة. ذلك، لأن التراكم من شأنه أن يخلق أُلفة مع إنتاج المرأة، وتخلق هذه الأُلفة -بدورها- تصورا ثقافيا حول المرأة بوصفها منتجة للتعبير الرمزي، كما نقرأ من هذا التراكم طبيعة المناخ الثقافي من جهة، ورغبة المرأة في الانخراط في الكتابة. طبعا، هناك فرق بين الحق في التعبير وهو أمرٌ طبيعي لأنه حقوقي، وبين الحق المعرفي في تحليل هذا التراكم، والنظر في قدرته على تحقيق الإبداعية والأدبية والفنية. الذي يحسم في هذه الثنائية بين التراكم والخطاب هو النقد بوصفه خطابا معرفيا يشتغل بدراسة الأعمال/التراكم، ولا نقصد به دراسة واحدة أو دراسات متفرقة. نلتقي بدراسات ومجموعة من الأطاريح يغلب عليها إما الوصف أو استهلاك مناهج بطريقة تطبيقية تُقصي العمل، وتُسقط عليه النظريات أو ما يُعتبرا فهما للنظريات، إلى جانب قراءات المجاملة والتي باتت تهيمن مع الأسف خاصة مع مواقع التواصل الاجتماعي و التطبيقات التكنولوجية في إطار المجموعات، والتي تخلق – في معظمها- خطابا يستند إلى المجاملة والانتصار للعلاقة الشخصية أكثر من تحليل العمل، والترويج للغة تعتمد تعبيرات مثل: النص الأجمل والأبهى والأحسن ..» وهي لغة غير نقدية. خطورة هذا الخطاب في هيمنته في النقاشات في مواقع التواصل وفي التطبيقات، إلى جانب حضور خطابات تسير في الاتجاه نفسه، ويتم توثيقها في الشبكة وتتحول لدى البعض بوصفها مراجع للقراءة، مع الأسف مثل هذه المراجع بدأت تخترق أطاريح الطلبة في بعض النماذج.
نعيش اليوم وضعية ملتبسة للفكر النقدي، ولعله سؤال يتطلب مواجهته بالتحليل من خلال موائد مستديرة علمية تبحث في السؤال وتعيد تعاقدا جديدا مع الأدب في وضعيته الجديدة مع سؤال القراءة. أفترض أن الوضع غير مرتبط فقط بقراءة الأدب،وإنما بوضعية التفكير في العصر الرقمي اليوم. هل ما زلنا نفكر؟ هل ما زلنا نحلل؟ هل ما زلنا نبحث عن مراجع علمية لإعطاء شرعية لخطابنا؟ هل نعيش غيابا أو صمتا للفلسفة؟

هل يمكن أن نتحدث عن نموذج روائي نسائي مغربي وسط المنجز الروائي العربي؟

– التفكير في النموذج يُلغي تجربته قبل أن يُقصي التجارب الأخرى. كل تجربة لها إمكانياتها التعبيرية والفنية والجمالية التي تُسهم في تخصيب المشهد كله. لكن، يمكن التفكير في كتابة المرأة المغربية باعتبارها تجربة ليست إضافة إنما شريكة في تركيبة المشهد المغربي. وهنا الفرق بين أن تكون كتابة المرأة مجرد إضافة لمشهد قائم، وهذا يحدث بالنسبة للسياقات الثقافية التي لا توجد بها كتابات نسائية كثيرة ونوعية أيضا، وبين الكتابة -الشريكة التي تعد مكونا جوهريا في المشهد وليس مجرد ملحقة أو إضافة. كتابة المرأة المغربية بهذا التصور يمكن اعتبارها نموذجا من نماذج الكتابة المغربية التي تتميز في المظهر الفسيفسائي.

مازالت النصوص الروائية النسائية تجمع بين الروائي والسير ذاتي، بإقحام معايير الجندر: العلاقة مع الأسرة ، الزواج، العلاقة مع الجسد.هل يمكن القول إن المرأة تكتشف ذاتها من خلال تمتعها بسلطة الخطاب والإمساك بزمام اللغة ومسار السرد، وبالتالي بالسلطة؟

– أقرأ المسألة من واجهتين: واجهة لها علاقة بكتابة النص الأول ليس فقط بالنسبة للكاتبة وإنما أيضا للكاتب. هناك دائما محطات من السيرة في النص الأول. والكاتبة مثلها مثل الكاتب لا شك أنها تغرف روايتها الأولى من البئر الأولى، لكن في حدود شرط التخييل. غير أن المشكل ليس في النص إنما في استقبال النص. قد لا يثير موضوع السيرذاتي في روايات الكاتب مثلما يثيره الموضوع بالنسبة للكاتبة، وهذا له علاقة بالتمثل الذهني والاجتماعي والثقافي حول المرأة باعتبارها منظورا إليه. لهذا، أكدتُ في جواب سابق كون كتابة المرأة لا تكشف فقط إبداعية المرأة، إنما أيضا طبيعة ذاكرة المتلقي لهذه الكتابة وقارئها. في كثير من الأحيان عندما تتم قراءة رواية امرأة، يتم – وقد يكون الأمر لا شعوريا – ربط الشخصية الروائية بشخص المؤلفة، ويتم إسقاط حكاية الرواية على حياة الروائية، فقط لكون الرواية من إنتاج امرأة، سبق ووضحت الأمر في كتابي « في ضيافة الرقابة» الصادر عام 2001م، وكان حول محاكمة الروائية الكويتية « ليلى العثمان» لكونها جعلت الساردة امرأة في قصصها، وهذه الساردة عبرت عن رغبتها في الحب كما تغزلت في الرجل، إضافة إلى تحويل الرجل إلى موضوع منظور إليه. التعبير عن الحب ولغة الغزل وحكي الجسد هذه مواضيع لاتخلو منها رواية، ولكن لا تتم المحاكمة. هذه بعض التمثلات التي مازلنا نتشربها ولاتزال تفعل في ذاكرتنا وفي وعينا وفي خطاباتنا. لهذا، نجد كثيرا من الروايات التي تتميز بقوة السرد الروائ،ي لم تجد مكانها الصحيح ضمن النقد وتم إلحاقها بالسيرة الذاتية فقط لكون مبدعتها امرأة.
الذي يخلق روائية الرواية ليس الموضوع: الزواج، الأسرة، العلاقات الاجتماعية وما شابه، إنما الخطاب، أو كيفية القول السردي أو بتعبير أكثر دقة إبداع التشخيص والتخييل . فلا يمكن الحكم على الكاتبة انطلاقا من الحكاية وموضوعها، إنما من الأدبية وخطابها . هذا ما يجعل من المرأة روائية. أما اعتماد الحكاية وإن جاءت ملتزمة بكل مظاهر حقوق المرأة في قراءة عمل المرأة، فهو خدعة ثقافية تُوهم المرأة بموقعٍ غير موجودة به.

ذكورية اللغة مازالت تمارس سطوتها على الكتابة، وهو ما يدفع الكاتبة مهما بلغت جرأتها اللغوية إلى ممارسة نوع من الرقابة الذاتية. متى تتخلص الكاتبة من ضغط الشرط الاجتماعي؟

الرقابة الذاتية هي تحصيل حاصل لثقافة مجتمع. تلتقي المرأة بالرجل في هذه الرقابة، طبعا بدرجات متباينة. والرقابة أمرٌ واردٌ في كل الكتابات مهما ادعينا الجرأة والتحرر من الذاكرة ورقابة الذات الاجتماعية، لأن مفهوم التحرر من الرقابة مرتبط بسياق خاص. تحرر كاتب لا يشبه تحرر كاتب آخر، هناك اختلافات في التركيبة الذهنية والاجتماعية والسياسية. قد نتحدث عن التحرر من الرقابة السياسية بمستوى متقارب -إلى حد ما- لأن الرقابة السياسية واضحة في وصاياها وتعاليمها، أما الرقابة الاجتماعية والذهنية والثقافية فهي تتعلق بميثاق تعاقدي متوارث. والأمر يحتاج إلى الدُربة التاريخية للتحرر من تركيبة هذا الميثاق غير المرئي.
شخصيا أرى أن الإبداع يمتلك خدعة جميلة ينتصر بها على الرقابة . وهذا يعود إلى طبيعة لغة الإبداع التي تعد اللغة الأولى، لغة الخيال والتخييل والترميز ولهذا تتطلب التأويل وليس التفسير. من هنا، تكمن قوة الإبداع وقدرته على القول البليغ بأي طريقة وفي أي موضوع. لا أسمي الأمر تحايلا على الرقابة لأن في التحايل سبق إصرار وقرار، لكن وضعية اللغة الإبداعية تجعلها فوق الرقابة. من الممكن أن نكتب في أي شيء وعن أي شيء، واللغة الإبداعية تمكننا من طاقتها التي تُرتب الشيء وِفق ترتيب مغاير يأتي عكس الشيء، ليدل على الشيء دون أن يقوله.

كناقدة، مسألة التراكم الكمي والنوعي في الكتابة النسائية تطرح لزاما مسألة المواكبة النقدية لهذا المنجز دون أن ننسى تراجع الحضور النقدي للإبداع سواء للكتاب أو الكاتبات، لماذا هذه المتابعة الضعيفة؟

– أتفق معك في تراجع حيوية النقد الأدبي، بالمقارنة مع ارتفاع عدد الإصدارات وتنوعها، سبق وأشرت إلى أزمة الفكر النقدي في جواب سابق. هناك مناخ ثقافي بات يتطلب تفكيكا وتحليلا. لأننا عندما ننظر إلى الدراسات والكتب النقدية والأطاريح الجامعية، سنلاحظ أن هناك تراكما أيضا في الكتب. إذن الأزمة ليس في الدراسات، إنما في تصور هذه الدراسات. قليلا جدا ما نلتقي بدراسات نقدية تشتغل برؤية واضحة وتنطلق من أسئلة. وهي دراسات مهمة لنقاد يشتغلون بالفعل على رؤيتهم المعرفية، غير أننا نلتقي بكتب تستهلك طروحات وتُسقطها على روايات.
أفترض أن هناك أزمة للتفكير بشكل عام أمام هيمنة ثقافة المواقع الاجتماعية، وبروز مراجع جديدة بمحتويات ليس لها علاقة بالتفكير. ولعله خطاب يهمين ويُحدِث أُلفة مع الواقع.
هذا سؤال كبير يحتاج إلى تأمل وتحليل حول : كيف نفكر اليوم؟ وهل لدينا الوقت لنفكر؟؟


الكاتب : حاورتها: حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 04/03/2022