«الجوائح والأزمات بالمغرب بين الأمس واليوم: مقاربات ورؤى»

 140 كارثة ضربت المغرب خلال ثلاثة قرون

نظم المجلس الإقليمي لجرسيف يومي الجمعة 01 يناير والسبت 02 يناير، بتعاون مع طلبة باحثين بسلك الدكتوراه، ندوة علمية وطنية في موضوع «الجوائح والأزمات بالمغرب بين الأمس واليوم مقاربات ورؤى»، ومن خلالها تم تكريم أحد أقطاب الجامعة المغربية المؤرخ المفكر محمد استيتو احتفاء بمسيرته العلمية المضيئة وبآخر إصداراته «الكوارث الطبيعية في تاريخ المغرب خلال ق16».

 

اليوم الأول للندوة، ابتدأ بكلمة اللجنة المنظمة المتمثلة في رئيس المجلس الإقليمي لجرسيف أحمد عزوزي، الذي افتتح أشغال الندوة بشكر السادة المشاركين والطلبة المنظمين لهذا اللقاء، والإشادة بالمتابعة الكبيرة والتفاعل الإيجابي من طرف جمهور الطلبة والأساتذة ، مؤكداعلى قيمة وأهمية الثقافة والبحث العلمي، والحاجة الموضوعية إليهما، وعلى ضرورة أن تحظى الثقافة بمكانة متقدمة في كل الأوراش والمشاريع والبرامج التنموية. وأبرز أن الشأن الثقافي مسألة حيوية لابد من تكريس سياسة القرب الثقافي والاستثمار في الثقافة أو في صناعة الثقافة بالاهتمام بالتراث المادي أو اللامادي ومراهنة على الثقافة، حماية الموروث الثقافي والمعرفي المتنوع الروافد، الاهتمام بالبنيات الثقافية بإحداث مركبات ثقافية ومكتبات وتحفيز الطاقات الإبداعية الفنية والأدبية ، مؤكدا دعم المجلس لكل المبادرات التي تهدف إلى الرفع من الشأن الثقافي وتنظيم سلسلة من الندوات القيمة، ومن بينها ندوة «الجوائح والأزمات بالمغرب بين الأمس واليوم: مقاربات ورؤى» وتكريم احد أعمدة البحث التاريخي بالمغرب محمد ستيتو من أجل المساهمة في بناء مجتمع حداثي، منفتح متشبع بقيم الحوار والتعايش .
بعد ذلك تم عرض سيرة موجزة للمؤرخ محمد استيتو، مساره التعليمي والعلمي من تقديم الباحثة مهدية مستقري، التي سردت أهم شواهده العلمية وكتاباته في حقل التاريخ، وخاصة اهتمامه بفئة المهمشين من خلال إنجازه أطروحة دكتوراه الدولة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة ،في موضوع «الفقر والفقراء بالمغرب القرن16 «، مشيرة الى أن
انشغاله بالتدريس والتأطير لم يمنعه من المشاركة في عدة جمعيات، فهو عضو مؤسس لمجموعة البحث في الديموغرافيا التاريخية بوجدة من 2004/1994 ،عضو الجمعية المغربية للبحث التاريخي، كذلك عضو مركز الدراسات الصوفية، ومن أهم مؤلفاته «الفقر والفقراء بمغرب القرن 16و17» إضافة إلى تحقيق عدة أعمال، والمشاركة في ندوات ،وإصدار عدة مقالات تاريخية علمية .
بعد العرض تليت شهادات في حق المحتفى به من طرف أسماء لها بصمة كبيرة في البحث التاريخي في المغرب والعالم العربي.
شهادة د. عبد الإله بنمليح اقتصرت على جانب من شخصية المحتفى به محمد استيتو وهي موهبته الفنية ، إتقانه للعزف والغناء وخصاله الطيبة، جميل المعشر والسفر، وانه اسم يستحق الاحتفاء، فيما أكدت شهادة عميد المؤرخين المغاربة إبراهيم القادري بوتشيش ، بكلمات مفعمة بالمحبة صادقة وبأسلوب شاعري أنيق على علاقته الطويلة بالمحتفى به التي تجاوزت ثلاثة عقود، واصفا إياه ب»المحب للبحث، الناسك في عالم القراءة ، الحجة في التاريخ، عفيف اللسان، رجل حق ،حكيم في صمته، نجم ساطع في الكتابة التاريخية أكثر من أربعين بحثا ، باحث قوي الإرادة ، موسوعة في البحث والتحقيق» .
كلمة د- عثمان المنصوري أكدت أن شخصية احمد استيتو، تتميز بالجدية والمثابرة والتجديد في تاريخ المغرب الحديث لأنه من السباقين في تناول موضوع الديموغرافيا والتاريخ، وهو من السباقين كذلك للاهتمام بالهشاشة والفقر، وساهم في تحقيق كتاب ألفية الهبطي، ومن سماته أنه متجدد يركب الصعاب وهو يطرق باب البحث التاريخي.
شهادة د-محمد ياسر الهلالي أكدت على ترسيخ ثقافة الاعتراف، وما قدمه له من خدمات عندما كان طالبا والصلة القوية التي تجمعه به والتي تحدث عنها من خلال أربع محطات تختزل علاقتهما وصداقتهما التي استمرت لأكثر من ربع قرن.
شهادة د- لحسن أوري أكد من خلالها على القيمة العلمية الفكرية للأستاذ المحتفى به وخدمته للبحث التاريخي وتكوينه للعديد من الطلاب. أما د-رشيد يشوتي فاعتبر أنه صاحب ضمير حي وقلب محب وشخص مجد في العمل وفنان ذو أذن موسيقية، فيما ركز د. العربي النشيوي على الجانب الفني للمحتفى به الذي طور مواهبه الفنية بين التربية الفنية والدراسة وتعلم العزف على عدة آلات موسيقية.
بعد الشهادات القيمة في حق المحتفى، تمت مناقشة موضوع الندوة من طرف مجموعة من الأساتذة، حيث ناقش ذ إسماعيل الإدريسي في مداخلته «ومضات من تاريخ الأوبئة بالمغرب والأندلس 753ه/1058م» الأسباب العامة لوقوع الأوبئة التي عرفها الأندلس والمغرب، والآثار التي خلفتها الأوبئة على المجتمع الأندلسي والمغربي من قبيل تلوث الهواء، ندرة مواد الغذائية، ارتفاع الأسعار ،وعدم الالتجاء إلى الخشن غير المألوف، العدوى المنقولة منالأنشطة التجارية. وقد ذكر المتدخل عدة أوبئة معتمدة على عدة مصادر خاصة «روض القرطاس» وكتاب «الاستقصا» للناصري .أما آثارها الكارثية فتتضح من العدد الكبير من القتلى، النزيف الديموغرافي من كل الفئات والطبقات، الهجرات .
أما مداخلة د. جميلي حميد «كرونولوجيا الجوائح والكوارث الطبيعية بالمغرب الأقصى ونتائجها الديموغرافية خلال العصر الوسيط « فقد أثارت صعوبة الحصول على وثائق ومستندات يلجأ إليها الباحثون لدراسة التطورات السكانية كالحالة المدنية، معتمدا على لغة الأرقام والإحصائيات بشكل كبيرين، واستدل بالعديد من الرسوم البيانية للمقارنة، واستخلاص الاستنتاجات حول مختلف الجوائح التي عرفها المغرب خلال ثلاثة قرون،( القرن 6و7و8 ).
المداخلة تطرقت لمفهوم الجوائح: الشدة والنازلة والمصيبة، معرجة على التعريف الفقهي الذي يراها « كل أمر لا يمكن دفعه ولا يقدر على الاحتراز منه، كالريح والمطر والبرد والجليد والنار والعفن وهي من أمر السماء لا من فعل الناس» . كما توقف المتدخل عند أهم الجوائح والكوارث الطبيعية بالمغرب خلال القرن 6ه، حيث أجملها في: المجاعات 15- القحوط 12 – السيول 8- الاوبئة 3 – حرائق1.
تأتي المجاعات في المرتبة الأولى بنسبة 38%  ، وقدم الدكتور حميد جميلي أمثلة عن هذه الجوائح: 498ه قحط كبير بالمغرب الأقصى والأندلس( …)وفي سنة 571 الوباء والطاعون الشديد بمراكش وأحوازها مات فيه الكثير من المتصوفة والعلماء وكبار القوم، فيما بلغ إجمالي الجوائح والكوارث الطبيعية بالمغرب خلال ق 7ه : 67 جائحة موزعة كالتالي:
المجاعات: 29- قحوط:15 – الأوبئة: 10- السيول: 3- حالات الجراد10 ، وتأتي المجاعة بأعلى نسبة 43% ، والقحط %22
وقد تم تقديم تواريخ وأمثلة عن جوائح القرن السابع وآثارها المختلفة: نزيف ديموغرافي، فتن كمجاعة 618ه و632ه ،635وباء عظيم أدى إلى هلاك خلق كثير. فالقرن السابع قرن كوارث بامتياز شملت كل الفئات وخاصة المهمشين والفقراء الذين ازدادت محنهم وخاصة في مرحلة ضعف الدولة .
القرن 8 ه شهد أيضا كوارث طبيعية وجوائح ، حيث بلغ عدد المجاعات 6 – الأوبئة 11 ، القحط 6، السيول 6، الجراد، 2 المجموع 34.
ورغم أن هذا القرن شهد عددا أقل للجوائح ، لكن ما يميزه هو الوباء الذي سيضرب مناطق كثيرة والمسمى بالطاعون الأسود من بلاد الصين إلى جنوب أوروبا وشمال إفريقيا .شهد هذا القرن نسبة كبيرة للأوبئة 31% القحط والسيول والمجاعة، أمثلة لهذه الكوارث السيل العظيم 724ه سبب كارثة بشرية واقتصادية.
وكخلاصة لعدد المجاعات خلال 300سنة نحصي : 50 مجاعة – قحوط: 33- الوباء: 24، السيول 17 الحرائق: 2، الجراد:11.
المجموع 140كارثة ضربت المغرب خلال ثلاثة قرون.
الأستاذة مهدية مستقري وفي مداخلتها «نماذج من الأزمات والأمراض النفسية بالغرب الإسلامي خلال العصر الوسيط» تطرقت الى ارتباط الجوائح بالآثار النفسية وما تسببه من رفض اجتماعي أمراض لها علاقة بالمجاعة كأكل الجيفة، أكل الناس بعضهم بعضا، العنف النفسي أثناء الحروب. كما تحدثت عن طرق العلاج في مارستانات ، إذ كان العلاج يتم بالموسيقى، متوقفة عند الشح الكبير في المصادر في ما يتعلق بموضوع الأزمات النفسية وآثارها.
أما مداخلة ذ. مصطفى اركيك بعنوان «الأمراض والأوبئة بالمغرب خلال العصر الوسيط الواقعي والمتخيل» ثم مداخلة ذ. حمزة بو حدايد «الأنفلونزا الإسبانية وتداعياتها على المغرب 1918/1919» فوقفت على تضارب مصدر العدوى ، والتغييب لهذا الوباء الذي خلف أكثر ما خلفته الحرب العالمية الأولى، (ضحاياه مابين 50مليون و100مليون)، تداعياته على المغرب الذي كان تحت الحماية الفرنسية والإسبانية،إذ انتقل الوباء بعودة الجنود المغاربة المشاركين والعائدين من الحرب العالمية الأولى رغم أن هذا الوباء لم يلق اهتماما من الحماية أو السلطات المغربية.


الكاتب : متابعة: رشيدة الشانك

  

بتاريخ : 06/01/2021