الحرب بأوكرانيا والكيل بمكيالين في الهجرة واللجوء

 

غيرت الحرب الروسية على أوكرانيا نظرة الأوروبيين، بشكل جذري، لقضايا اللجوء والهجرة، واختفت الخلافات داخل الاتحاد الأوروبي حول هذا الموضوع، وهي الخلافات التي كانت تقودها دول فقيرة بالاتحاد الأوربي كبولونيا، هنغاريا وسلوفاكيا. هذه البلدان، التي كانت تطالب بوضع أسلاك شائكة وتحريك الجيش على حدودها لوقف اللاجئين القادمين من سوريا، العراق وأفغانستان، الفارين من ويلات الحروب، وجدت نفسها اليوم في الواجهة، أمام موجات أكبر من اللاجئين، وهي موجة لم تشهدها أوروبا مند نهاية الحرب العالمية الثانية التي قتلت وشردت عشرات الملايين بأوروبا وباقي العالم.
هذا الموقف الإنساني الأوروبي تجاه شعب أوروبي آخر، وهذه المأساة الإنسانية التي دفعت أكثر من أربعة ملايين أوكراني لمغادرة ديارهم، خاصة منهم الأطفال والنساء، وهذه السرعة في توفير المساعدات وأماكن الإيواء، قسمت العالم بين متضامن ومؤيد وبين من اعتبروا أن الأوربيين يكيلون بمكيالين، وأن نفس التضامن غاب مع لاجئين من مناطق أخرى من العالم.
يتمنى العاملون في الجمعيات والمنظمات العاملة في مجال الهجرة واللجوء أن يستمر هذا السلوك النبيل بأوروبا، وهناك من يدعو إلى استعمال هذه المأساة بأوروبا من أجل وضع سياسة جديدة للجوء والهجرة موحدة بين بلدان الاتحاد يغلب عليها التضامن والإنسانية بعد أن قسمهم هذا الموضوع، ورفضت بلدان أوروبا الشرقية أي سياسة منفتحة في هذا المجال، وتجد نفسها اليوم في عين الإعصار، بعد حرب روسيا على أوكرانيا، وبدون مساعدة وتضامن باقي البلدان الأوربية لا يمكنها مواجهة أوضاع عدة ملايين من اللاجئين والفارين من الحرب، وأصبح سكان هذه البلدان، التي خرجت من المظلة السوفياتية، يتخوفون على مصيرهم، وأنهم قد يتعرضون لنفس الوضع الذي عاشته بلدان مثل سوريا والعراق وأفغانستان واليوم أوكرانيا في حالة توسع الحرب الروسية الأوكرانية.
والآن العالم يراقب أوروبا، ويحيي هذا التضامن الإنساني مع الأوكرانيين الذي غاب، و للأسف، عندما مست الأزمة لاجئين وفارين من الحرب من مناطق أخرى من خارج أوروبا، باستثناء ألمانيا التي كانت في استقبال اللاجئين السوريين وبكثافة، فسياستها في هذا المجال حفظت ماء وجه أوروبا وغطت سلوك الميز والكيل بمكيالين في التعامل مع قضايا اللجوء.
لقد فر أكثر من 4,1 ملايين لاجئ أوكراني من بلادهم منذ الغزو الروسي في 24 فبراير، 90% منهم من النساء والأطفال، حسبما أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حيث لم تشهد أوروبا مثل هذا التدفق للاجئين منذ الحرب العالمية الثانية.
وأكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن هناك حوالي مليوني طفل بين الفارين، وتستقبل بولندا، وحدها، التي عرفت بسياستها المتشددة نحو اللاجئين من خارج أوروبا، أكثر من نصف عدد اللاجئين منذ بدء الغزو الروسي.
وقد بلغ عدد من لجؤوا إلى روسيا، هي الأخرى، حوالي 350,632 شخصا حتى 29 مارس وفق آخر الأرقام المتوفرة، وذكرت مفوضية اللاجئين أيضا أنه بين 21 و23 فبراير، عبر 113 ألف شخص من الأراضي الانفصالية الموالية لروسيا في دونيتسك ولوغانسك إلى روسيا.
كما استقبلت بلدان أخرى من البلدان المتاخمة لأوكرانيا، والتي تعد جزءا من منطقة شنغن (المجر وسلوفاكيا) بالإضافة الى بولونيا، عددا مهما من اللاجئين لكن أكثر من النصف استقبلته وارسو. وإذا تم الرجوع إلى قاعدة ديبلان في قضايا اللجوء والهجرة، فإن بولونيا ورومانيا هما بلدا الوصول للأوكرانيين، وهما من عليهما دراسة طلب اللجوء وكذا الاحتفاظ باللاجئين فوق أراضيهم.
لكن بلدان أخرى بشرق أوروبا مثل رومانيا ومولدافيا، وهما من أفقر البلدان في أوروبا، والمجر وسلوفاكيا، استقبلت كل منها أيضا مئات الآلاف من اللاجئين القادمين من أوكرانيا.
هذا التضامن مع اللاجئين هو سلوك راق، لكن نفس التضامن غاب عن أغلب الأوربيين تجاه اللاجئين والمهاجرين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط، فقد طلبت بعض بلدان أوروبا الشرقية وعلى رأسها بولندا والمجر وبروكسيل بتمويل بناء الأسلاك الشائكة على حدودها، ولم تقم بمجهود لحماية الفارين من جحيم العنف في سوريا وأفغانستان من النساء والأطفال.
هذه الحرب خلقت ندرة في بعض المواد الغذائية خاصة القمح والطاقة، وجعلت الأسعار ترتفع بشكل لا مثيل له، والجميع ينتظر ما ستقدمه أوروبا لعدد من سكان مناطق يعانون من الحرب والنزاعات سواء في سوريا، اليمن، اثيوبيا، وأفغانستان وفنزويلا، متسائلين هل سيتم دعم المنظمات الإنسانية بهذه المناطق.
هذه الحرب هي فرصة لإصلاح قانون الهجرة واللجوء بأوروبا، الذي قسمها لعدة سنوات، وتسبب في عدة أزمات سياسية، ورفع من قوة وحضور الأحزاب اليمينية الفاشية، اليوم الرأي العام الأوربي مؤهل لقبول إصلاح قانون الهجرة، خاصة قاعدة « ديبلان» التي تنص على أنه يتم إعادة المهاجر أو اللاجئ الى البلد الذي وصل إليه لأول مرة، وهو ما يعني أنه في حالة تطبيق هذا القانون سيتم إعادة أغلب اللاجئين الأوكرانيين إلى بولونيا، وهنغاريا وسلوفاكيا، ومن الصدف الماكرة هي أن هذه البلدان هي التي كانت تعارض في السابق هذا الإصلاح وتطالب بإعادة الوافدين إلى اليونان وإيطاليا او اسبانيا باعتبارهم بلدان الوصول.
عندما توافد على أوروبا مئات الآلاف من الفارين من الحرب السورية، ومن مناطق أخرى من العالم، سنة 2015 ، رفضت أغلب بلدانها هذا التضامن خاصة بلدان أوروبا الشرقية الفقيرة، بل طالبت ببناء أسوار شائكة، وطالبت بلدان الجوار الأوربي مثل تركيا وليبيا والمغرب بتدبير هذا الملف على أراضيها مقابل الحصول على دعم من أوروبا، وهي سياسة اتسمت بالأنانية وغياب التضامن، وهو ما يفسر قرار عدد كبير من بلدان العالم اختيار الحياد في هذه الحرب الأوروبية -الأوروبية التي تجري بأوكرانيا.


الكاتب : باريس يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 05/04/2022