التصعيد الجديد مع إسرائيل يعيد توحيد الهوية الفلسطينية

 

 

 

من حيفا إلى رام الله مرورا بغزة، خرج الفلسطينيون في الأسابيع الأخيرة في تظاهرات تخللتها مواجهات عنيفة أحيانا مع الإسرائيليين من مدنيين وعسكريين، ويرى محللون أن الأحداث الأخيرة أعادت توحيد الهوية الفلسطينية المشتتة منذ سنوات.
وأغلقت كل المحال التجارية والقطاعات الخاصة أبوابها باستثناء المراكز الطبية، فيما تعطل الدوام في القطاع التعليمي بمختلف مستوياته،
ورفعت الأعلام الفلسطينية خلال الإضراب.
يقول المدير التنفيذي للهيئة الفلسطينية للديبلوماسية العامة سالم براهمة لوكالة فرانس برس إن «رؤية كل المجتمعات الفلسطينية تنهض سويا أمر نادر للغاية» موضحا أن الهوية الفلسطينية كانت «مشتتة» لسنوات.
ويخضع الفلسطينيون في الضفة الغربية للاحتلال الإسرائيلي بينما قطاع غزة محاصر منذ حوالى 15 عاما، واحتلت إسرائيل القدس الشرقية وضمتها إليها من دون أن تعرف الأسرة الدولية بذلك.
ويؤكد براهمة أن هذا الوضع «يضمن عدم وجود مشاركة كاملة فلسطينية جغرافيا واجتماعيا وسياسيا».
وبالإضافة إلى ذلك، وبعد 15 عاما من دون إجراء أي انتخابات فلسطينية، برزت حالة من عدم التسييس خصوصا في الضفة الغربية المحتلة.
ويشرح براهمة أنه «تم إدخال سياسة ليبرالية شديدة العدوانية وقامت بخلق طبقة وسطى فلسطينية وخلقت حياة طبيعية- بعد سنوات من الانتفاضة».
لكن، تصاعدت الأحداث في الأسابيع الماضية.
واندلعت مواجهات عنيفة في المسجد الاقصى في القدس الشرقية المحتلة بين الشرطة الإسرائيلية وشباب فلسطينيين.
وشهدت الفترة الأخيرة مواجهات عنيفة في القدس الشرقية المحتلة وباحات المسجد الأقصى والضفة الغربية اندلعت على خلفية التهديد بطرد عائلات فلسطينية من منازلها في حي الشيخ جراح لصالح مستوطنين يهود.
وامتد التوتر ليصل إلى المدن المختلطة في إسرائيل. وتم استهداف معابد يهودية ومساجد ومقابر ومطاعم.
وترى الباحثة والناشطة الفلسطينية مريم البرغوثي أنه كان هناك نقطة تحول مع اندلاع أعمال العنف في هذه المدن التي تم تقديمها لسنوات كنموذج للتعايش.
وتعتبر البرغوثي أن «كل فلسطيني لديه تجربة مختلفة مع دولة إسرائيل، وهذا يخلق نوعا من العزلة عن المجتمعات الأخرى».
وتتابع «لكن رأينا أن (العنف) ليس مقتصرا على الضفة الغربية وقطاع غزة» موضحة أنه «موجود أيضا في تل ابيب واللد ويافا مع الذين يصرخون +الموت للعرب+ ويهاجمون الفلسطينيين بالسلاح».
والشهر الماضي، وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة «بيتسيلم» الإسرائيلية، سياسة إسرائيل حيال العرب على أراضيها والفلسطينيين في الأراضي المحتلة بأنها»فصل عنصري».
ويرى المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية المشارك في جامعة تل أبيب أمل جمال أن «أعمال العنف التي حدثت والوحشية الإسرائيلية ذكرت الجميع بهويته الفلسطينية».
لكنه أشار إلى أن «هناك اختلافا كبيرا بين الشعور وبين المشروع السياسي»، موضحا أن الفلسطينيين لا يتفقون في كيفية التعامل مع إسرائيل.
فمن جهة، «الفلسطينيون في إسرائيل واقعيون. فهم عاشوا لعقود مع اليهود ويفهمون النفسية الإسرائيلية ويتحدثون العبرية بطلاقة. وهم يرغبون في أن يكونوا جزءا من النظام السياسي».
وفي المقابل، ثمة أطراف فلسطينية مثل حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة لا تعترف بإسرائيل، وأطلقت مؤخرا أكثر من 4300 صاروخ عليها.
ويرى براهمة أنه عند النظر إلى الأحداث فإن «الناس يعبرون معا بطريقة موحدة باللغة والرواية نفسها ويحتجون ضد النظام نفسه معبرين عن الهوية نفسها».
ويوضح «هل هذه الوحدة كاملة؟ لا، هل تم تشكيلها؟ ليس بعد، ولكنها بداية لأمر ما».

لاجئون وزخم العودة

ومنذ نحو شهر، تصل اللاجئة الفلسطينية في لبنان ميرا كريم ليلها بنهارها: تتابع الأخبار الواردة من القدس وقطاع غزة، تشارك في التظاهرات في الشارع وتعبر عن رأيها بحماسة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما عادت قضية فلسطين إلى الواجهة.
وتقول الشابة (24 عاما ) لوكالة فرانس برس من سطح مبنى في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت، «أشعر أنها أول مرة يتم فيها الحديث عن فلسطين بهذا الشكل الكبير، وهذه الطاقة والحماس».
وتضيف بينما ترتدي قميصا أسود رسم عليه العلم الفلسطيني، «أشعر وكأن صار لدينا صوت».
خلال أكثر من سبعين عاما ومنذ وقوع النكبة، التي يحيون ذكراها في منتصف ماي من كل عام، شهدت أجيال متتالية من اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية والشتات على تراجع زخم قضيتهم عاما بعد عام. وزادت اتفاقات التطبيع الأخيرة بين إسرائيل ودول عربية عدة من يأسهم إزاء أي تغيير لصالحهم.
لكن الأسابيع القليلة الماضية كانت كفيلة بإعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث حول العالم. وعمت وسائل التواصل الاجتماعي حملات تضامن واسعة غير مسبوقة مع الفلسطينيين من القدس الشرقية المحتلة وصولا إلى قطاع غزة المحاصر.
عادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة مع رفع سكان في حي الشيخ جراح الصوت ضد تهديدات بطردهم من منازلهم لصالح مستوطنين، ثم وقوع صدامات بين فلسطينيين وإسرائيليين في باحات المسجد الأقصى وفي الضفة الغربية المحتلة، وصولا إلى التصعيد العسكري في قطاع غزة المحاصر.
وزاد من زخم الأمور انضمام الفلسطينيين في الداخل للتحركات دعما لأهالي القدس وقطاع غزة بخروجهم في تظاهرات واسعة وإعلانهم إضرابا شاملا في تحرك يعد الأكبر لهم منذ الانتفاضة الثانية قبل أكثر من عقدين.
وفي أنحاء العالم، خرج الآلاف في تظاهرات واسعة تضامنا مع الفلسطينيين نددت بالقصف الإسرائيلي العنيف على قطاع غزة. في أحد عشر يوما، قتل في القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي على قطاع غزة أكثر من 250 شخصا بينهم 66 طفلا ومقاتلون من حركة حماس والفصائل الفلسطينية، وفق وزارة الصحة التابعة لحركة حماس.
وتسببت الصواريخ التي أطلقتها حماس والفصائل من قطاع غزة باتجاه إسرائيل بمقتل 12 شخصا، بينهم طفلان وجندي، وفق الشرطة الإسرائيلية.
وسبق هذه التطورات تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش في نهاية أبريل اتهم إسرائيل بارتكاب «جريمتي» الفصل العنصري والاضطهاد بحق الفلسطينيين. وحذر وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان الأحد من «خطر وقوع فصل عنصري» في حال طال الوضع الراهن كما هو.
في الأزقة الضيقة لمخيم شاتيلا، حيث باتت الأحداث الأخيرة الشغل الشاغل لسكان فاقم الانهيار الاقتصادي في لبنان من معاناتهم وزاد أوضاعهم المعيشية سوءا، يحمل الأطفال أعلام فلسطين في طريقهم إلى المدرسة. وتردد نساء الدعاء لنصرة قضيتهم.
وبينما تعلو أصوات شبان بالهتاف للقدس وغزة، لا يقوى كثر على التحرك من أمام شاشات التلفاز.
وتقول ميرا «ما حصل جعل الناس التي انشغلت بالظروف الاقتصادية وفيروس كورونا في لبنان، تتحدث عن العودة».
وتضيف «المخيم جزء من فلسطين، وما يحصل هناك ينعكس هنا، ففي الفترة الماضية كان أهالي المخيم يبحثون عما يمكنهم أن يقوموا به، يسألون بعضهم البعض، ما العمل؟ هل بإمكانهم مثلا إرسال المال إلى غزة؟».
في الآونة الأخيرة، اقتصرت يوميات ميرا على متابعة الأحداث عن كثب على وسائل التواصل الاجتماعي، والالتحاق بالتظاهرات اليومية في المخيم بعد عودتها من الجامعة، من دون أن تهمل الدروس التي تلقنها لمجموعة من الأطفال حول تاريخ فلسطين.
وتمكن ناشطون فلسطينيون من كسر حاجز الرقابة الذي فرضته مواقع التواصل الاجتماعي عبر تعليق حسابات أو إزالة محتوى. وبات شبان مثل محمد ومنى الكرد اللذين يواجهان تهديدا بطردهما من منزلهما، مرجعا أساسيا لتوثيق التطورات في حي الشيخ الجراح وفي القدس الشرقية.
تقول ميرا التي يعتريها الحماس على غرار كثر من أبناء جيلها ممن نشأوا على روايات آبائهم وأجدادهم، «أنه أمر متعب، لكنه تعب جميل، تعب يشعرك بالحياة وبأنك قريبة من فلسطين، وتقومين بشيء ما من أجلها».
منذ النكبة، ارتفع عدد اللاجئين الفلسطينيين من أكثر من 700 ألف شخص شردوا وطردوا من ديارهم في العام 1948 إلى ملايين منتشرين في دول العالم، خصوصا في لبنان وسوريا والأردن.
وترفض إسرائيل الاعتراف بحق هؤلاء بالعودة.
وتقول ميرا «الحديث عن فلسطين قديم، لكني اليوم بت أسمع الناس تقول: غدا حين نعود».
في منزلها في منطقة الشاغور في دمشق القديمة، تجلس رحمة عبد القادر بامية (85 عاما ) وسط أبنائها وأحفادها تحدثهم عن طفولتها.
وتقول السيدة التي لا تزال تحتفظ بوثيقة سفر كتب عليها «حكومة عموم فلسطين»، لفرانس برس «ولدت في يافا وخرجت منها حين كان عمري تسع سنوات … مع ذلك، ورغم مرور كل هذه السنوات، لا تزال صورتها حاضرة في ذاكرتي، وأحدث أحفادي عنها دائما «.
وبعكس ميرا، فقدت رحمة أي أمل بالعودة. وتقول «فات وقتنا أنا وأبناء جيلي … ربما أحفادي سيعودون يوما ما إلى أراضيهم، لأن الحق في النهاية ينتصر ولو بعد حين». تعرب ابنتها إيمان (55 عاما ) عن فرحها بالتضامن الذي عرفه الفلسطينيون خلال الأسابيع الماضية.
وتقول «انشغلنا خلال السنوات الماضية بالحرب والأوضاع الاقتصادية والحديث عن كورونا، وللأسف لم يعد أحد يتحدث عن فلسطين، لكن ما حصل مؤخرا، أعاد الحديث عن القدس والفلسطينيين إلى الأولويات».
وتضيف «كان الفلسطيني خلال السنوات الماضية يشعر بالعزلة، لكن ما جرى مؤخرا جعله يشعر بأن هناك من يقف بجانبه، ولو بالتعبير عن موقف».


الكاتب : وكالات

  

بتاريخ : 31/05/2021