التعريفة المرجعية «تفرمل» نجاحات التغطية الصحية

 

دخل قرار تعميم التغطية الصحية انطلاقا من فاتح دجنبر في خطوة بالغة الأهمية من أجل تعميم الحق في الولوج للصحة بشكل عادل ومتكافئ، إلا أن هذا الإنجاز الكبير الذي يعي الجميع فوائده الجمّة على فئات كبيرة من المواطنين، ولأجل أن يبلغ أقصى أهدافه الإنسانية والاجتماعية، لا بد من مراجعة التعريفة المرجعية الوطنية لكي يتم تقليص حجم النفقات العلاجية التي تظل على عاتق المريض، والتي تحول في كثير من الحالات دون تحقيق عدالة صحية بسبب عدم القدرة على مواصلة الاهتمام بالوضع الصحي للشخص، إن على المستوى الوقائي أو العلاجي، اللهم إلا في وضعيات صحية متقدمة، وذلك بسبب حجم الإنفاق الصحي المرتفع.
وضعية ظل المختصون في الشأن الصحي والمهتمون باقتصاد الصحة يلفتون الانتباه إليها في مختلف المناسبات، فاتفاقية التعريفة المرجعية الوطنية الموقعة في 2006، والتي تم التأكيد على أنه ستتم مراجعة مضامينها كل 3 سنوات، للأخذ بعين الاعتبار كل التطورات والمتغيرات، لا تزال تراوح مكانها في الوقت الذي تغيّرت فيه أشياء كثيرة وارتفعت فيه الأسعار ومعها مصاريف الفحوصات الطبية وأضحت للصحة كلفة ثقيلة ليست في متناول الجميع. تعريفة مرجعية وطنية لا تزال سارية المفعول، رغم «تقادمها»، التي تجعل المريض حين يسدّد مصاريف الفحوصات المختلفة لدى طبيب الطب العام أو الاختصاصي، أوحين يقوم بفحوصات بالأشعة أو التحاليل، أو عندما يقتني الأدوية، أو حين يتطلب وضعه الصحي المكوث بمؤسسة صحية أو حتى ولوج مصلحة العناية المركزة والإنعاش، يقف على الفرق الشاسع بين ما سدّده وما استردّه من الصناديق الاجتماعية، حيث تتراوح نسبة الفارق ما بين 50 و 60 في المئة التي يجد نفسه أنه تحمّلها على عاتقه، مما يخلق عراقيل، مادية بالأساس، أمام ولوجه للخدمات الصحية بشكل سلس بعيدا عن الإحساس بثقل الإكراه المادي الذي يفرمل ويحد من كل ثقافة صحية وقائية بشكل عام.
إكراه كان بالإمكان تفاديه، ولو بشكل جزئي، لو تم العمل بالاتفاقية الجديدة التي تمت مراجعتها في بعض التفاصيل وليس بشكل كلّي والتي تم التوقيع عليها في يناير 2020، بحضور كل الأطراف المعنية من وزارة وصية ووكالة وطنية للتأمين الصحي وصناديق اجتماعية ونقابات مهنية، باستثناء صندوق واحد، مما جعل هذه الاتفاقية لا ترى النور، وهو ما تسبب في استمرار حرمان فئات عريضة من المواطنين من الرفع من حجم المصاريف المستردّة عن كل ملف مرضي وتقليص نسبة النفقات العلاجية وتخفيفها عليهم. ويرى المختصون أن التأخر في دخول الاتفاقية الجديدة حيّز التنفيذ يؤدى إلى استمرار هذا العبء المادي الثقيل على المواطنين، إذ رغم توفر التغطية الصحية بشكل نسبي في مرحلة سابقة ثم الانتقال إلى مرحلة تعميمها بإلحاق المستفيدين سابقا من نظام المساعدة الطبية «راميد» بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، فإن استمرار ارتفاع النفقات العلاجية سيجعل الضغط متواصلا على المستشفيات العمومية تفاديا لتأدية مصاريف مادية، هي غير متوفرة للكثيرين، وسيجعل فئات أخرى تعرض عن الولوج إلى الخدمات الطبية والعلاجية إلا عند الضرورة الصحية، وهو ما لا يستقيم وفلسفة الحماية الاجتماعية والروح التي سعت لزرعها خطوة تعميم التغطية الصحية، وسيفرمل ويحدّ من النجاحات التي يمكن لها تحقيقها، خاصة إذا ما تمت مراجعة التعريفة، التي تظل اليوم استثناء لا يخدم الصحة بأي شكل من الأشكال.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 20/12/2022