الألتراس المغربية الحركة الرياضية ذات الوجوه المتعددة 4 : «الألتراس» في المغرب.. بين صنع الاحتفالية وممارسة الشغب

الألتراس المغربية من هي، وإلى أي وسط ينتمي أفرادها، وما الهدف من تكوين هؤلاء الشباب لهاته المجموعات؟ هي مجموعات مكونة من شباب مغاربة من فئات اجتماعية وثقافية مختلفة، معظمهم ينحدر من أوساط شعبية، اجتمعوا على حب وتشجيع فريق واحد، لا تتحدد أعمارهم في عمر معين، وتختلف أجناسهم وأعراقهم وأصولهم، وعلاوة على شغف اللعبة الذي يتملكهم، فاختلافاتهم تتوحد وتتقوى لتكون روابط متماسكة ومشتركة، تؤطرهم مقومات عدة؛ كالوفاء والولاء وحس الانتماء …

 

ثمة وجه آخر لـ»الألتراس»؛ إذ يرى بعض المتتبعين للشأن الكروي المغربي، أن هذه الفصائل أصبحت أيضاً تشكل مصدراً للشغب والعنف والحوادث المؤلمة في الملاعب هم شباب مغاربة في مقتبل العمر ومن فئات اجتماعية وثقافية مختلفة، ومعظمهم ينحدر من أحياء شعبية، اختاروا مناصرة أنديتهم وفرقهم المفضلة بشكل جماعي، بعيداً عن الطرق التقليدية والمألوفة، حيث إنهم انخرطوا داخل كيان يسمى «الألتراس»، فبادروا إلى ابتداع مراسم جديدة ومنظَّمة في التشجيع، وتقديم كل وسائل الدعم لأنديتهم في جميع الأحوال والأماكن.لكن في المقابل، ثمة وجه آخر لـ»الألتراس»؛ إذ يرى بعض المتتبعين للشأن الكروي المغربي، أن هذه الفصائل أصبحت أيضاً تشكل مصدراً للشغب والعنف والحوادث المؤلمة في الملاعب٠وقد استطاعت هذه الفصائل، في وقت وجيز، استقطاب أعداد كبيرة من الشباب، ويرجع ذلك إلى التأثير الواضح للمبادئ الراسخة التي قامت عليها عقلية «الألتراس»، حيث إن هذه المجموعات ذات بنْية تنظيمية متميزة ومغايرة عن بنية الهيئات التقليدية المعروفة من قبيل: الأحزاب السياسية والنقابات وهيئات المجتمع المدني وغيرها.وعلى غرار حركة «الألتراس» في العالم، تعتمد فصائل «الألتراس» المغربية في تمويل أنشطتها ورحلاتها، في غالب الأحيان، على التمويل الذاتي، وذلك من أجل تحقيق الاستقلال المادي، الذي يعد من أهم مبادئ «الألتراس».
وتحصل فصائل «الألتراس» المغربية على الموارد المالية من خلال المساهمات الفردية التي يقدمها الأعضاء، وكذا العائدات التي تجنيها من عملية بيع منتجاتها مثل: الأعلام وألوان الفريق والقبعات والشارات والأسطوانات التي تحتوي على أغاني الفصيل.
لكن، تشير بعض المصادر إلى أن هناك فصائل من «الألتراس»، خصوصاً في أقسام الهواة، تتلقى دعماً مباشراً من لدن المكاتب المسيّرة للفرق لتشجيع الفصائل على الاستمرار في مساندة الفريق.
وتقدم الألتراس شعارات وأغانٍ وأهازيج بصوت واحد على مدار 90 دقيقة، كما تبدع في تقديم لوحات فنية «تيفوات» وحركات منسقة ومنظمة، كلها مظاهر تشجيع جديدة اجتاحت الملاعب المغربية منذ ظهور فصائل «الألتراس»، وأضفت عليها رونقاً خاصاً وجماليةً كبيرة، وجعلت الأعين تنبهر مما يصنعه شباب «الألتراس».
فقبل كل مقابلة، يجتمع أعضاء الفصيل للتحضير للأنشطة الاحتفالية المزمع تنظيمها داخل الملعب، ويوزعون المهام في ما بينهم، أما يوم المقابلة، يسهر القائد أو «الكابو» -كما يسميه أعضاء «الألتراس»- على توجيه الأنشطة الاحتفالية لفصائل «الألتراس» خلال 90 دقيقة، ويتم اختياره من لدن أعضاء الفصيل ضمن الأعضاء البارزين الذين يتوفرون على كاريزما قوية لقيادة الفصيل وإبراز أنشطته وتلميع صورته في مواجهة الفصائل الأخرى بمدرجات الملعب.
وتركز فصائل «الألتراس» على الحضور المكثف والمستمر للمباريات؛ وذلك من أجل خلق أجواء احتفالية تلهب المدرجات وتزيد من حماسة اللاعبين لتحقيق الانتصار؛ إذ يؤكد عضو من «ألتراس عسكري» أن «الفيراجيست» أو عضو «الألتراس» لديه فكرة واحدة، وهي تشجيع الفريق طيلة 90 دقيقة دون توقف.
وقد شهدت مجموعة من المباريات من بينها مباراة فريق الرجاء البيضاوي والكوكب المراكشي، والرجاء البيضاوي والريف الحسيمي والجيش الملكي والمغرب الفاسي أحداث شغب وتخريب مأساوية، وذلك حينما أقدم محسوبون على جماهير الفرق على اقتلاع الكراسي من المدرجات ورشق رجال الأمن بها.
هذه الوقائع أعادت النقاش حول علاقة فصائل «الألتراس» بأعمال الشغب؛ إذ ليست هذه هي المرة الأولى؛ بل سجلت العديد من أحداث الشغب بالملاعب منذ ظهور «الألتراس» في المغرب، وكان أبرزها ما بات يُعرف بـ»السبت الأسود»، حيث إن شخصين لقيا حتفهما، وأصيب أكثر من 50 مشجعاً خلال مباراة الرجاء البيضاوي وشباب الريف الحسيمي، يوم 19 مارس 2016.
وفي الوقت الذي يربط بعض الباحثين في السياسات الرياضية ظاهرة الشغب بفصائل «الألتراس»، فإن أعضاء هذه الأخيرة يستنكرون ذلك، حيث يعتبر أعضاء الألتراس الملعب «فضاءً يمارس فيه المنتسبون إلى (الألتراس) حرية التعبير، لتفريغ مكبوتاتهم وتفجير طاقاتهم وسخطهم على الأوضاع العامة».
وهو الأمر ذاته الذي يؤكده عمر بولوز، الباحث في مجال السوسيولوجيا، حيث قال إن «الألتراس» فضاء للشباب للتعبير عن همومهم النفسية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية»، مبرزاً أن «الألتراس بمثابة حركة اجتماعية تتخذ شكلاً جديداً يتناسب مع التغيرات الاجتماعية المتجددة بالدول التي عاشت مخاض ما اصطلح عليه (الربيع الديمقراطي)».
وعن علاقة «الألتراس» بظاهرة الشغب، يقول الباحث: «إن المسؤول عن الشغب هو نظام الدولة والمدرسة»، مضيفاً أن «الألتراس» ليس جماعة من خارج المجتمع؛ بل هو من صلبه.
عقب أحداث العنف والشغب التي شهدتها مباراة الرجاء البيضاوي وشباب الريف الحسيمي، بمركب محمد الخامس بالدار البيضاء في مارس 2016، صدر قرار عن وزارة الداخلية المغربية بمنع فصائل «الألتراس» في المغرب.
وتصدى اتحاد فصائل «الألتراس» لهذا القرار بمقاطعة جميع المباريات عدة أشهر، لكنه عاد بعدها بزخم أقل، حيث إن مراسم الاحتفال والفرجة واللوحات الفنية المعهودة، التي لطالما أنست عشاق الكرة المغربية رتابة الكثير من المباريات التي تجري فوق المستطيل الأخضر، وخصوصاً لقاءات الديربي- غابت عن الملاعب الرياضية
وتجدر الإشارة إلى أن المغرب حاول التصدي لظاهرة الشغب في الملاعب، عبر القيام بحملات تحسيسية وتوعية المشجعين بخطورة هذه الظاهرة، واعتمد كذلك مقاربة أمنية استباقية في التعامل معها من جهة. ومن جهة ثانية، عمل المغرب على إخراج قانون 09.09 لمكافحة العنف داخل الملاعب، والذي قام بتعديل وتتميم القانون الجنائي من خلال إضافة بعض الفصول.


الكاتب : إعداد: مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 15/03/2024