البعد الإقليمي لنزاع الصحراء – 7 – منظمة الوحدة الإفريقية والأمم المتحدة تدعوان إسبانيا للتفاوض مع المغرب

لكل نزاع إقليمي مرجعيته وإحالاته التاريخية والقانونية والسياسية، ولكل نزاع إقليمي أيضا بهاراته الخاصة. وتشريح أسس أي نزاع لن يستقيم دون وضع كل مكوناته على طاولة التحليل، بيد أن نزاعات القارة الإفريقية وصمت بالفعل الاستعماري، الذي مزق القارة بمقص ترك آثاره في النسيج الإثني إلى يومنا هذا في عدد من المناطق، وانعكس ذلك في خريطة النزاعات اٌلإقليمية، الشيء الذي جعل « الوحدة الوطنية» عرضة لكل الحسابات الإقليمية والدولية. ولنزاع الصحراء نكهته الخاصة، إذ ربط بين 3 أبعاد إقليمية:
المطلب المغربي في وحدته الترابية والوطنية، وهو عامل شيد ما عرف في تاريخ المغرب الراهن ب»الإجماع الوطني»، الذي لعب دورا كبيرا في تلاحم المؤسسات المغربية، وتخفيف التناقضات السياسية الداخلية ، مع مد وجزر بين الفينة والأخرى، وشكل الموقف الوطني المغربي الموحد تجاه نزاع الصحراء ورقة سياسية، تأخذ بعين الاعتبار في تقييم الدول لمواقفها في نزاع الصحراء.
إشكال بناء الدولة المدنية في الجزائر والفشل في انتقال مؤسسات الدولة من نظام عسكري مشبع بالفكر الاستعماري الفرنسي، وبواجهات سياسية واقتصادية «متحورة»، إلى دولة مدنية تستند إلى السلم والأمن وبناء الطمأنينة والسلم تجاه الشعب الجزائري، وأيضا مع دول الجوار الست، حيث حولت الحدود إلى مناطق عسكرية خالصة، وأصبح النظام العسكري امتدادا للنظام الاستعماري الفرنسي في المنطقة. والشعارات التي يرفعها الشعب الجزائري في مظاهرات الجمعة والثلاثاء ضد «الدولة العسكرية»، واضحة بما فيه الكفاية لإدراك أزمات شمال غرب إفريقيا.
الموقف الموريتاني تجاه نزاع الصحراء من حيث التقاطع معه ترابيا وسياسيا واستراتيجيا، فتضارب الموقف الرسمي تجاه نزاع الصحراء منذ الستينات إلى يومنا هذا، وإعلان موقف مناقض للواقع السياسي في المنطقة من حيث الاحتماء بالحياد. ترابيا، هناك رغبة في إبقاء الوضع على ما هو عليه ، فوضع المنطقة الممتدة من الكركرات إلى الكويرة، يشكل إحراجا في علاقات الدولة الموريتانية بالنزاع الإقليمي. وأبانت أحداث الكركرات الأخيرة، ودور الموقعين الموريتانيين الزويرات وبولنوار كقاعدتين خلفيتتين للبوليزاريو حساسية الموقف الموريتاني في نزاع الصحراء،وتحاول بعض المواقف الدبلوماسية القفز على هذا الواقع من حين لآخر.
في هذه المقالات، التي تشكل فصولا من كتاب قيد الإعداد، نحاول الإمساك بالبعد اٌلإقليمي لنزاع الصحراء انطلاقا من وثائق الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية والجامعة العربية المستندات الرسمية للمملكة المغربية، ووثائق رسمية للدولتين الجزائرية والموريتانية، إضافة إلى وثائق الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ومنظمة إلى الأمام وجبهة البوليزاريو.

منظمة الوحدة الإفريقية والأمم المتحدة وقضية الصحراء

تبنت منظمة الوحدة الإفريقية منذ قمتها الثالثة في العام 1966 ملف إقليمي إفني والصحراء»الاسبانية»، وطالبت قراراتها اسبانيا بالتعجيل في التفاوض من أجل استقلال هذين الإقليمين، في هذا السياق اجتمعت اللجنة الخاصة التابعة للأمم المتحدة، استثناءا، في أديس أبابا يوم 8 يونيو 1966، للتأكيد على تقرير المصير لإفني والصحراء الاسبانية، ولأول مرة، « يتعايش»المغرب وموريتانيا في اجتماع قاري.
تبنت منظمة الوحدة الإفريقية في القمة الثالثة قرارا تعلن فيه كامل دعمها لكل المجهودات الهادفة لتحرير فعلي لكل الأقاليم الإفريقية تحت السيطرة الاستعمارية، إفني والصحراء المسماة اسبانية وغينيا الاستوائية وفرناندو بو، ويطلب القرار من اسبانيا الإسراع بنهج مسلسل يعطي الحرية والاستقلال إلى كل هذه المناطق، والامتناع عن أي إجراء قد يمس الأمن والسلم في إفريقيا.
إلى جانب الإحالة إلى قرار منظمة الوحدة الإفريقية بشأن إفني والصحراء، نجد في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2354 ، حيثيات أخرى منها الإحاطة علما « ببيان الدولة القائمة بالإدارة الذي يفيد بدء الحوار على مستوى عال بين حكومتي اسبانيا والمغرب بشأن إفني، وإذ تحيط علما كذلك ببيان الدولة القائمة بالإدارة في 7 دجنبر 1966، بشأن الصحراء الاسبانية، ولا سيما فيما يتعلق بإيفاد بعثة خاصة للأمم المتحدة إلى الإقليم، وعودة المنفيين، وحرية استعمال السكان الأهليين لحقهم في تقرير المصير، وبعد الأخذ بعين الاعتبار القرار الاتفاقي الذي اتخذته اللجنة الخاصة في جلستها المعقودة في 14 سبتمبر 1967 …»
وأعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة أنها « تؤكد من جديد حق شعب إفني، غير القابل للتصرف، في تقرير تنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، وتؤيد القرار الاتفاقي الذي اتخذته اللجنة الخاصة في 14 سبتمبر 1967» وفي البند الثالث من القرار المتعلق بإفني طالب القرار 2354 من « الدولة القائمة بالإدارة أن تتخذ فورا الخطوات اللازمة للتعجيل بإنهاء الاستعمار في إفني، وأن تقرر مع حكومة المغرب، ومع مراعاة أماني السكان الأهليين، الإجراءات اللازمة لنقل السلطات وفقا لأحكام قرار الجمعية العامة 1514…» .
ودعا القرار أيضا إلى مواصلة الحوار مع المغرب، وطلبت الجمعية العامة من اللجنة الخاصة أن تواصل النظر في إقليم إفني في دورتها الثالثة والعشرين. وخصص الجزء الثاني من القرار 2354 ، للصحراء «الاسبانية»، وبعد التأكيد على المبادئ، دعا القرار في النقطة الثالثة « الدولة القائمة بالإدارة إلى الاضطلاع، في أقرب موعد ممكن، ووفقا لأماني سكان الصحراء الاسبانية الأهليين و التشاور مع حكومتي موريتانيا والمغرب وأي طرف معني آخر، بتقرير الإجراءات اللازمة لعقد استفتاء برعاية الأمم المتحدة بغية تمكين سكان الإقليم الأهليين من استعمال حقهم في تقرير المصير بحرية…»
ولتحقيق ذلك طالب القرار بتهيئة الجو الملائم لإجراء استفتاء وعودة المنفيين، وعدم القدوم على أي إجراء لتأخير عملية إنهاء الاستعمار وتوفير كل التسهيلات لبعثة الأمم المتحدة لتمكينها من الاشتراك الايجابي في تنظيم الاستفتاء وإجرائه.

رسالة من الأمين العام للأمم المتحدة إلى الحكومة الاسبانية

بتاريخ 23 يناير 1968، وجه الأمين العام للأمم المتحدة، رسالة إلى المندوب الدائم لاسبانيا، نبه فيها الحكومة الاسبانية إلى أن القرار 2354 الذي وافقت عليه الجمعية العامة في جلستها 1641 يوم 19 أكتوبر 1967 حول موضوعي إفني والصحراء الاسبانية. ونبه الأمين العام على « أن الفقرتين 3 و 4 من الجزء 1 والفقرة 3 من الجزء الثاني من القرار يتوجه إلى حكومتكم كسلطة إدارية للمناطق قيد الموضوع..»، وأحال الأمين العام إلى الفقرة 4 من الجزء الثاني من القرار المذكور حيث تطلب الجمعية العامة من الأمين العام وبتشاور مع الحكومة الاسبانية واللجنة الخاصة المكلفة بدراسة الحالة فيما يخص تطبيق إعلان منح الاستقلال للدول والشعوب المستعمرة، تعيين البعثة الخاصة حالا ، المنصوص عليها في الفقرة 5 من القرار 2229، والإسراع بإرسال هذه البعثة إلى الصحراء الاسبانية. وطلب الأمين العام من الحكومة الاسبانية تبليغه برؤيتها حول تعيين البعثة.
يبدو أن اسبانيا لم تكن متعجلة لهذا الأمر، ولم تبلغ الأمين العام الجواب على رسالته إلا بتاريخ 17 أكتوبر 1968، حيث أحالت رسالة المندوب الدائم إلى رسالة الأمين العام المؤرخة في 23 يناير 1968، وتنبه الأمين العام، أن القرار المنصوص عليه في رسالته يتحدث عن إقليمي إفني والصحراء، وأن الأمر يتعلق بإقليمين مختلفين، ولذا فإنه يحيل فقط إلى إقليم الصحراء الاسبانية في موضوع رسالته إلى الأمين العام، لكون وزير الخارجية الاسباني Casteilla تعرض إلى موضوع إفني في خطابه ليلة تاريخ الرسالة، أي يوم 16 أكتوبر 1968 في جلسة 1697، ثم أعاد ذكر مساحة وعدد سكان الصحراء، وأن حكومته تؤيد مطلب حق تقرير المصير، وأن يقرر السكان مستقبلهم بأنفسهم، وأن سكان الصحراء لهم مؤسسة سياسية تناسب طبائعهم وعاداتهم وتقاليدهم، وذكر المندوب الاسباني فيما بعد مجلس « الجماعة الصحراوية» التي تفتح أمام السكان قاعدة سياسية كاملة لمواجهة المصير الذي اختاروه بضمانات الاستقرار والتمثيلية. و أضاف المندوب الاسباني، أن اسبانيا ترتبط بالسكان بعلاقات جيدة، وأن الحكومة الاسبانية تحافظ وفي نفس الشروط ما قدمته من خلال تصريحه في اللجنة الرابعة يوم 7 دجنبر 1966. في هذا التاريخ ظهرت مبادرة اسبانيا بالحديث عن إرسال بعثة لزيارة الصحراء، وهي الفكرة التي أدرجت في القرار 2229 و2354. وأنه قال حينها أن وفد بلاده إلى الأمم المتحدة على استعداد للبدء في استشارات مع الأمين العام لدراسة إمكانية إرسال مراقبين إلى الصحراء ، والذين يمكنهم بطريقة موضوعية ومباشرة تحليل الوضع في المنطقة وتكون رأيا في الموضوع، واختصارا، يضيف المندوب الاسباني، أن بلاده تحترم و وتؤكد حق سكان الصحراء في تقرير المصير وتطبيق قرارات الأمم المتحدة.
هذه الرسالة واضحة المعالم من حيث جواب اسبانيا على رسالة الأمين العام، جواب جاء بعد 10 أشهر تقريبا من الانتظار، ورسالة الحكومة الاسبانية المؤرخة في 17 أكتوبر 1968، تنبه الأمين العام أن القرار بشأن مصير الصحراء ما زال في يد اسبانيا ، وأنها تتمسك بتقرير المصير من حيث المبدإ، ولا تريد أن يتعدى حضور الأمم المتحدة حدود استشارة السكان، خصوصا وأن الأمين العام للأمم المتحدة نبه في رسالته بتاريخ 23 يناير 1968 إلى أن السلطة القائمة بإدارة الإقليم، وربما هذا ما لم يرض الحكومة الاسبانية التي نبهت بدورها إلى المؤسسات السياسية القائمة» الجماعة الصحراوية» والمنتخبين المحليين، أي أن إسبانيا تحدد للأمم المتحدة مجال الاستشارة. هذه الرسائل وما سيأتي فيما بعد، خاصة من تحرك المغرب على الصعيد المغاربي وداخل الأمم المتحدة وفي الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي، تبين لماذا لم تخضع اسبانيا لقراري الجمعية العامة 2229 و 2354.
في نهاية العام 1968، صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار جديد، رقم 2428، لكن بصيغة القرارات التي سبقت من حيث التأكيد على المبادئ التي تتحكم في تقرير المصير بالنسبة لإفني و الصحراء «الاسبانية»، والإحالة إلى قراري 2072 و 2229، ثم الإحالة إلى قرار منظمة الوحدة الإفريقية الصادر في القمة الثالثة في شتنبر 1966، والالتزامات التي عاهدت بها اسبانيا المجتمع الدولي، والجديد في هذا القرار هو الإشارة في الحيثيات إلى تصريح المندوب الدائم لاسبانيا لدى الأمم المتحدة يوم 29 نوفمبر 1968، من أنه وفدا رسميا اسبانيا سينتقل إلى الرباط في القريب العاجل للتوقيع على اتفاق مع الحكومة الاسبانية لنقل إفني إلى السيادة المغربية. وختم القرار الحيثيات بالتأكيد على طبيعة الوضع القانوني لإقليمي إفني والصحراء، وأيضا مسلسل إزاحة الاستعمار كما وردت في القرار 2354.
ثم أعاد القرار في الجزء المتعلق بإفني ما سبق من القرارات الأممية، لكن هذه المرة يطالب القرار بالإسراع في أخذ الإجراءات قصد إزاحة الاستعمار عن الإقليم وتحديد الإجراءات مع الحكومة المغربية في أشكال نقل السلطات وفق قرار 1514. وفيما يخص الجزء المخصص للصحراء الاسبانية تمت إعادة الصياغة في القرارات السابقة.
ضم أرشيف هذه الجلسة ثلاثة ملاحق، خصص الأول منها للوضعية والإحصاءات عن الإقليمين ، وأعدته سكرتارية اللجنة الرابعة، ويتضمن كل القرارات التي اتخذت قبلا من لدن اللجنة الخاصة والجمعية العامة، إضافة إلى معطيات عن إفني والصحراء «الاسبانية».

اجتماع اللجنة الخاصة للأمم المتحدة ، 14 مارس 1969

اجتمعت اللجنة الخاصة يوم 14 مارس 1969 في جلستها 659، وقررت فيها الفصل بين قضيتي إفني والصحراء، وسجلت أنها عالجت قضية الصحراء وإفني في جلساتها 668 و670 و 695 و 715، في الفترة الممتدة من 23 أبريل إلى 25 شتنبر 1969. أحالت اللجنة في تقريرها المؤرخ في 14 مارس 1969 إلى قرار الجمعية العامة 2428، المصادق عليه في 18 دجنبر 1968، في فقرته الخامسة من الجزء الأول من هذا القرار، والتي تنص على طلب الجمعية للجنة الخاصة بمتابعة النظر في وضعية إقليم إفني وإنجاز تقرير للجمعية العامة في دورتها 24. وفي الفقرة الخامسة من الجزء الثاني من القرار طلبت الجمعية العامة من اللجنة الخاصة بمتابعة النظر في إقليم الصحراء الاسبانية، وإنجاز تقرير حول الموضوع لدورة الجمعية العامة الرابعة والعشرين. في جلسة 14 مارس 1969، تسلمت اللجنة تقريرا من إعداد السكرتارية جمعت فيه كل القرارات المتعلقة بهذين الإقليمين.

رسالة علي يعته
إلى اللجنة الخاصة

يحتوي أرشيف الأمم المتحدة عريضة إلى اللجنة الخاصة من علي يعته الأمين العام لحزب التحرير والاشتراكية ومؤرخة في 17 فبراير 1969 حول موضوع إنهاء الاستعمار من الصحراء الاسبانية. و في الجلسة 668 بتاريخ 23 أبريل 1969 تلقت اللجنة الخاصة رسائل من مندوب المغرب (A/AC.109/315) مؤرخة في 16 أبريل 1969 ومن موريتانيا ( A/AC.109/314) مؤرخة في 17 أبريل 1969، ومن الجزائر (َA/AC.109/316) مؤرخة في 21 أبريل 1969، وتطلب كلها المشاركة في الجلسة ، كما تم استدعاء مندوب اسبانيا لحضور نفس الجلسة. أدلا مندوبا المغرب وموريتانيا بتصريحهما أمام اللجنة، ووقع جدال في هذه الجلسة بين مندوب المغرب. ويبدو من خلال تسلسل تاريخ طلب المشاركة في جلسات اللجنة الخاصة حول الصحراء، أن موريتانيا والجزائر تلاحقان المغرب داخل مؤسسات الأمم المتحدة، وهو المسار الذي سيتأكد في كل جلسات اللجنة الخاصة أو اللجنة الرابعة أو جلسات الجمعية العامة، ومجلس الأمن الذي وجد مصطلحا قانونيا لقبول هذه الدول في مناقشات مجلس الأمن حول الصحراء، وهو « الأطراف المعنية والمهتمة»، مصطلح عاد إلى متون مجلس الأمن منذ العام 2017.


الكاتب : الموساوي العجلاوي

  

بتاريخ : 21/04/2021