الحصاد الاجتماعي 2023 : المغاربة بين الدولة الاجتماعية ومواجهة شح الماء والكوارث الطبيعية

إعادة النظر في «مدونة الأسرة»

أعلن الملك محمد السادس، يوم الثلاثاء 26 شتنبر 2023)، عن انطلاق إعادة النظر في «مدونة الأسرة»، ومنح اللجنة المكلفة برئاسة رئيس الحكومة (تتكون اللجنة المكلفة من وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محمد عبد النباوي، ورئيس النيابة العامة، الحسن الداكي) أجل 6 أشهر كمُهلة من أجل رفع المقترحات،
والرهان الأساس الآن المطروح أمام اللجنة، بل أمام مختلف المتدخلين في هذا الموضوع (المجلس العلمي الأعلى، الوزارة المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، هيئات وفعاليات المجتمع المدني، الباحثون والمختصون) هو الانكباب على العمل الهادئ والرصين، لإنجاح هذا الورش دون الحاجة إلى «هتاف الجماهير»، ولا لكل تلك النصوص المكسوة بالتزوير والمعلقة في خاصرة الذكور حتى تبقى الأمور على حالها.

 

الجفاف والإجهاد المائي

شهد هذا العام أسوأ موجة جفاف منذ أربعة عقود، والوضع مرشح للأسوأ في أفق السنوات القادمة في ظل توقعات تشير إلى انخفاض نسبة الأمطار وارتفاع سنوي للحرارة.
وقد تسبب الانخفاض الواضح في التساقطات المطرية خلال العام الجاري، في تراجع مقلق لمخزون السدود الرئيسية بالمملكة والتي هبطت نسبة ملئها إلى ما دون 33 في المائة، معرضة هي الأخرى لمزيد من التناقص نتيجة موجات الحرارة المرتقبة خلال الشهور الثلاثة القادمة من فصل الصيف.
ويسعى المغرب إلى توفير حوالي 1.3 مليار متر مكعب من الماء الشروب والمياه المخصصة للزراعة في أفق 2030، وخصص مبلغ 2.3 مليار دولار لتحقيق ذلك مستعينا بعدد من محطات تحلية مياه البحر (حوالي 20 محطة) التي تم إنشاؤها. وهو رهان استراتيجي مدفوع بالتأثير الكبير للتغيرات المناخية على الموارد المائية، إذ من المتوقع أن توجه نسبة 53 في المئة من المياه التي سيتم تحليتها إلى الشرب و 23 في المئة للقطاع الصناعي و 24 في المئة للقطاع الفلاحي.
بالنسبة للمتخصص في قضايا البيئة والماء، عبد الحكيم الفيلالي، فإن انفتاح المغرب على واجهتين بحريتين يتيح له إمكانية الاستثمار في تحلية مياه البحر، للتخفيف من الإجهاد المائي، إذ تستهلك مدينة الدار البيضاء لوحدها، على سبيل المثال، مابين 260 و280 مليون متر مكعب من الماء سنويا.

 

 

الدعم الاجتماعي المباشر

يعد برنامج الدعم الاجتماعي المباشر، الذي تم الشروع في صرفه نهاية السنة (2023)، لبنة جديدة في مسار استراتيجي قاده صاحب الجلالة الملك محمد السادس قصد توطيد دعائم الدولة الاجتماعية.
ويقوم إرساء هذا النظام على تقديم دعم مباشر للأسر، تستفيد منه الفئات الاجتماعية التي تحتاج إلى المساعدة، ويهم الأطفال في سن التمدرس، والأطفال في وضعية إعاقة، والأطفال حديثي الولادة، إضافة إلى الأسر الفقيرة والهشة، بدون أطفال في سن التمدرس، خاصة منها التي تعيل أفرادا مسنين.
هذا وسيمكن برنامج الدعم الاجتماعي المباشر من وضع شبكة للأمان الاجتماع (un bouclier social)، حيث يبلغ الحد الأدنى للدعم لكل أسرة، كيفما كانت تركيبتها، 500 درهم شهريا، ويمكن أن تصل إلى أكثر من 1.000 درهم شهريا، آخذا بعين الاعتبار تركيبة كل أسرة، خاصة عدد أطفالها.
وقد توصلت المصالح المختصة عبر البوابة الإلكترونية المعدة لهذا الغرض، منذ إطلاقها بداية دجنبر الحالي، بأزيد من 1.9 مليون طلب استفادة، وهو العدد المرشح لمزيد من الارتفاع خلال الأيام والأسابيع القادمة.

 

البرنامج الجديد لدعم السكن

بعد 10 سنوات من الركود الذي هيمن على القطاع العقاري الموجه للسكن، جاء البرنامج الجديد للدعم العمومي المقدم في هذا المجال، وهو البرنامج الذي يسمح للمواطنين بولوج إلى سكن لائق، حيث انتقل مبلغ المساعدة إلى 100 ألف درهم من أجل اقتناء مسكن يقل ثمن بيعه أو يعادل 300.000 درهم مع احتساب الرسوم، بعدما كانت قيمة المنحة محددة في 70 ألف درهم من أجل اقتناء سكن يقل ثمنه عن 300 ألف درهم أو يعادلها.
كما يقترح البرنامج تمكين الأسر من مساعدة 70 ألف درهم لاقتناء مسكن يتراوح ثمنه ما بين 300.000 درهم و700.000 درهم مع احتساب الرسوم، بعدما كان المبلغ محددا في 50 ألف درهم من أجل اقتناء سكن يفوق ثمنه 300 ألف درهم ويقل عن 700 ألف درهم أو يعادلها.

 

الأساتذة يحركون الشارع

أبرز ملف استأثر باهتمام المغاربة هذه السنة كان هو إضرابات التعليم والاحتجاجات التي صاحبت المصادقة على النظام الأساسي لموظفي التربية الوطنية الذي لم ترق مقتضياته الأساتذة لتشل المدارس في اليوم العالمي للمدرس ليستمر الشلل لمدة تفوق الشهرين بكثير، حيث اعتبر الأساتذة المضربونالنظام الأساسي إقصاء ممنهجا ومقصودا لهيئة التدريس ورفضوا مضامينه جملة وتفصيلا ، بسبب غياب التحفيز بخلاف باقي الأطر المشتغلة في الإدارة من مدراء وحراس عامون ومفتشون، متهمين الحكومة بعدم الوفاء بوعودها برفع أجور الأساتذة بـ2500 درهم وبتحسين الوضعية المادية والاجتماعية للأساتذة والأستاذات…
وبعد لقاءات واجتماعات ماراتونية بين اللجنة الثلاثية الوزارية والنقابات الأكثر تمثيلية تم التوافق على وثيقة اتفاق 26 دجنبر تضمنت أربعة محاور تهم الإجراءات المرتبطة بالنظام الأساسي والجوانب المتعلقة بالإجراءات ذات الأثر المالي فيما شمل المحور الثالث بعض الملفات الأخرى و في المحور الرابع كانت هناك التزامات الأطراف الموقعة.

 

مراتب متأخرة للمدرسة المغربية في نتائج البرنامج الدولي لتقييم التلاميذ PISA

احتل التلاميذ المغاربة مراتب متأخرة في البرنامج الدولي لتقييم التلاميذ PISA، وهي النتائج التي تم الإعلان عنها خلال سنة 2023، وغطت الفترة الممتدة بين شهري أبريل وماي 2022. وتشرف منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (‏OECD‏)‏ على هذا التقييم الذي يتم إجراؤه كل ثلاث سنوات، علما أن النسخة الثامنة لسنة 2021 لم يتم تنظيمها بفعل جائحة كوفيد-19، ولم تعرف نتائج التلاميذ المغاربة الذين بلغ عدد المشاركين منهم في هذه الدورة 6867 تلميذة وتلميذا بالغين من العمر 15 سنة، وينتمون لما مجموعه 177 مؤسسة تعليمية عمومية بالسلكين الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي، بالأكاديميات الاثني عشر بالمملكة، أي تحسن في مجالي القراءة والعلوم، مع تسجيل استقرار نسبي في نتائج الرياضيات مكن من تحقيق المرتبة 71من بين81دولة مشاركة، كما تم تسجيل تراجع ملموس في نتائج العلوم بلغ 12نقطة دفع بالمغرب إلى المرتبة 76 من أصل 81 دولة، وعرفت القراءة تراجعا كبيرا بلغ 20 نقطة وضع المغرب في المرتبة 79 من أصل  ال81 دولة المشاركة. أما بخصوص الفرق في الأداء بين التلاميذ فإن أعلى أداء في المغرب لا يتعدى456 نقطة وأقل أداء يبلغ245 نقطة حسب ذات التقييم.

تضامن شعبي واسع

لعل أهم لحظة مشرقة عاشها المغرب خلال هذه السنة هي اللحظة التي شهدت تلاحم الشعب المغربي قاطبة من طنجة إلى الݣويرة، خلال الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز، والذي خلف حوالي 3000 قتيل ( 2960 حالة وفاة).
فقد شهدت كل مناطق وأقاليم المملكة حملة تضامنية منقطعة النظير لكافة الشرائح الإجتماعية مع ضحايا زلازل الحوز، حيث شهدت كل المراكز المخصصة لاستقبال المواطنين والمواطنات الراغبين في التبرع بالدم إقبالا مكثفا، لدرجة أن هذه المراكز لم يعد بوسعها استيعاب هذا الكم الهائل، دون الحديث عن التبرعات العينية إذ بدأت القوافل تنطلق من مختلف أرجاء المغرب محملة بالمواد الغذائية والألبسة وغيرها من المواد الأخرى، في اتجاه المناطق المتضررة.
وتفاعل أغلب المواطنين مع المبادرات الشخصية والمدنية التي أطلقها أفراد ومشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال شراء كميات من المواد الغذائية والتموينية، وإرسالها إلى منكوبي الزلزال في المناطق النائية. ففي ظرف وجيز، امتلأت الشاحنات والسيارات بالمساعدات قبل إرسالها إلى القرى والدواوير التي يعيش أهلها ظروفا إنسانية صعبة، وتمت هذه العملية بكل تلقائية وحماسة وتنسيق وتعاون بين المتبرعين.
أما عن المواد التي تُبرّع بها، فكانت الأولوية للاحتياجات الأساسية، التي شملت الأكل والشراب والأغطية والدواء، كما تكررت الحملات نفسها في كثير من المدن المغربية، من شمال المملكة إلى جنوبها.