التربية الدامجة بين التنزيل والإكراهات

 

إن نظام التربية الدامجة هو نظام يقوم على تربية وتعليم وتثقيف الأطفال في وضعيات خاصة حتى يصبحوا قادرين على الاندماج في المحيط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي من أجل محاربة الاقصاء والتهميش وتحويل النظرة السلبية للإعاقة إلى نظرة إيجابية تؤمن بالطاقات والقدرات الخاصة، ولعل هذا ماتؤكد عليه كل من منظمة الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو، فالأولى تعتبر التربية الدامجة إزالة لكافة المعيقات التي تمنع جميع الأطفال واليافعين والراشدين من الوصول إلى فرص وبيئة تعليمية عادلة دون اعتبار للقدرة أو العجز أو الجنس أو الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية أو الصحية أو باقي العوائق الأخرى، والثانية ترى أن التربية الدامجة تربية مبنية على حق الجميع في تربية ذات جودة تستجيب لحاجات التعلم الأساسية وتثري الإثبات الذاتي للمتعلمين، ولأنها تتمحور بالخصوص حول الفئات الهشة فهي تحاول أن تطور بالكامل إمكانات كل فرد، ولذلك يكون الهدف النهائي للتربية الدامجة أن تكون تربية ذات جودة تنهي جميع أشكال التمييز، وتعزز التماسك الاجتماعي.
فماهي إذن مميزات هذه التربية؟وماهي الفئة المستهدفة منها؟ وماهي أبرز التحديات التي تحول دون تنزيلها بشكل إيجابي؟ وكيف يمكن تجاوزها؟
إن التربية الدامجة مشروع مجتمعي بحث يهم البلاد بأسرها، نظرا لما يحمله من فلسفة اجتماعية أساسها التضامن الاجتماعي والعيش المشترك وتقبل الآخر، فهي تحمل في طياتها العديد من المميزات أبرزها أنها تقر بأن جميع الأطفال باستطاعتهم التعلم، وتعترف بوجود الاختلافات بينهم وتحترمها، وتتيح للنظم وطرق التربية الاستجابة لاحتياجاتهم آخذة بعين الاعتبار كل الحالات الفردية، كما تتميز كذلك بكونها تندرج ضمن استراتيجية موسعة للارتقاء بمجتمع دامج، فضلا عن تشكيلها سيرورة دينامية تتطور بكيفية مستمرة. ومن هذا المنطلق؛ نرى أنه من الضروري التعريف بالفئة المستهدفة من هذه التربية فنقول بانها تشمل جميع الأطفال في وضعية خاصة كالمتخلى عنهم أو الأطفال في وضعية غير مستقرة أو الذين يتواجدون بمراكز المؤسسات المستقبلة للأحداث الجانحين أو أبناء اللاجئين أو الوافدين في وضعية صعبة،أو الأطفال الذين لا يمارسون حياتهم بشكل طبيعي بسبب قصور ذهني أو عصبي أو حسي، كما يندرج ضمن هذه الفئة أيضا الأطفال الذين تعرضوا لاختلال وظيفي ،فيزيولوجي أو سيكولوجي أو هما معا مما أدى إلى عجز وظيفي، وكذا الأطفال الذين ولدوا في حالة إعاقة منذ الولادة أو بسبب حوادث معينة أدت إلى وضعية صحية صعبة نفسية أو جسدية حرمتهم من التأقلم وممارسة شؤون حياتهم مثل باقي أقرانهم، ويحتاجون لرعاية ومعاملة خاصة ولوسائل تعليمية تعلمية مناسبة لوضعيتهم.
وعلى الرغم من أن هدف التربية الدامجة يتجه إلى تنمية وصقل العديد من الجوانب في الشخصية الإنسانية لهذه الفئة الهشة وجعلها فئة ذات قدرات وخبرات ومهارات وكفاءات جيدة، إلا أنها تواجه تحديات عديدة تحول دون تنزيلها بشكل إيجابي رغم كل ما أبدته الوزارة المعنية من اهتمام بهذه الفئة، ورغم كل ماجاء من نصوص وتوصيات.
فالرؤية الاستراتيجية 2030/2015 التي وضعها المجلس الأعلى للتربية والتكوين نصت على وضع مخطط وطني لتفعيل التربية الدامجة للأشخاص في وضعية إعاقة من خلال المشروع المندمج رقم 3 المتعلق بتمكين الأطفال في وضعية إعاقة كما نصت رافعته الرابعة على تأمين الحق لهم في ولوج التربية والتكوين ورافعته الأولى على تحقيق المساواة، وفي نفس السياق دائما تنص الرؤية الاستراتيجية على ستة تدابير تسعى إلى تكوين مدرسين متمكنين من التربية الدامجة، وإدراج هذه الأخيرة ضمن برنامج التكوين المستمر للأطر التربوية، وتوفير مساعدين للحياة المدرسية، وتكييف الامتحانات وظروف اجتيازها لفائدة التلاميذ في وضعية إعاقة، وتعزيز الشراكة مع القطاع الحكومي المكلف بالصحة مع المجتمع المدني، والانفتاح على مؤسسات جامعية، وإلى جانب هذه التوصيات التي جاءت بها الرؤية الاستراتيجية نجد القرار الوزيري رقم 047.19 الذي صدر في شأن التربية الدامجة بتاريخ 24 يونيو 2019 سعيا للارتقاء بالمنظومة التربوية وجعلها منظومة أكثر شمولية وأكثر تعزيزا للجهود الهادفة إلى تحقيق المساواة في الولوج إلى المدرسة ودعم تمدرس التلميذات والتلاميذ في وضعية إعاقة وتأهيلهم وتيسير اندماجهم وتمكينهم من التعلم واكتساب المهارات ووضع برنامج وطني يتمحور حول تدابير وإجراءات عملية على الصعيدين المؤسساتي والبيداغوجي، كما نجد أيضا القانون الإطار رقم 51,17 في المادة 25 منه والذي صدر في الجريدة الرسمية تحت عدد6805 بتاريخ 9 غشت 2019 والذي يعد امتدادا لتوصيات الرؤية الاستراتيجية لم يغفل بدوره الاهتمام بهذه الفئة، وقد تجلى ذلك في فتح بعض المدارس أقساما لاستقبال المعاقين،إلا أنهم عانوا العزلة ولم يكن هناك أي انسجام مع أقرانهم الأسوياء لتتولد عن ذلك العديد من الصعوبات التي حالت دون تنزيل إيجابي لهذه التربية على رأسها غياب التكوينات أي تكوين أساتذة مختصين وغياب برنامج خاص بهم، ضعف البنيات التحتية لبعض المؤسسات لماتحتاجه هذه الفئة من عناية خاصة، عدم توفر مراكز الاستماع، قلة الوسائل والتجهيزات الميسرة لهذه الشريحة من الأطفال، قلة ومحدودية الاستفادة من الدعم الذي تخصصه بعض الجمعيات الأجنبية وضعف الدعم المادي اللازم للادماج، وكذلك عدم تطوير البرامج والمقررات والمحتويات مع إمكانيات هؤلاء، ناهيك عن الصورة السلبية وصعوبة تجاوزها تجاه الاعاقة مع تنوع الإعاقات وعدم التمكن من الوصول إلى المستهدفين في العالم القروي.
وبناء على ما سبق يتضح جليا أن واقع تنزيل التربية الدامجة لازالت تعترضه العديد من الصعوبات والعراقيل التي ان الاوان لتخطيها،لأن الأمر لم يعد يقبل أي تأجيل، وذلك لن يتحقق إلا بتظافر جهود القطاعات الحكومية المعنية والجمعيات المدنية والإعلام، للتكوين والتحسيس والتوعية بحقوق هؤلاء الأشخاص نظرا لأهمية تعليمهم وادماجهم في المجتمع، وإلغاء فكرة العزل والاقصاء ضد هذه الفئة، وتغيير نظرة المجتمع السلبية تجاه الإعاقة وتحقيق الدمج الفعلي المبني على مبدأ الانصاف والجودة وتكافؤ الفرص والارتقاء الفردي والمجتمعي.

باحثة تربوية *


الكاتب : فدوى هاشم *

  

بتاريخ : 24/06/2021