الدار البيضاء مدينة المال والأعمال والتسول

 

أصبح من النادر في مدينة الدار البيضاء وأنت تقود سيارتك عندما تستوقفك إشارة المرور الحمراء عند تقاطع ما، ألا تنهال عليك من خلف الزجاج، الأيادي الممدودة من مختلف الألوان والجنسيات متبوعة بدعوات وتعويذات بلغات مختلف تحاول أن تستجدي بعض الدريهمات التي يمكن لها في محصلة النهار أن تصير مبلغا محترما.
يعاقب القانون الجنائي في المادة 326 بالسجن من ثلاتة أشهر إلى ستة أشهر كل من كانت له القدرة على العمل والسعي في أسبابه لكنه يمتهن التسول، وبالسجن من ستة أشهر إلى سنة عندما يرتبط التسول بالتهديد ووسائل أخرى الفصل 327.
الدار البيضاء مدينة المال والأعمال والتسول هذا ما هو عليه الوضع إذ. بات من الطبيعي في مختلف تقاطعات شوارع البيضاء رؤية أناس يعرضون عاهاتهم الجسمية وحتى العقلية منها عند إشارات المرور حيث تجد ضمنهم أناسا أسوياء متظاهرين بعاهات قد اتخذوا هذه الوسيلة لكسب المال . كل يحيك وينسج قصته على طريقته محاولا إستغلال تلك الثواني المعدودات في انتظار إنطلاق إشارة المرور. هي ثوان معدودات قد تتحول إلى كمين أو تنقلب إلى دراما فالكثير من أصحاب السيارات خصوصا النساء منهم تعرضوا إلى سرقات لهواتفهم أو لأغراضهم من داخل سياراتهم. تكفي التفاتة أو سهو لإتمام سيناريو السرقة. كل شيء محاك ومعد مسبقا بدقة واحترافية عالية ويمر بسرعة. في الغالب لا تستوعب الضحية السيناريو إلا بعد فوات الأوان، وبشكل أقل ضررا تنشب ملاسنات بين أصحاب السيارات وبعض المتسولين ممن يتمادون ويصرون على استجداء الدراهم عنوة .هذه كلها سيناريوهات يتعرض لها المواطن البيضاوي بشكل يومي والشمس في كبد السماء .
التسول ظاهرة اجتماعية سلبية تعاني منها الكثير من الدول وكذلك جل مدن المملكة غير أن مدينة الدار البيضاء نالت حصت الأسد، نظرا لجريان شريان السيولة داخل بنيتها الإقتصادية وفي أسواقها المتعددة كسوق درب غلف ودرب عمر والقيساريات المتعددة، بالإضافة إلى دور العبادة خلال المناسبات الدينية . هذه كلها أماكن تجذب المتسولين كما تجذب النار الفراشات وتختلف الأسباب والدوافع التي تؤدي إلى سلك سبيل ودرب التسول. فقد يكون الدافع هو الفقر وقلة الحيلة وهذه فئة قليلة في مقابل التسول الإحترافي الذي ينبع من فلسفة الكسل و كسب المال بأقل مجهود، والذي تتعدد أوجهه من استغلال للأطفال ونشر لوصفات وعلب أدوية فارغة ومزيفة أو عرض بعض السلع كالمناديل الورقية مثلا. و قد ضاعف من حجم هذه الظاهرة نزوح الكثير من المتسولين من المناطق والأقاليم المجاورة بالإضافة إلى عابري السبيل من أفارقة جنوب الصحراء الذين اتخذوا من المغرب ،ومن الدار البيضاء خصوصا، نقطة تجمع استعدادا للتوجه نحو مدن الشمال ومن ثم محاولة العبور نحو أوروبا. ومما زاد من استفحال هذه الضاهرة، أن الصراع أصبح على أشده بينهم وبين المتسولين المحليين على مناطق النفو. فتجد تقاطعات استحوذ عليها الأفارقة كملتقى الطريق الذي يتقاطع فيه شارع أولاد زيان مع شارع لاكروى دون غيرهم، والعكس صحيح. وفي حالات قليلة تكاد تكون شاذة يتعايش فيها الطرفان لكنه تعايش وهدنة لا تعمر طويلا، إذ سرعان ما ينسحب أحد الطرفين إذا مال ميزان العدد لصالح فريق دون غيره . وإذا كانت الدولة والسلطات المحلية والمجالس المنتخبة للمدينة تبذل جهودا في محاربة هذه الظاهرة التي لا تليق بمدينة بحجم العاصمة الاقتصادية، إلا أنها لا ترقى إلى مستوى الحلول الجذرية،ذلك أن محاربة هذه الظاهرة تتطلب تظافر جهود عدة فعاليات منها الاعلامية عبر المزيد من برامج التوعوية، ومدنية جمعوية، وجنائية كتشديد العقوبات في حالات العود .باعتبارها ظاهرة اجتماعية تزداد انتشارا وتوغلا في البنية والجسم الإجتماعي للمدينة ما يفقده الكثير من قوته المادية والمعنوية، ويعمل على تشويه صورته التي تعمل مختلف مكوناته على تحسينها، مما يجعل منها مدينة التناقضات بامتياز.


الكاتب : كمال وبران

  

بتاريخ : 07/06/2023