«الاتحاد الاشتراكي» ترصد قلق وهواجس الأسر المتعلقة بمرحلة التعليم العالي .. طلبة الغد يبحثون عن أجوبة لأسئلة الخصاص في التوجيه لما بعد الباكلوريا في الملتقى الدولي للطالب بالدارالبيضاء

مع اقتراب موعد إجراء امتحانات السنة الثانية بكالوريا والتي تعني الوصول إلى مرحلة انتهاء آخر فصول مسار التعليم الثانوي، يزداد توتر كل من التلاميذ وذويهم بسبب «حساسية» هذه المرحلة بدلالاتها ورمزيتها وحمولاتها، التي يمتد فيها ما هو تعليمي ويرتبط بما هو اجتماعي واقتصادي، بالنظر لكونها تعتبر مفترق طرق رئيسي يأتي بعد طول مدة من التحصيل الدراسي المتواصل والمستمر لسنين عدّة.
مفترق يجعل هذه المحطة تشكّل الانطلاقة الفعلية صوب أشواط التعليم العالي، ومنها إلى سوق الشغل، الذي سيُصبغ بلونه الخاص المراحل القادمة من حياة تلميذ اليوم وطالب الغد وسيرافقه في مستقبله المهني بعد ذلك. وبين أحلام الصبا والميولات التي قد تستجدّ بالتلاميذ، وما بين المؤهلات العلمية والإمكانيات المادية، تنضاف الحيرة التي قد تتحكم في كافة مناحي حياة التلاميذ اليومية وكذلك في أولياء أمورهم لتزداد معها صعوبة الاختيار وضبابية الصورة، خاصة في ظل وجود اللبس الذي قد لا يتبدد في غياب التوجيه الصحيح.

 

في كل سنة، يطفو على السطح سؤال التوجيه، بالنسبة للأقسام الإشهادية، ما بين السنة التاسعة والأولى ثم الثانية باكلوريا، لما لهذه الخطوة من أهمية وضرورة، في حال اعتمادها اعتمادا صحيحا، في تبديد بعض اللبس حتى تتضح الرؤى أمام التلاميذ، خاصة بالنسبة لمستوى الثانية باكلوريا، من أجل تمكينهم من إتمام الدراسات العليا في أفضل حال ممكن.
ولمواكبة التلاميذ في هذه اللحظات الهامة من أعمارهم، احتضنت مدينة الدارالبيضاء وعلى غرار كل سنة، فعاليات الملتقى الدولي للطالب بالدار البيضاء في دورته 32، الذي جرى تنظيمه في الفترة ما بين 18 و 21 أبريل، الذي قد يشكّل مناسبة للبعض، من أجل الاطلاع على ما يختزنه «عالم» سلك التعليم العالي من فرص تكوينية في مجالات متعددة، واكتشاف ما كان غائبا عنهم، والذي يراه البعض بأنه حدث قد يشكل قيمة مضافة، وقد يراه البعض الآخر ملتقى تتعدد أهدافه وتختلف، وهو ما دفع «الاتحاد الاشتراكي» للانتقال إلى هذا فضاء هذا الحدث للتطلع عن قرب على أجواء التنظيم، واستكشاف العروض المفتوحة أمام التلاميذ، واستقصاء آراء كل من المنظمين والعارضين، إلى جانب تسليط الضوء على الحلقة الرئيسية التي محورها «الطلبة وآباؤهم»، سواء الزوار الذين هم من أبناء مدينة الدارالبيضاء أو القادمين من مدن أخرى.

موعد سنوي

يكتسي توجيه الطلاب وخاصة في سلك البكالوريا أهمية خاصة، حيث يجد عدد منهم الذين لم يحسموا أمرهم بعد (وهم كثر) أنفسهم مواجهين بمجموعة واسعة من الاختيارات المفتوحة، حيث وفي ظل هذا الواقع، تزداد أهمية دور مؤسسات التوجيه والإرشاد التي تسعى إلى توجيه الطلاب بشكل دقيق وتوفير كل المعلومات اللازمة لهم ولأولياء الأمور، والتي تهم طبيعة كل من الجامعات والمدارس العليا والمعاهد العمومية والخاصة، بهدف تمكينهم من اتخاذ القرارات الصائبة بخصوص مستقبلهم الأكاديمي والمهني. ومن هذا المنطلق، يتم كل سنة تنظيم الملتقى الدولي للطالب بالدار البيضاء، من أجل إعطاء فرصة للتلاميذ للاطلاع عن كثب على العروض المتاحة أمامهم، والاستماع لشروحات العارضين، في جو تؤطره حلقات متنوعة من النقاش التي يحاول من خلالها الطلبة الإحاطة بمختلف الجوانب التي قد تفيدهم في هذه المرحلة الحاسمة.

إقبال متعدد المستويات

وفقا لكوثر العبدلاوي»مسؤولة بمجموعة الطالب المغربي»، فقد شهدت الدورة الـ 32 من ملتقى الطالب بالدار البيضاء مشاركة قياسية، حيث استقطبت أكثر من 250 عارضا يمثلون مؤسسات عمومية وخصوصية في مجال الدراسات العليا والمهنية، من داخل المغرب وخارجه، وعرفت مشاركة أكثر من 20 دولة». وأضافت المتحدثة بأن «هذه الدورة لقيت إقبالا كبيرا جسّده حضور أكثر من 180 ألف زائر»، مشددة على أنها شكّلت «فرصة لكل من تلاميذ البكالوريا و الطلبة الجامعيين للتعرف على الدبلومات و الإجازات وكذلك الماسترات المتاحة». وعن جديد هذه الدورة أوضحت كوثر العبدلاوي قائلة «يظل الجديد في هذه الدورة هو حضور مركز المعلومات والتوجيه التابع لإدارة الملتقى، الذي يواكب على مدار السنة المدارس التعليمية الخاصة والعمومية، ويقدم حصصا توجيهية لتلاميذ السنة الثانية باكالوريا، بهدف توجيههم وتقديم المعلومات اللازمة لهم لاختيار مساراتهم الأكاديمية والمهنية بشكل صحيح».

اهتمام أبوي بمستقبل الأبناء

لم تكن لتخطئ عيوننا ونحن نتواجد بفعاليات ملتقى الطالب حجم التفاعل الكبير والاهتمام الذي يوليه الآباء لمستقبل فلذات أكبادهم، الذين لم يبخلوا عبر مثل هذه الزيارات بالوقت والرُفقة بغية الاطلاع عن قرب على مستجدات الأمور ومجرياتها، ومن أجل أن تشكل المعلومات التي يتم تجميعها قاعدة للتشاور مع أبنائهم ولتقديم الدعم والنصيحة لهم.
وبخصوص وجهة نظر الآباء حول فعاليات الملتقى، أدلى لنا السيد أحمد الكندوز، وهو أب لتلميذة بسلك البكالوريا بالتصريح التالي قائلا «أنا هنا في الملتقى برفقة ابنتي، وكلنا مهتم بمثل هذه المبادرات التي من شأنها أن تساعد فلذة كبدي أكثر في بلورة رؤية محددة حول المسار المناسب والأمثل بالنسبة لدراستها المستقبلية والذي من المفروض أن يرضي طموحها المهني فيما بعد. لست هنا لأفرض عليها رأيا معينا بحد ذاته، بل فقط من أجل التشجيع وتقديم النصح والدعم النفسي». وعن فعل التوجيه داخل المؤسسات التعليمية أضاف السيد الكندوز «هناك حضور للموجه في المؤسسة الخاصة حيث تدرس ابنتي، لكن وبالرغم من ذلك تتملكني الشفقة حيال التلاميذ الذين قد تختلط الأمور عليهم ما يجعلهم يتخبطون بين هذا الخيار أو ذاك».
«قصور» في التوجيه ووعي طلابي بدقّة المرحلة

يعتبر الطلبة محور مثل هذه المبادرات والفعاليات التي يجسدها ملتقى الطالب ويمثلون الحلقة الأهم فيها، لأنها تشكّل بالنسبة لهم منصة حيوية لتوسيع دائرتهم المعرفية عبر الانفتاح المباشر على عروض التعليم المتاحة، وكذلك على خبرات جديدة لطلبة آخرين مرّوا من نفس المرحلة قبل مدة قليلة من الزمن، وهو ما يفسّر «حَجّهم» إلى الملتقى بأعداد غفيرة.
وأكدت شهادات استقتها الجريدة من بعض التلميذات بإحدى الثانويات التأهيلية المتواجدة بتيط مليل، اللواتي توافدن على ملتقى الطالب بالدار البيضاء أن « الثانوية قامت بتوجيه الدعوة إلى التلاميذ لزيارة الملتقى، وأنهن لازلن يتطلّعن إلى الخيار الأمثل»، كما أوضحن بأن «مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل هو الوحيد الذي إلى حد الآن أقدم على ترتيب زيارة إلى الثانوية، حيث قام من خلالها بتعريف التلاميذ على الشعب والتخصصات التي يشملها نطاقه».
وصبّت معظم التصريحات التي استقتها «الاتحاد الاشتراكي» من عدد من التلاميذ وذويهم خلال جولتها بالملتقى، في خانة التأكيد على أهمية تعزيز دور المؤسسات التعليمية في تقديم التوجيه والدعم للطلبة، لضمان حصولهم على صورة أشمل وأوضح، كما أعرب عدد كبير ممن التقتهم الجريدة عن استقبالهم لفعاليات الملتقى بالكثير من التقدير والترحاب، مشددين على أن الكثير من النقاشات التي تجري مؤخرا على وجه التحديد بين طلبة الغد، يغلب عليها التساؤل والحيرة بسبب نقص كبير في المعلومات المتعلقة بعدد من «التكوينات»، ويجهلون تفاصيلها، علما بأن توفيرها من شأنه أن يساعدهم على ترجيح كفّة هذا الاختيار على الآخر، ويمكن له أن يغير الكثير من الأشياء.

القطاع الخاص «يهيمن» على الملتقى

كشفت الجولة التي قامت بها «الاتحاد الاشتراكي» في فضاء الملتقى عن حضور كبير لمؤسسات قطاع التعليم الخاص مقارنة بالقطاع العمومي، إذ لم تشكل هذه السنة أي استثناء في هذا الباب، وهو ما يجعل عددا من المتتبعين يطرحون أكثر من علامة استفهام بهذا الخصوص، ويستغربون لاستمرار الغياب الكبير لمؤسسات التعليم العالي بالقطاع العام؛ حيث وقفت الجريدة على تواجد رواق خاص بجامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء، ومؤسسة التكوين المهني وإنعاش الشغل، وبعض المؤسسات الأخرى؛ في الوقت الذي يبرر فيه البعض هذا المدّ التصاعدي لمؤسسات القطاع الخاص على مستوى الحضور بكونه يخضع لمنطق المنافسة والبحث عن أكبر عدد من الطلبة الذين قد يُنظر إليهم بمنطق الزبناء، حيث يحضر البعد التجاري في قلب العملية التعليمية، وهو ما يعتبرونه ليس بالعيب شريطة احترام قيم التعليم في كونيتها والحرص على تطبيق مضامين دفاتر التحملات المنصوص عليها من طرف الوزارة الوصية على القطاع.
ويرى بعض الذين استقت الجريدة آرائهم حول هذا الحضور الملحوظ للقطاع الخاص، بأن مؤسساته تعتبر شريكا أساسيا للقطاع العام، وإن كانت طريق الولوج إليها ليست معبّدة أمام الجميع بسبب أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية وأسعار التكوين التي قد لا تكون في متناول الكلّ، مشددين على أن السؤال الكبير الذي يحضر حين الحديث عن هذه المؤسسات وطبيعة التكوينات التي تقدمها يتمحور حول معادلة شهاداتها واعتراف الدولة بها، لمعرفة مدى توفر إمكانية ولوج سوق الشغل ومخافة الحصول بعد سنوات على شهادات لا تتجاوز قيمتها حدود الورقة المطبوعة؟

تكوين من «الضفاف الأخرى»

لا يقتصر اهتمام الطلاب على التعليم في المؤسسات العليا المتواجدة داخل تراب المملكة فحسب، بل منهم من يتجه تفكيره «بعيدا» نحو المدارس والمعاهد العليا المتخصصة بالتكوين في الدول الأجنبية، إذ تظل جاذبية التعليم العالي الأجنبي، خاصة في الدول الغربية، وتلك التي يكتسب فيها التعليم سمعة طيّبة، تسيل لعاب الكثير منهم، سواء من الذين يبتغون جودة التكوين في حد ذاتها، أو ممن يرون بأن هذه الخطوة يمكن أن تشكّل لهم معبرا «قانونيا» نحو الضفة الأخرى.
وعلاقة بموضوع الهجرة، عرفت فعاليات الدورة الحالية من الملتقى الدولي للطالب بالدار البيضاء حضورا لافتا للمدارس والمعاهد الدولية من معظم قارات العالم، مع بروز العرض الأوروبي بسبب ارتفاع الطلب عليه لأسباب «كلاسيكية»، زيادة على القرب الجغرافي، والحضور الكبير للجالية المغربية، علما بأن هناك دول أخرى باتت أيضا مستقطبة للطلبة المغاربة، من خلال عروض تتأسس على المنح وغيرها، رغم بعدها المجالي أو عامل الطقس كالصين وكندا على سبيل المثال. وفي هذا الإطار أفادت وداد عباد الأندلسي، وهي مديرة مؤسسة تعليمية خاصة توفر للطلبة تكوينا قصير المدة لا يتجاوز العشرة أشهر، تعمل من خلاله على إعدادهم لغويا وثقافيا إلى جانب ترتيب ملفات الهجرة بغرض استكمال التعليم في ألمانيا قائلة «يتمثل دورنا في مرافقة الطلبة وتأهيلهم إلى جانب استيفاء كل الإجراءات اللازمة بغاية اجتياز مباريات القبول بنجاح وحتى يتسنّى لهم وضع أرجلهم بسلام في ألمانيا، حيث نضل على اتصال دائم معهم للمساعدة «.

هاجس سوق الشغل

أكد العديد من التلاميذ والآباء الذين التقيناهم في الملتقى على أن اختيار المؤسسة العليا من أجل إتمام الدراسة يتحكم فيه شرط أساسي يتمثل في مدى ملائمة التكوين مع متطلبات سوق الشغل، إذ يعتبر هذا الأمر بمثابة الهاجس الأكبر لأغلب الأسر المغربية، وهو ما علّقت عليه كوثر العبدلاوي، المسؤولة بمجموعة الطالب المغربي، قائلة « هناك تخصصات جديدة تواكب واقع التغيرات الحالية، مثل الذكاء الاصطناعي الذي يعتبر حديث الساعة ويتسيّد عناوين المهن المستقبلية». تصريح يلتقي مع آراء استقتها «الاتحاد الاشتراكي» من عدد من ممثلي المدارس والمعاهد بالملتقى، والتي تذهب برمتها في اتجاه مشاركة هذه المؤسسات لهموم الأسر في هذا الشأن، وتؤكد على أن ولوج الطلبة لسوق الشغل يظل هدفا أسمى لهاته المؤسسات وللدولة المغربية على حد سواء.
هدف أكد عليه أكثر من متدخل، كما هو الحال بالنسبة لحسناء الرشادي، وهي مسؤولة عن التواصل بمؤسسة تعليمية خاصة متخصصة في قطاع النسيج، التي شددت في معرض إجابتها حول مدى استيعاب سوق الشغل للخريجين من الطلبة في ظل التغيرات التي أحدثتها بعض المنافسات الخارجية الشرسة على القطاع، أنه «يتبين من خلال تتبع مسار خريجي المؤسسة، أن %94 منهم يلجون إلى سوق الشغل في مدة أقصاها 6 أشهر».

نهاية حدث واستمرار مشوار

انتهت فعاليات الملتقى الدولي للطالب هنا بالبيضاء يوم الأحد، ومع إسدال الستار على هذا الموعد انطلقت استعدادات المنظمين والعارضين على حد سواء لحط الرحال في محطة أخرى في إحدى مدن المغرب، وبرمجة تنقلات أخرى تهدف ما أمكن إلى تعميم هذه المبادرة، من أجل تنوير عدد أكبر من الطلبة وأيضا لملء مقاعد هي الأخرى قد تظل فارغة، في الوقت الذي تظل فيه مثل هذه الفعاليات الفرصة الأبرز، إن لم تكن الوحيدة، التي تجمع أعدادا كبيرة من عروض المدارس والمؤسسات في مكان وزمان واحد ما يسهّل عملية التعرف على شتى أنواعها ومجالات تخصصها.
ملتقى إن انقضى زمنه هنا في الدارالبيضاء ليستمر في أماكن أخرى، فسيظل مع ذلك حدثا محددا في الزمن، عكس مشوار الطلبة الممتد، في رحلتهم نحو التكوين العالي ومن خلاله صوب سوق الشغل، الذين مهما بدا الاختيار بالنسبة لهم سهلا أو صعبا في مرحلة من المراحل الدراسية، فإن مقتضيات الأمور في هذه «المنعطفات» من مسارات الحياة العلمية تفرض على الطلاب، بالرغم من حداثة السن وقلة الخبرة، أن يوظفوا كل ما جادت به قريحتهم من ملكات نقدية في سبيل عدم تجرع مرارة ندم، قد يجلبها «سوء اختيار» ما لا يناسبهم، أو ما قد تغيب معه الفائدة المرجوة ، بالمقابل سيساهم الاختيار المناسب لا محالة في بناء جيل مستقبلي منسجم مع ذاته ومتميز يكون على أتم الاستعداد لمواجهة تحديات العصر .

*صحافيان متدربان


الكاتب : بعثة «الاتحاد الاشتراكي»: فدوى عديل ـ سامي القلال

  

بتاريخ : 24/04/2024