التاريخ الديني للجنوب المغربي سبيل لكتابة التاريخ المغربي من أسفل -8-

الزوايا في سوس، من مؤسسات دينية إلى مؤسسات اقتصادية

تسعى هذه المقالات التاريخية إلى تقريب القارئ من بعض قضايا التاريخ الجهوي لسوس التي ظلت مهمشة في تاريخنا الشمولي، وهي مواضيع لم تلفت عناية الباحثين فقفزوا عليها إما لندرة الوثائق أو لحساسياتها أو لصعوبة الخوض فيها. ومن جهة أخرى فإن اختيارنا لموضوع التاريخ الديني للجنوب المغربي راجع بالأساس إلى أهميته في إعادة كتابة تاريخ المغرب من أسفل وهو مطلب من مطالب التاريخ الجديد الذي قطع أشواطا كبيرة في فرنسا.

لاشك أن شيوخ الزوايا في سوس بجميع انتماءاتهم تورطوا في مسألة النزاع مع المخزن المحلي حول الاختصاصات؛ ولعل ساكنة سوس ذأبت على الاعتراف الضمني لهؤلاء الشيوخ بحقهم في التصرف الذي لم يكن وقفا على شيوخ الزوايا؛ وإنما شاركها أيضا القواد المحليون. والجذير بالذكر أن شيوخ الزوايا اكتسبوا هذا الامتياز الاخير منذ زمن بعيد نظرا للخدمات التي التي وفروها في المجال الذي لم تكن تناله الأحكام ولا يحصل لأهلها بها الغرض (حالة إداوتنان). إن الصراع حول السلطة أو حول المصالح مرده إلى ان المخزن والزوايا يكتسبان مشروعيتهما من الدين وبالتالي لايمكن لاحدهما تجاوز الآخر في مجال ظل شاغرا لهذا فدور الزوايا كان (ميكروتطبيقي) أما دور المخزن فقد كان (ماكروتطبيقي)؛ (محمد زرهوني، العلاقات بين السلطة والسكان بمنطقة طرفي الأطلس الكبير الغربي في أعوام الستتين من القرن التاسع عشر، 1863/1280- 1873/1290، منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية: الدار البيضاء، سلسلة الأطروحات والرسائل: 5، ص 255). ومن تم فمظاهر التداخل بين السلطتين اكتسى بعدا محليا حول نقطة محددة في المجال وآخر اكثر شمولية وهو ما يجعل خضوع المجتمع لهما يتم بطرق مختلفة؛ معنى ذلك ان اخضاع المجتمع للطاعة على يد شيوخ الزوايا يتم بشهولة نظرا لاختلاطهم بأفراده في الاسواق والمواسم دون هيبة أو ماشابه ذلك وهي السمة المغيبة لدى المخزن الذي كان حضوره يتم وفق بروتوكول محدد لا يخرج عن مثيله في المركز وهو ماجعل الطرف الثاني يعول على الطرف الاول في عملية الضبط وشحذ الهمم للطاعة وعدم الخروج عن نص البيعة.
بالعودة إلى المصادر يتضح أن الوضعية السابقة هي التي ظل عليها سوس لمدة فاقت الخمسة قرون ( من القرن 15 إلى أوائل القرن العشرين) فجل هذه المصادر تتحدث عن الحضور التنظيمي للمجتمع القبلي تحت إشراف المخزن؛ وقد حاول شيوخ الزوايا ان يحافظوا على لحمة المجتمع المغربي من خلال الدعوة إلى جهاد الإبيريين الذين استطالوا بالسواحل المغربية والدعوة إلى رص الصفوف ضد التيارات الداخلية المناهضة للحكم العلوي وعلى سبيل المثال الدور الذي لعبه الحاج الحسين الإفراني التجاني في سوس لمناهضة المدعو بوحمارة الذي نافس مولاي عبد العزيز وأخوه مولاي عبد الحفيظ حول العرش وهو ماتبينه الوثائق الاخوانية التي تعود ملكيتها للاستاذ بوخاري بودميعة سليل دار إيليغ. وخلال فترة الرخاء وقوة المخزن فإن شيوخ الزوايا يتجهون لخدمة مصالحهم وهو ما جعل مؤسسات الزوايا تتحول إلى مؤسسات اقتصادية أي من شيوخ زوايا رأسمالهم هو الكرامة الخارقة للعادة وعلمهم الظاهر والباطن إلى شيوخ زوايا على شاكلة رجال أعمال بالمفهوم الآني وهو ماجسدته حالة الوزانية وحالة المصلوحية خلال الربع الاخير من القرن التاسع عشر إذ اضرهما جشعهما إلى الاحتماء بالفرنسيين والأنجليز وهو مايعني أنهما خرجتا ضمنيا عن المألوف والعوائد المخزنية. لقد حدا شيوخ الزوايا حدو الوزانيين والمصلوحيين في الحصول على ملكيات عقارية بحيث لا تخلو زاوية من زوايا سوس من أملاك تابعة لها أنعم بها المخزن عليها في ظروف الرخاء او خلال الحركات وهو ما جعل شيوخها بالاضافة إلى كريزماتهم الروحية يتوفرون على رصيد مادي لابأس به يمكن تتريكه في أية لحظة على يد المخزن كما حدث خلال الأحداث التي تلت وفاة الحسن الاول (1894). والجذير بالذكر ان هذا الرصيد المادي الذي تحصل للزوايا تمت تنميته عن طريق الاقراض أو المخالطة ورعاية المواسم والأسواق الأسبوعية وقد تحول بعضها إلى انوية لعدة مدن كما هو الحال بالنسبة لمدينتي أبي الجعد و وزان.
* أستاذ باحث في التاريخ الديني والأنثربولوجية الثقافية


الكاتب : الدكتور ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 04/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *