التوجيه المدرسي ما بعد البكالوريا

مباشرة بعد الإعلان عن نتائج امتحان البكالوريا، يجد عديد من التلاميذ أنفسهم أمام واقع التوجيه واختيار المسار الدراسي الجامعي بإحدى المؤسسات التعليمية العليا التابعة للدولة أو المعاهد العليا الخاصة، فالمشكلات التي يواجهها التلاميذ بعد نيلهم لشهادة الباكالوريا وفي تعاملهم مع النظام التعليمي هي مشكلة اختيار التوجيه المناسب، والتي تتزامن مع ثلاث فترات حرجة من حياة الفرد يهتم بها  وتهتم بها الأسرة والمجتمع، الأولى عند الانتهاء من المرحلة الابتدائية والثانية عند الانتهاء من المرحلة الإعدادية والثالثة عند الانتهاء من المرحلة الثالثة وولوج الجامعة.
إن التوجيه المدرسي يمثل حلقة مهمة نحو عالم الشغل وركيزة أساسية ضمن المنظومة التربوية. وعملية اختيار التوجيه المناسب أمر صعب، وفي غاية الخطورة، وتتداخل فيه المدرسة والأسرة وكذلك رغبة التلميذ، واختيار التوجيه المدرسي تضع التلميذ أمام مطالب ومستلزمات بما في ذلك مزايا ومخاطر يمكن أن  تكون عائقا في وجهه.
ان التوجيه المدرسي هو عملية غير ٱنية ظرفية وإنما سيرورة تمتد عبر الزمن والتلميذ طرف وعنصر نشيط ومسؤول عن اختياراته، فدور التوجيه المدرسي لا يقتصر على توجيه التلاميذ نحو المسالك والشعب العلمية والتقنية والأدبية، بل التوجيه هو فعل تربوي يهتم بالمرافق التربوية والنفسية للتلاميذ وتوجيههم نحو الشعب التي تتلاءم مع قدراتهم وكفاءتهم، كما أن التوجيه المدرسي هو وسيط  بيداغوجي وأحد الدعائم الأساسية لنجاح  عمليتي التعليم والتكوين. فالتوحيه يمثل أحد محاور المنظومة التربوية أذ أنه يساهم في اختيار التلميذ لمسار التكوين المناسب  والحصول على منصب عمل في المهنة.
إن التوجيه المدرسي يتضمن مجموعة من النشاطات تتمثل في الإعلام بمعنى إعطاء وتزويد التلاميذ  بمعلومات ومعطيات فعلية وموضوعية حول العالم المهني…والتقييم ويعني إعطاء حكم تشخيصي  حول التوافق بين قدرات وإمكانات التلميذ وحول اختياراته..ومن بين نشاطات التوجيه المدرسي المشورة والإرشاد، وذلك بإعطاء اقتراحات للتلاميذ اعتمادا على التجارب ومساعدتهم على الكشف والتعبير عن أفكارهم.
وللتذكير، فقد اهتمت وزارة التربية والتعليم بالتوجيه والإرشاد المدرسي ضمن الرؤية الاستراتيجية للتربية والتعليم، وفي إطار إصلاحها للمنظومة التربوية باعتباره ٱلية من الٱليات المساهمة في تحسين جودة الخدمات التعليمية ومخرجاتها وكذلك لإنجاح توجيه مدرسي يتماشى مع التغييرات المحلية منها والدولية.
لكن التوجيه المدرسي يواجه صعوبات ومعيقات أبرزها: ضبابية سوق الشغل التي تؤثر على النظرة الواقعية للمستقبل وصعوبة التخطيط له ثم الهوة الكبيرة بين النصوص الوزارية المنظمة لعملية التوجيه والإرشاد والواقع الممارس، حيث أن مستشار التوجيه يعتمد أكثر على تقديم خدمات الإرشاد الجماعي بالمؤسسات التعليمية بعيدا عن خدمات الإرشاد  الفردي، وذلك نظرا لكثرة المؤسسات التعليمية وأعداد التلاميذ من جهة، وتعدد مهام المستشار من جهة أخرى إضافة إلى الإملاءات الخارجية الفوقية والضغوط اليومية التي تضعف دوره كمستشار في التوجيه والإرشاد وفاعل مؤثر في عملية التوجيه. كل هذه المعيقات إضافة إلى الصعوبات المادية والإدارية والتنظيمية تحول دون أداء الموجه لمهمته ودون الممارسة الفعلية لمهام التوجيه.
في نظري، على القائمين على مهمة التوجيه المدرسي والإرشاد رفع التحديات ومن بينها: تخطيط الدراسات والبحوث من قبل مستشار التوجيه يشرف على تنفيذها ويطلع هيئة التدريس على نتائجها للارتقاء بمنظومة التربية والتكوين والسعي إلى ضرورة تخصيص توقيت رسمي للتوجيه والإرشاد وضمن البرنامج الأسبوعي للتلاميذ في مختلف الشعب والفروع الدراسية والمساهمة في إعداد روائز واستمارات متخصصة  ودراسة وتحليل نتائجها واستثمارها لفائدة التلاميذ دون إغفال عقد مجالس مع أولياء أمور التلاميذ لتدعيم العلاقات بين المدرسة والأسرة باعتبارهما شريكان حقيقيان في خدمة أجيال المستقبل.
إن التوجيه المدرسي هو الضامن لاستثمار الموارد البشرية إذ يعد مقدمة للتوجيه المهني لكونه يتيح للتلاميذ أقصى حظ لتنمية قدراتهم واستخدام إمكاناتهم وتفتح شخصياتهم..كما يعتبر التوجيه المدرسي حلقة وصل بين المدرسة وعالم الشغل.

  • باحث تربوي

 

 


الكاتب : خليل البخاري *

  

بتاريخ : 24/06/2021