التاريخ الديني للجنوب المغربي سبيل لكتابة التاريخ المغربي من أسفل 12- وصول الطريقة الدرقاوية الى سوس وبداية الصراع الطرقي 3/2

تسعى هذه المقالات التاريخية إلى تقريب القارئ من بعض قضايا التاريخ الجهوي لسوس التي ظلت مهمشة في تاريخنا الشمولي، وهي مواضيع لم تلفت عناية الباحثين فقفزوا عليها إما لندرة الوثائق أو لحساسياتها أو لصعوبة الخوض فيها. ومن جهة أخرى فإن اختيارنا لموضوع التاريخ الديني للجنوب المغربي راجع بالأساس إلى أهميته في إعادة كتابة تاريخ المغرب من أسفل وهو مطلب من مطالب التاريخ الجديد الذي قطع أشواطا كبيرة في فرنسا.

 

لا يمكن الجزم بأن الشيوخ الذين أخذوا عن أحمد بن عبد الله المراكشي قد أخفقوا في مشروعهم الصوفي، ولا التسليم بكون الشيخ “سعيد المعدري” هو الوحيد الذي حقق هذه الآمال المعقودة عليهم، لسبب واحد هو أنه بدون مؤلفات المختار السوسي يكاد الحديث عن الدرقاوية في سوس شبه مستحيل (يرى الباحث عبد الكريم الجيلالي أن نجاح ثلاثة مريدين هم سيدي سعيد بن همو المعدري ومحمد بوتجلات البلفاعي والحاج مبارك الهواري، وإخفاق أربعة منهم هم (سيدي الحسن الهشتوكي ومحمد بوتجارف الرسموكي والحاج الساحلي الحاج الأمين المعدري).
إخفاق هؤلاء الأربعة راجع إلى كونهم كانوا من المتجردين الخاملين وأنهم لم يفوزوا من شيخهم المراكشي إلا بشرف الانخراط في سلك التربية الروحية دون غيرها . (الجيلالي كريم ، مدرسة سوس في التيار الصوفي الدرقاوي، ج1،رسالة لنيل الدكتوراه في التاريخ، تحت إشراف الدكتور محمد المازوني، 2012،جامعة شعيب الدكالي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية الجديدة، ص113).
والواقع أن ترجيح كفة المريدين الثلاثة على حساب المريدين الأربعة راجع بالأساس إلى عملية الانتقاء التي قام بها المختار السوسي، المؤرخ الوحيد للطريقة الدرقاوية في سوس فقد أثنى وزاد على المريدين الثلاثة في حين لم يوفي الأربعة المجهولين حقهم في الترجمة وهذا راجع إلى شح الوثيقة وغيابها أو طبيعة التعامل معها خاصة مع ورثة الشيوخ، وبالتالي فمسألة الموضوعية والذاتية في كتابة وبناء الحدث التاريخي مرتبطة بمنهج العمل عند المؤرخ، ونظرا للقيود التي يفرضها ورثة المختار السوسي وبعض العائلات من طينة المتصوفة بسوس على رصيدهم الوثائقي، فإن ما ألفه المختار السوسي سواء عن سيرة المعدري أو والده الالغي يبقى نسبيا ولا يمكن الإرتياح إلى مظانه ما لم نقارع النص المطبوع بالنص المخطوط.
وبهذه المناسبة ننوه بالدور الجبار الذي تلعبه بعض الأسر السوسية من الطينة الصوفية والتي تفتح وثائقها في وجه الباحثين وأخص بالذكر هنا: أسرة دار ايليغ في شخص الأستاذ المحترم بودميعة بوخاري الذي تكشف وثائقه عن الحلقة المفقودة في التيار الصوفي الدرقاوي لسوس وذلك من خلال رسائل إخوانية تبادلها شيوخ الدرقاوية مع دار ايليغ او فيما بينهم مرفوفة في خزانته ومصنفة تسهل على الباحث مأمورية انتقاء المعلومة وهو جهد مضني بدله الرجل من اجل إنجاز مشروع تاريخي حول سوس يوفي لكل ذي حق حقه.). كما أن هذه المؤلفات تجعلنا نعرف موقف صاحبها ممن ترجم لهم. فقد أثنى وزاد على أبيه، كما فعل نفس الشيء مع شيخه “المعدري”، وهذا في نظرنا لم يكن قط من باب الصدفة، بل له مقاصد وغايات، فنجاح المريد مرتبط بمدى جدارة الشيخ واستحقاقه ومدى ذكائه، وبالتالي كان لابد للمختار السوسي أن يسهب في الكلام عنه بشكل يقربه من الأقطاب الصوفية الكبرى، كسيدي “العربي الدرقاوي” و”أحمد التيجاني”.
وبالمقابل غض الطرف عن الآخرين الذين هم من صنع شيخ أبيه ، وهذا يدفعنا إلى طرح سؤال جوهري حول ما إذا كان المختار السوسي قد أخفى عنا حقائق حول الزوايا التي أسسها مريدو المراكشي والتي ظلت مجهولة لغياب من يترصد لها بالدرس والتحليل الهادفين؟ باستثناء تلك الشذرات التي جاءت متناثرة في المعسول والتي لا تشفي غليل الباحث في الحركة الصوفية في سوس، وفي غياب الوثائق لا يمكن لنا إلا أن نسلم بما جاء في مؤلفات المختار السوسي حول الطريقة مع تحفظنا على بعض المعطيات الأخرى.


الكاتب : ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 08/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *