الحاجة إلى مخططات مندمجة تقطع مع «الوظائف الكلاسيكية»

مسؤولية الجماعات الترابية في خلق «مدن صحية» والمساهمة في تحقيق التنمية

 

 

أكد تقرير مجموعة العمل الموضوعاتية المكلفة بالمنظومة الصحية، الذي أعدّه مجلس النواب بإشراك خبراء مغاربة وأجانب، أن الجماعات الترابية مدعوة إلى سن مخططات مندمجة تضع في صلب اهتماماتها الاستثمار الأمثل في المحددات الاجتماعية للصحة، مبرزا أنه يمكنها في هذا الصدد وضع سياسة تعميرية تفرض بناء مساكن صحية تستجيب للمعايير المعمول بها، كالتهوية والتعرض للشمس؛ خلافا للوضع الذي تعيشه العديد من الأحياء في مدينة كالدارالبيضاء نموذجا، مما أدى إلى تفشي داء السل واتساع رقعة انتشاره، في الفداء مرس السلطان والحي الحسني والمدينة القديمة وغيرها؛…
ودعا التقرير الجماعات الترابية إلى التنصيص على استعمال مواد بناء غير مضرة بالصحة تكون مستدامة وصديقة للبيئة؛ أخذا بعين الاعتبار أن البيئة باتت حقا منصوصا عليه عبر العالم ويتم تصنيفها ضمن ما يعرف بـ «حقوق التدعيم»؛ مع التأكيد كذلك على أهمية التشجيع على استعمال الدرجات الهوائية بإحداث مسارات بين طرق السيارات والمركبات ذات المحركات الكبرى وبين أرصفة الراجلين، في أفق إحداث واعتماد «مدن صحية».
وتتحمل الجماعات مسؤولية أساسية في تحصين وحماية الصحة العامة من خلال الاختصاصات المتعددة التي منحها لها المشرع، إن بطريقة مباشرة من خلال  الحرص على حفظ الصحة، وتنظيم الأنشطة الحرفية، ومحاربة التلوث بشكل عام والسمعي تحديدا في الفضاءات السكنية، ومراقبة التعمير، وسلامة ونظافة المواد الاستهلاكية، أو بشكل غير مباشر من خلال إحداث الفضاءات الرياضية وملاعب القرب والمناطق الخضراء التي لها آثار إيجابية على الصحة العامة، وتساهم في محاربة الأمراض المزمنة كالسكري والضغط الدموي والسمنة وما يترتب عنها وغيرها، الأمر الذي قد تستحضره بعض الجماعات وتغفل أهميته أخرى؟
وظلت الجماعات الترابية عبر مرّ التاريخ تتحمل مسؤوليات لها صلة بالصحة، إذ منحها الظهير الشريف المتعلق بنظام الجماعات لسنة 1959 مسؤولية تحمل تكاليف العلاج في الفصل 47 منه، إذ لم يكن للمواطنين آنذاك القدرة على تحمل نفقات مواجهة الأمراض والأوبئة، كما أنه وبموجب المادة 69 من الظهير الشريف بمثابة قانون متعلق بالتنظيم الجماعي لسنة 1976 الذي ألغى ظهير 1959 المتعلق بالميثاق الجماعي، فقد حصر بموجب الفصل 44 منه، مسؤولية الجماعات المحلية في المجال الصحي في الوقاية من الأمراض العقلية وعلاجها.
أهمية كبرى أكد المشرع على إيلائها للشأن الصحي، وهو ما يتضح من خلال دستور 2011 وكذا القانون التنظيمي للجماعات  113.14 نموذجا، الذي وقف في المادة 83 عند عدد من الاختصاصات التي لها صلة بالمجال الصحي بشكل أو بآخر، كما هو الحال بالنسبة للتطهير السائل والصلب ومحطة معالجة المياه العادمة، وتنظيف الطرقات والساحات العمومية وجمع النفايات المنزلية والمشابهة لها ونقلها إلى المطارح ومعالجتها وتثمينها؛ ولنا في معضلة مطرح مديونة في الدارالبيضاء النموذج الصارخ في هذا الباب؛ إضافة إلى اختصاصات أخرى من قبيل نقل الأموات والدفن وإحداث وصيانة المقابر وخلق وصيانة المنتزهات الطبيعية داخل نفوذها الترابي، فضلا عن تدبير الأسواق مع فاعلين آخرين من القطاع العام أو الخاص، والتي تدخل في إطار الاختصاصات الذاتية، بالإضافة إلى اختصاصات مشتركة بينها وبين الدولة، كما هو الشأن بالنسبة لإحداث المركبات الرياضية والميادين والملاعب والقاعات المغطاة والمسابح، وصيانة المستوصفات الصحية الواقعة في النفوذ الترابي للجماعة، مع عدم إغفال الاختصاصات المنقولة التي يمكنها القيام بها لأجل نفس الهدف. اختصاصات منحها المشرع كذلك للجهات من خلال القانون التنظيمي 111.14  كما تنص على ذلك المادة 94 المتعلقة بالاختصاصات المنقولة بالاعتماد على مبدأ التفريع، والمادة 192 المتعلق بصندوق التأهيل الاجتماعي من أجل سد العجز في مجالات التنمية البشرية والبنيات التحتية الأساسية والتجهيزات، ومنها ما يرتبط الشق الصحي، أو ما تشير إليه قبل ذلك المادة 82 المتعلقة بالتنمية الجهوية، كما هو الحال بالنسبة لتهيئة وتدبير المنتزهات الجهوية، ووضع استرايجية جهوية لاقتصاد الماء والطاقة وإنعاش المبادرات المرتبطة بالطاقات المتجددة، ونفس الأمر بالنسبة للمادة 91، وهو ما يؤكد على أن الصحة تعد رهانا ترابيا كذلك، وجب النظر إليها من زاوية أخرى ومعالجتها بشكل أكثر تطورا بعيدا عن الأدوار «الكلاسيكية» التي تحصر الصحة في مجالات ضيقة، ولا ترى في تبعاتها إلا العطب العضوي دونا عن غيره.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 22/06/2021