التاريخ الديني للجنوب المغربي سبيل لكتابة التاريخ المغربي من أسفل 11 – وصول الطريقة الدرقاوية الى سوس وبداية الصراع الطرقي 1/3

 

تسعى هذه المقالات التاريخية إلى تقريب القارئ من بعض قضايا التاريخ الجهوي لسوس التي ظلت مهمشة في تاريخنا الشمولي، وهي مواضيع لم تلفت عناية الباحثين فقفزوا عليها إما لندرة الوثائق أو لحساسياتها أو لصعوبة الخوض فيها. ومن جهة أخرى فإن اختيارنا لموضوع التاريخ الديني للجنوب المغربي راجع بالأساس إلى أهميته في إعادة كتابة تاريخ المغرب من أسفل وهو مطلب من مطالب التاريخ الجديد الذي قطع أشواطا كبيرة في فرنسا.

 

وصلت الطريقة الدرقاوية إلى سوس بفضل الشيخ القطب ” ابو العباس أحمد بن عبد الله بن ابراهيم المراكشي ” (تكتنف هذه الشخصية الكثير من الغموض، فمجرد الترجمة له يكاد من الأمور الصعبة، ولولا النتف التي قدمها السوسي في معسوله في سياق ترجمته للآخذين عنه، لما وصلنا عن أخباره حرفا واحدا. لم يكن احمد بن عبد الواحد المراكشي مشهورا كغيره ممن حملوا ورد الطريقة من العربي الدرقاوي ويفسر البعض سقوط ترجمته في مؤلفات من أرخوا وترجموا لأعلام مراكش كصاحب الإعلام …وصاحب السعادة الأبدية … أن الرجل لم يكن من ذوي الشهرة، ولولا المريدين السوسيين الذين ترجم لهم السوسي فجاءت أخبار شيخهم المراكشي في سياق الحديث عنهم، لأهمله التاريخ. راجع بهذا الخصوص، الجيلالي كريم، مدرسة سوس في التيار الصوفي الدرقاوي ، رسالة لنيل الدكتوراه في التاريخ، تحت إشراف الدكتور محمد المازوني، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة، الجزء الأول، صص:94-95.) في جو مشحون بحدة الصراع الطرقي، (اتخذ الصراع في البداية شكل منافسة بين طلاب المدارس العتيقة (التمكديشتية – الإلغية) في المواسم كموسم سيدي احماد اوموسى، وسرعان ما تحول إلى تلاسن وتشكيك في مصداقية الطرق وشرعية شيوخها، عندما حاول كل من الحاج علي الدرقاوي والحاج الحسين الافراني مد نفوذهما في مجال انتشار الناصرية وترحيل مريدين ناصريين إليهما.)بين أقطاب هذه الطريقة الجديدة والمدافعين عن التيار الناصري من شيوخ وعلماء وبخاصة علماء إفران وأدوز، و يجب أن لا نتجاهل نقطة أساسية في هذا الصدد، وهي أن شخصية “أحمد بن عبد الله المراكشي” (توفي أحمد بن عبد الله بن إبراهيم المراكشي سنة 1270هـ موافق ل 1853. بخصوص هذه النقطة تراجع : أجزاء المعسول التالية ج1،ص: 189 و ج11، ص: 155، و ج4، ص:332.)كانت وراء إشعاع الطريقة في سوس بفضل عزيمة مريديه السوسيين. فقد أجاز هذا الشيخ مئات المريدين الوافدين من مناطق غير سوسية. وبالنسبة لسوس فقد أخذت الطريقة عن أحمد بن عبد الله المراكشي ثلة من رجالات سوس هم ( الحاج مبارك الهواري-الحاج محمد بوتكلاي البلفاعي-الحاج الأمين المعدري- الحاج الساحلي-محمد بوتجارف الرسموكي-سيدي الحسن الهشتوكي-سيدي سعيد بن همو المعدري.) إلا أن الذين فازوا بالشهرة في التدوين التاريخي عند المختار السوسي -المؤرخ الوحيد للطريقة الدرقاوية بسوس- هم ثلاثة : سيدي سعيد بن همو المعدري الذي تكشف سيرته نجاحه في نشر الطريقة رغم كونه أمي بالظاهر، ولن نجازف إن قلنا أن تسليط السوسي الأضواء على هذه الشخصية راجع بالأساس إلى كون والده الإلغي هو وارث سر المعدري، لهذا بذل المختار السوسي مجهودا كبير أثناء تحريه الميداني من أجل جمع معلومات حوله لإثبات مشروعية أبيه الدينية فيما يخص اتصال سنده الصوفي بالمعدري. ويأتي في المقام الثاني بعد سعيد بن همو المعدري، تدوين سيرة الحاج مبارك الهواري لكونه أول من التقى بالشيخ المراكشي، وبعده الحاج محمد بوتكلاي البلفاعي)استشهد أحد الباحثين بنص مقتبس من الجزء الخامس من المعسول (ص:66) للبرهنة على أن محمد بوتجلاي البلفاعي هو أول من أدخل الطريقة الدرقاوية الى سوس، في حين أن الأمر ليس كذلك، فالنص المستشهد به من طرف هذا الباحث يفيد عبد الله بن محمد بن احمد العويني الذي يعد من الاوائل الذين ادخلوا الطريقة التجانية الى سوس وليس محمد بوتجلاي البلفاعي. وبالتالي فالسوسي يشير الى الطريقة التجانية وليس الى الطريقة الدرقاوية.( . وبعد إجازته لمريديه طالب الشيخ المراكشي أن يبني كل واحد منهم زاويته في موقع استراتيجي يتوسط قبيلته، وقد تزامن طلب الشيخ هذا مع سنة (1250 هـ/ 1834م) وهو التاريخ الذي يتزامن مع ولوج الطريقة الدرقاوية إلى سوس. (بوكاري أحمد، الإحياء والتجديد الصوفي في المغرب (1204-1303/1790-1912): الدرقاوية والإحياء الصوفي الشاذلي، مطبعة فضالة، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الطبعة الأولى 1427هـ – 2006م، ص:265) ولعل طلبه هذا كانت وراءه مقاصد وغايات هي من تحكمت في نجاح الطريقة ووصولها إلى قلوب السوسيين ومخالجتها لمشاعرهم. كما كانت سببا في إخفاق شيوخ الطرق الأخرى وفي مقدمتها الناصرية التيمكيدشتية التي دخلت في صراع فكري مجاني مع التجانية الإلغية، والذي انتهى إلى شهرة الطريقتين، الأحمدية التجانية الإفرانية والدرقاوية الإلغية بسواعد الناصريين.


الكاتب : ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 07/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *