التاريخ والأدب في «مغاربة» الروائي عبد الكريم جويطي

يروج بين العديد من قراء الرواية ومتتبعيها في المغرب موقف يكاد يكون موحدا، ينظر للرواية المغربية على أنها رواية غير مُوَفقة، لا تشد القارئ، غير منطقية في حبكتها، ومتداخلة حد التفكك في بنيتها السردية؛ وإذا سلمنا أن هذا الموقف سليم ومقبول بالنظر إلى جزء من المنجز النصي في الرواية المغربية، فإن رواية «المغاربة» تدحض صحة هذا الرأي، بل ويمكن القول إنها رواية تحفظ ماء وجه الرواية المغربية، وتشكل إضافة وتراكما نوعيا في هذا المجال؛ فرواية «المغاربة»، الصادرة في طبعتها الأولى عن المركز الثقافي العربي بالدار البيضاء، سنة 2016، هي رواية مختلفة، لكنها لا تنحاز عن الخط السردي الذي رسمه مؤلفها عبد الكريم جويطي، لتجربته في الكتابة السردية، منذ روايته الأولى «ليل الشمس»، مرورا برواية «زغاريد الموت» و»رمان المجانين» و»الموريلا الصفراء» و»كتيبة الخراب»، وصولا إلى «المغاربة»؛ هي الميزات ذاتها تحكم صيغة الكتابة عند هذا الروائي، لا تغيير إلا في امتداد النفَس وعمق التجربة وترسيخ الرؤيا؛ وهو ما يعني أن الكتابة الروائية عند عبد الكريم جويطي مشروع مُؤَسس ومتكامل وفق رؤية تنظيرية، تسبق ممارسته لفعل الكتابة والإبداع. أقف في هذه الورقة على ميزات الكتابة الروائية اللافت حضورُها في رواية «المغاربة»، ذي بعض تفصيلاتها:

التناسل السردي:

تتسلسل الوقائع في رواية «المغاربة» بنوع من السلاسة والليونة، وفق سرد خطي منطقي، لا تكسره إلا فواصل تاريخية مقتطفة من متون كتب تاريخ المغرب، قد تبدو للناظر المتعجل نشازا ينحرف عن أحداث الرواية، لكن إمعانَ النظر وإنعامَهُ يُثبت أن الوقائع التاريخية التي تتخلل السرد، تشكل أحداثُ الرواية ذاتُها امتدادا لها من جهة، وتلعب دور المفسر لهذه الأحداث من جهة أخرى، محققة وظيفة البيان والشرح، وكأننا أمام حوار يقلص المسافة الزمنية بين ماضي رواية «المغاربة» وحاضرها؛ لكن الميزة الأساس في هذا التسلسل تبقى مرونة السارد الذي أوكل إليه الكاتب مهمة السرد في الرواية، إذ يتخلى عن المهمة دافعا بها إلى شخصية أخرى مشاركة في الأحداث، هي شخصية «العسكري»، الأخ الأكبر، والمساند، للشخصية الرئيسية «محمد الغافقي»، وكون «العسكري» مشاركا، وكونه قريبا من الشخصية الرئيسية، يجعل عملية تحويل دفة السرد مُبررةً، تتسم بالسلاسة والليونة، لا يشعر معها القارئ بأدنى تشنج ذهني يُعيق مواصلة تتبع الأحداث؛ تقنية تبئير داخلي تنقل الأحداث من على لسان وتفكير «محمد الغافقي»، باعتباره شخصية محورية تستحوذ على إدارة دفة السرد، إلى لسان «العسكري»، وهو يحكي عن وقائع حرب الصحراء؛ ويبقى سارد الوقائع التاريخية المقتطفة من متون كتب تاريخ المغرب مبهما، العائدية السردية لهذه الوقائع تؤول إلى احتمالين: أحدهما سارد خارجي غير مشارك في الأحداث، وهو أقرب الاحتمالين ورودا في تقديري، والثاني أن تكون الوقائع وردت من مقروء «محمد الغافقي» وعلى لسانه؛ وأيا كان التقدير، فإن الإحالةَ لا تُفسد لقراءة الرواية مُتعةً.

اليومي التراثي:

هما خصيصتان؛ إحداهما تتصل بالفضاء والأخرى تشمل الأشياء، حيث وظف عبد الكريم جويطي فضاءات واقعية ترتبط بمدينة بني ملال القديمة، إذ تتراوح أحداث الرواية بين القصبة وتمكنونت وساحة المسيرة وحي الرشاد، وهي في جزء منها تشكل التراث المادي للمدينة، ومركزها وملتقى أنشطتها اليومية لساكنة بني ملال في واقع معيشهم؛ صحيح أن توظيف فضاءات واقعية محلية ليس ميزة مبتكرة، بل هي مُطردة، سبق توظيفها في المنجز الروائي المغربي والعربي عند ياسين بوهوش وعبد الكريم غلاب ومحمد شكري وأحمد المديني وغيرهم من المغرب، وعند نجيب محفوظ، الذي أغرق رواياته وأغرقنا في الأحياء الشعبية لمدينة القاهرة المصرية؛ لكن المدن التي حظيت بشرف تمثيل فضاءات الأحداث في الرواية المغربية اقتصرت، غالبا، على المدن الكبرى: البيضاء وفاس وطنجة وتطوان ومراكش.. مع إقرار مني بعدم الاطلاع على المنجز الروائي المغربي جميعه؛ وحين يجعل جويطي من بني ملال فضاء لأحداث رواية «المغاربة»، إنما هو، في تقديري، احتفاء بها، ووفاء لها، وبعشقه لها أولا، ثم رغبة في توقيع الرواية ببصمة خاصة ثانيا، وتأكيد على أن فضاءاتها قادرة على توليد متخيل سردي يضاهي أسئلة الإبداع التي تولدها المدن الكبرى ثالثا؛ وحتى عندما تحملنا وقائع الرواية، في حدث خطبة «محمد الغافقي» لفتاة أحلامه الأمازيغية، خارج المدينة، فإنها لا تأخذنا إلا إلى فضاءات واقعية أخرى هي جبال أطلس أزيلال بمنعرجات طرقها وبيوتاتها البسيطة البناء والمحتوى. والسمة التراثية الثانية هي تضمين الرواية بما ارتبط بالحياة اليومية قديما عند ساكنة بني ملال والمغرب عامة، لنتأمل الوحدات المعجمية والتراكيب اللغوية الآتية: (حمام سلة القصب، قباب قصبية، تماوايت، رائحة السواك والحرقوس، رائحة الخبز الخارج من إينور، رائحة القطران في أواني الشرب، امرأة تحرك كسكسا أو قمحا يجف، السفنج والشواء، الحناء والسباني وليالي أحيدوس وخبط الدفوف، الزلافة المليئة بالحناء، قبطة نعناع، مشاكة، العزافة، مريميدة، السخام، الدشيش، الريدو…). إنها وحدات لغوية عامية؛ وإن كان لبعضها امتداد في الحياة إلى اليوم، فهي تنتمي إلى معجم شعبي يرتبط بحياة الأمس؛ وكأننا بالروائي عبد الكريم جويطي يريد أن يوثق هذا المعجم، ليحفظه وما يرافقه من سلوك ضد النسيان والزوال؛ وما نظرنا إلى هذا المعجم باعتباره ميزة إلا لكونه يحقق الإيهام بواقعية الأحداث، وتم توظيفه في مواطن تناسب سياق الحكي، بعيدا عن الاستعمال المجاني أو الحشو الزائد عن لزوم التركيب.

هوية الواصف:

ظلام دامس يرى النور؛ فالسارد الواصف «محمد الغافقي» مشارك في الأحداث، وهو شخصية أصيبت بالعمى تدريجيا في سن مبكرة من مراحل الطفولة، وكان لهذا الحدث نصيب غير يسير من مساحة الحكي في بداية الرواية، مما يجعل عملية الوصف تقوم على الحدس، تماما كما هي علاقة الواصف الأعمى بالموصوف علاقة حدسية وذاتية؛ ورغم الظلام الدامس الذي يحيط به، فقد استطاع «محمد الغافقي» أن يرسم ملامح هذا المحيط، شخوصه وأمكنته، وصفا دقيقا شمل المظهر الخارجي والنفسي والاجتماعي، من ذلك وصفه لجسد الصبية صاحبة الإنشاد الأمازيغي «تماوايت»، ووصف الباشا الصغير، الذي كان يستضيف العميان في مجلسه، والخبير المكلف بحل لغز المقبرة الجماعية التي اكتشفت بالمدينة، ومساعده، والعسكري، وقد شمل الوصف جزئيات دقيقة تحدد الأبعاد والأصوات ونوع الملابس تقليدية وعصرية؛ ثم الأمكنة، ومنها قصر الباشا وبوابته العتيدة؛ وتعدى الوصف المظهر الخارجي إلى وصف المشاعر والأحاسيس: الحب والخوف والفراغ والانتظار. ولعل ميزة تقنية الوصف في الرواية تكمن في أن يكون الواصف أعمى؛ وهنا أود أن أستعير عبارة ديدرو الواردة في متن الرواية، حيث يقول: «العميان أسياد الترتيب»، مع تحوير بسيط يناسب ما نتحدث عنه، لأجعل من «العميان أسياد الوصف»، وقد كان الكاتب عبد الكريم جويطي موفقا في ذلك، لأن الوصف ببصيرة الأعمى كان، أو يكون، أكثر قوة وتأثيرا في نفس المتلقي؛ ومن البديهي أن يبسط الغافقي كفه على جل لحظات الوصف في الرواية، إلا ما كان من وصف حديقة «البوكمازي»، الجندي الذي أنشأ حديقة، يستمد منها الأمل وسط امتداد الرمال الصفراء، لكنه استشهد خلال حرب الصحراء، وتكشف المصادفات أنه كان والد الصبية التي عشقها « الغافقي» وسلبها صديقه الحميم غدرا بعد زواجه منها؛ الصحراء والحديقة فيها، وحدهما، موصوفان كانا بعين العسكري.
إضاءاتُ الأدب
ومنعطفات التاريخ:

تبدو رواية «المغاربة» معتقة، اختمرت في ذهن الكاتب زمنا غير يسير قبل أن تستوي، يتداخل في متنها الأدب مع التاريخ تداخلا منسجما، مُحكمَ البناء، مَنطقي التحويل والتحوير؛ فالرواية جالت بنا في سماء الأدب العربي والعالمي؛ من السياب وطه حسين مع زوجته سوزان ونجيب محفوظ والوهراني في مناماته ومقاماته ورسائله، إلى هوراشيو وهاملت وشكسبير وديدرو؛ لتنقلنا إلى «هذيانات مغربية»، أورد من خلالها الكاتب عناوين مؤلفات تخص تاريخ المغرب، تنم عن إلمام وثقافة واسعة في هذا المجال المعرفي، نذكر منها: «الكلاوي آخر سادة الأطلس» لكافان ماكسويل، و»المعجب في تلخيص تاريخ المغرب» لعبد الواحد المراكشي، و»إتحاف أعلام الناس» لعبد الواحد بن زيدان، و»مناهل الصفا» لعبد العزيز الفشتالي، و»وصف الممالك المغربية» لخورخي دي هنين؛ ولم يكن توظيف شخوص الأدب العربي والعالمي، ولا مصنفات التاريخ توظيفا مجانيا وحشوا زائدا من أجل تمديد مساحة الحكي وتمطيط نفس السرد، بل هي إضاءات بينها وبين الرواية علاقة تكامل، ووشائج قربى، وروابط معنى مقصود، بها يمكن القول إن أحداث الرواية امتداد ونتيجة لوقائع المغرب في تاريخه العميق، والرواية، في المقابل، بيان وشرح لوقائع هذا التاريخ. وإضافة إلى المصنفات من كتب تاريخ المغرب القديم، لا يفتأ الروائي عبد الكريم جويطي يذكرنا بتاريخ المغرب الحديث وشخصياته التي ارتبطت بأحداث لايزال بعض المغاربة إلى اليوم يأتون على ذكرها، أمثال: الباشا بوزكري، والباشا عبد السلام، وبناصر أوخويا، والقائد البشير بن التهامي، والقايد حمو الفاخري، وعميد الشرطة أوقبلي، وقادة جمهورية تاكلفت: محمد المذكوري، ومحمد بوكرين، ومحماد أوبوجو، والذهبي اللاص، وسيدي موح أحنصال، وحسن لعريبي، وحدو أومحى. ولا شك أن هذا التوليف بين التاريخ المغربي والأدب العربي والعالمي في ثنايا السرد، قد منح رواية «المغاربة» أبعادا دلالية تقدم الاحتمال وتنفتح على التأويل، وطبَعَها بميسم خاص على مستوى التلقي.

التصوير البلاغي:

انحاز عبد الكريم جويطي في الرواية إلى لغة أدبية تقوم على الانزياح، عمد من خلالها إلى تصوير المشاهد والحالات النفسية تصويرا بلاغيا بديعا، تبدو معه المشاهد لوحة فنية آسرة التشكيل والتنسيق، ترتفع بالقارئ إلى عوالم التخييل وتغوص به إلى عمق المعنى الإيحائي. لغة الرواية لغة إيحائية مليئة بالرموز والاستعارات؛ فصورة الجد، جد محمد الغافقي، بقيت «قطعة من مرمر شاحب»؛ وما ولده صوت الفتاة الأمازيغية من صور تحلق من قمم إلى وديان إلى حقول ومروج، وصولا إلى نفس السارد، صوتها وهي تصدح بذلك اللحن العذب المسمى «تماوايت» على سطح بيت الجيران: «ذلك الإنشاد الأمازيغي الذي يتنازل فيه الجبل الغامض المهيب عن كبريائه، ويسكن كلمات حزينة تفتت الحصى والمرارات والغصص وتذروها في الريح. صوت القمم العالية، التي تشرئب فيها النفس لتصل (…) إلى الجراح العميقة التي لملم سطحها الزمن ونثر فوقها نسيانا كاذبا»؛ ثم صورة السارد نفسه أمام السطوة، التي تخلفها ليونة هذا الصوت وعذوبته، الذي جمد أوصاله، فظل واجما حين كان بصدد الاستحمام، يقول راسما صورته: «بقيت مُسمرا وآنية سكب الماء في يدي معلقة وحائرة بين جسمي والسطل. حركة زائدة وسأفسد هذا المجرى السري الذي يوصل لي الصوت نقيا صقيلا، كأنه نداء حياة أخرى ممكنة، حركة واحدة وسيجفل هذا الصوت الوحشي النافر ويغيض في صمت خجله، حركة واحدة ويولي الربيع الفرح كله الأدبار من روحي»؛ وصوت الفتاة ذاته، هو ما يرسم في مخيلة السارد صورا تتقلص بينها المسافات المكانية والزمانية، في مد زاخر بالرموز، ينقلها للقارئ بلغة إيحائية مثقلة بالمشاعر والدلالات؛ الفتاة ذاتها «صدحت مجددا بتماوايتها الحالم الحزين، ورأيت في شساعته، أنا الأعمى، بغالا خرافية تصعد مسارب تقود إلى السماء، وماعزا صاخبا يتناثر بين الشجر والحصى، وجسورا للخوف صنعت من جذوع أشجار ميتة فوق مجاري ماء غاضب، ونساء ضاحكات يحملن غابات حطب فوق ظهورهن»؛ صورة الفتاة الأمازيغية، صوتها، وتحليقه الذهني فيما تحيل إليه الصورة نحو براري الأطلس ينعكس في حركة تفاعلاته النفسية ووصف واقعها المتأزم بين الصبابة والعجز والخجل، صورة إيحائية أخرى، حيث يقول: «ماذا أفعل بخجلي وبجبني الصغير؟»، «صوت الفتاة كان يجمد العالم حولي ويفرغه من سُعاره»؛ ولأن الصور تتداعي يرى السارد، الأعمى، عبد الحليم [حافظ] بداخله، «بوجهه الأسمر المحترق، الذي لم يترك فيه المرض اللعين سوى خطوط ونتوءات عارية مثل سنبلة جردتها الطيور من حباتها»، صور متهالكة رسمها الكاتب من طريق الاستعارات حينا والتشبيهات حينا آخر والرموز أحايين أخرى، تتعالق جمعها ضمن صورة كلية، ميسمها الحزن والألم والإحساس بالضياع والعجز والفرح الوئيد والانتظار؛ انتظار الحياة في صورة امرأة، فهل «لهذا الحد الحاجة إلى امرأة عنيفة وآسرة (…) حاجة يسري في عروقها الألق الأهوج للحياة نفسها»؟ حاجة ملحة عصية على القبض، تغدو معها المرأة وكأنها «زونداكو»: مثل الدخان. إن لغة الروائي عبد الكريم جويطي ميزة في ذاتها، لأن كتابة السرد بنفَس الشعر ليست أمرا هينا، خاصة حين يتوفق الكاتب في الحفاظ على سردية الكتابة، ولا أظنها صيغة في الكتابة مفتعلة ومصطنعة، لأن انسياب التركيب اللغوي يأتي طوعا وطبعا وسليقة؛ هي ميزة الكاتب الكبير في الكتابة، الذي طوع اللغة والآليات معا.
التجانس الصوتي:

لم يعد التجانس الصوتي خصيصة من خصائص الشعر، بل تحول إلى ميزة من ميزات النص السردي؛ وهو ما نجده جليا واضحا في رواية «المغاربة»؛ من تجلياته تكرار الكلمات المتقاربة في بنيتها الصوتية: (تَماوايت، تماوُت، مَوتٌ/ يُبررون ما لا يُبرر ويتبارون في تأويله)؛ وتكرار الأصوات المؤتلفة من حيث الجهرُ والهمسُ: العين في (العمى يجعل المرء عنيدا، العناد صنو العمى)، واللام في (لا ليل لي)، والسين في (نُسود واقعا ليس بهذا السوء الأسود)، والقاف في (سمعت إجهاد الحقيقة القاتلة في قلبي)؛ وتكرار الصيغة الصرفية: (الحاجة والمصلحة تقدس حتى الأحجار والأشجار)؛ والطباق: (قلبك يسبق عقلك). وجليا، يبدو أيضا أن هذه الظواهر، التي ارتبطت بالبنية الإيقاعية الداخلية للنص الشعري، لم تحضر في الرواية لغاية في ذاتها، أو رغبة في التزويق وتنميق الكلام وحسب، لأن توظيفها لم يكن مجانيا؛ إنها ملح السرد كما كانت إلى عهد قريب ملح الشعر؛ والدليل والبرهان والحجة على صحة هذا التقدير في حق الرواية، هو صحة المعنى وسلامته، حيث ما اختل المعنى بتجانس، ولا تكرار صوت أو لفظ، ولا مجاورة بين صائت أو صامت. ولَعَمْري، إن من البداهة التسليم بهذه الميزة العالية عند الروائي عبد الكريم جويطي، الذي توفق في إخراج نص روائي توافق المعاني فيه المباني مُوافقة جديرة بالتقدير.
وختاما، ها قد بلغ السفر في متن رواية « المغاربة» مَوْطئا، لا تُشكل هذه المقالة إلا إحدى محطاته من مجموع القراءات النقدية التي أُنجزت حولها وفي متنها؛ وهي قراءة راودتُ النفس عنها طويلا، فما استيسر منها إلا ما يسره الوقت والجهد ومبلغ العلم، وتلكأتُ في إنجازها إلى أن هدأت فورة الاحتفاء بالرواية والحديث عنها، كي لا يُقال إن فحوى المقالة ما هو إلا ضرب من الاتباع لموجة هذا الاحتفاء المستحق، في تقديري. والغاية هنا التدليل على أن الرواية كانت، على الحقيقة، رواية جيدة، وأن الروائي عبد الكريم جويطي كان موفقا في خياراته السردية وصيغته في الكتابة على مستوى التنظيم (التناسل السردي)، والتقنيات (هوية الواصف)، وطبيعة الأحداث والوقائع (اليومي التراثي)، والأبعاد والدلالات (الأدب والتاريخ)، والمشاهد (التصوير البلاغي)، وجوانب الشكل والتركيب (التجانس الصوتي)؛ ولا شك أن مجموع هذه الميزات، مُؤَلفة، قد جعلت من الرواية جلسة سردية مريحة على مستوى التلقي، تنحو بها، وبالرواية المغربية، نحو مراتب الرواية العالمية؛ فكاتبُ الرواية يُمتع حينما يُبدع، وكذلك كان في رواية «المغاربة».


الكاتب : عبد الله بن ناجي

  

بتاريخ : 09/04/2021

أخبار مرتبطة

  لحظة إنسانية رفيعة تلك التي وقع عليها المعرض الدولي للكتاب يوم السبت 18 ماي الجاري بتكريمه لقامة فكرية وأدبية

السفر إلى المكان والعودة من الزمن   كيف استعاد عبد الحميد جماهري الذاكرة التاريخية للمغاربة من بوابة الشرق، وتحديدا من

يعنيك في أيّ مدينةٍ تزورُها، سائحاً أو ضيفاً، ما إذا كنتَ تستشعرُ فيها الأُلفة، أو الوداعة إنْ شئت. وإذا طُفتَ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *