الأنبياء الجدد

مثل رُعاةٍ هاربين
عبرنا الخُلجان بزوارق عمياء
مشينا على الماء بأقدام لا تُبصر في القَعْرِ أكثر من شقُوقها
صادقنا الطُّيور، قنافذ البحر ومخاط الطَّحالب
صادقنا المِلح في عروق الماء ونُطَف اللُّؤلُؤ في ظهر المحار
صادقنا رسائل العشاق اليائسين والمتفائلين
القانطين والمِلحاحين
ومثل بحّارة مجازفين
رفعنا بناطيلنا إلى أعلى، شَمَّرنا على سواعد قسوتنا
ومضينا بلا ماض حفاة
لقد تركنا قُرانا
خرافنا حقولنا
محاصيلنا فزاعتنا
ونعجتنا العجوز بعينيها الدَّعجاوين
لقد تركنا بقراتنا السَّبع وكلبا ثامنا باسطا ذِراعيه
وشمساً تُقلِّب ظلال بيوتنا ذات اليمين وذات الشِّمال
تركنا أشجار تيننا وعنبنا وزيتوننا
لقد تركنا أرضنا فولنا عدسنا
كبِد طيورنا ثغاء عنزاتنا وصراخ أحجارنا
قدورنا، حساءنا، ملاعقنا أطباقنا
وفتات خبزنا
تركنا دموع شُموعنا على الأصابع الفضية وأريج الزُّهور البرية في الإبريق
لقد تركنا كُتبنا ومجلاتنا الإباحية
صيَّامنا وقيَّامنا وروايات كفرنا
أقراص الأسبرين
سجاداتنا على الباب
علب العازل الطبي والسجائر تحت مِخَدَّاتنا
مسبحتنا حواسيبنا سماعاتنا
دفوفنا رفوفنا مزهرياتنا
بطاقاتنا البريدية و آلاتنا الموسيقية
لقد تركنا البيجامة على باب الحمام ،الخف تحت السرير
والساعة بجانب السرير
لقد تركنا كل شيء
ومثل نازحين شعراء
كتبنا قصائد الحبّ على ظهور الحبيبات
فسخنا جلودهن واستخلصنا عطرهن المقدس
وشلالات حنانهن
لقد حشونا صدورنا بقطن الأغنيات
وقسوة رمَّانهن المشتهى
كفّننا خيباتنا بليل شعورهن
ومثل لاجئين عراة
غطينا وجه البئر بجُلودنا
ردمنا مستنقعاتنا
سملنا عيون النهر بأصابعنا
جعلنا من أحشائنا أوتارا تعزف عليها الريح لحن الخراب
دعونا موتنا كفاف عمرنا
وغفرانا يمحو شهوة الحياة
لم نتبع حكمة البوم ولا صبر القديسين
لم ننتظر مهديك ولا مسيحك
صِدّيقك ولا دجالك
نحن شعوبك النازحة يا الله
نحن لاجئوك الذين أخرجوا من بطانتهم
الناجون من الرصاص والصواريخ
من النفخ في صور القذيفة وقيامة القصف
نحن الناجون من الغازات المُحرَّمة دوليا
المُشرعة سماويا
المُوَّزعة أطرافنا بين المضايق والصخور الكلسية
بين الإميلات ومقاطع الواتساب السَّريعة الهضم
نحن الدليل القاطع على أن الطين لا يذوب في الماء
وأن الماء لا يعِقّ أهله ولا يأكل لحم أخيه
ولائم الطيور وقنافذ البحر ومخاط الطحالب
نحن غُزاة الملح، أجنة المحار
نحن العشاق اليائسون و المتفائلون
القانطون و الملحاحون
نحن أنبياؤك الجدد
مرسلو الصفحات الزرقاء
أبطال الجرائد


الكاتب : فدوى الزياني

  

بتاريخ : 24/05/2024