الدراما السورية.. صناعة فنية تنبعث من رماد الحرب

 

لا يمكن فصل النار التي أتت على الأخضر واليابس في سوريا بكل قطاعاتها والتي طالت ألسنتها نفسها الدراما السورية، التي تعبر عن معاناة سوريا والشعب السوري بعد ثورة 2011 وما تلاها من ويلات وحروب وتهجير قسري، بعدما كانت تعيش الدراما السورية في زمنها الذهبي قبل 2011، في العقدين الأول والثاني من الألفية الثالثة، حيث لاقى الإنتاج الدرامي السوري نجاحا كبيرا جدا نظرا لتميز الأداء التمثيلي وجودة السيناريوهات ومهنية الإخراج العالية.
وتعكس الدراما السورية دائما صورة المجتمع السوري نفسه بكل تناقضاته وعاداته وقضاياه وكذلك أزماته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ما جعلها أقرب إلى المشاهد من المحيط إلى الخليج، والذي تخطى حاجز اللغة منبهرا بهذه الدراما المميزة والهادفة، والتي لا يمكن إنكار تميزها على مستوى كتابة النصوص وصياغة السيناريوهات وتواتر الأحداث بدقة وتشويق، هذا إضافة إلى مستوى التمثيل العالي في قالب درامي غني ينقل بتفصيل أكبر لجل الجوانب الاجتماعية وصقل الوعي الجمعي وإثارة النقاشات الكبرى للمساعدة في ابتكار الحلول.
ورغم مرور 12 سنة على بداية الصراع في سوريا بين النظام السوري ومعارضيه، عانت الدراما السورية بدورها من تبعات هذا الصراع، وعاشت سنوات تقهقر لم تعهدها من قبل، لكن المتابع لهذه الأعمال الدرامية السورية بهذه السنة، يرى بأنها قد بعثت من رمادها من جديد مع بداية ظهور وميض في النفق المظلم الذي دخلته سوريا على مدى أكثر من عقد من الزمن، ما جعل المشاهد يحن لتلك الصناعة الفنية الهادفة التي تتجاوز ما هو استهلاكي هش ولا تقف عند ما هو تسويقي تجاري ضيق.

جوقة عزيزة… قصة امرأة راقصة.

يعالج مسلسل جوقة عزيزة حياة راقصة سورية جميلة اسمها عزيزة بزمن الانتداب الفرنسي لسوريا، وتقع هذه الأخيرة في غرام كولونيل فرنسي ما يجعلها تقع في قصة عشق ممنوع، ويوثق المسلسل نفسه لحقبة زمنية مختلفة من التاريخ السوري المعاصر، المسلسل من بطولة الممثلة الفلسطينية نسرين طافش والممثل السوري الكبير سلوم حداد ومن إخراج تامر إسحاق.

الكندوش.. الجزء الثاني

ينهل مسلسل الكندوش من البيئة الشامية العتيقة بحيث يعكس صورة صورة حقيقية عن سوريا إبان الحكم العثماني بجرأة أكبر وتناول درامي يكاد يكون توثيقا حقيقيا لسوريا في تلك الحقبة.
تلعب دور بطولة الكندوش الممثلة السورية سلاف فواخرجي اضافة إلى الفنان السوري الكبير أيمن زيدان، وهو من إخراج سمير حسن.

مسلسل مع وقف التنفيذ..

وهو مسلسل اجتماعي إنساني يغوص في العوالم النفسية لكل شخوصه التي تتألم بسبب تبعات الصراع في سوريا والأزمات التي تعاقبت عليها منذ سنة 2011.
ويناقش المسلسل مسألة النزوح والشتات وهاجس العودة إلى سوريا ما بعد الحرب، والتي لاشك أنها تركت آثارها وجراحها وندوبها والتي ستحكيها أحداث المسلسل في حلقاته المقبلة.
المسلسل من بطولة الفنان العالمي غسان مسعود والفنانة المتألقة سلاف فواخرجي، ومن إخراج سيف الدين سبيعي.

مسلسل كسر عظم..

وهو عمل درامي اجتماعي كذلك، تدور أحداثه ضمن الأزمة السورية وحول صراع البقاء في زمن الحرب بين طبقات المجتمع المختلفة من أصحاب المال والطبقة المتوسطة والطبقات الهشة، في قالب درامي يعكس الصراع الطبقي بين كل هذه الفئات المجتمعية، كما يعالج المسلسل نفسه مسألة الفرز الطبقي الحاد الذي تمخض عن الحرب في سوريا، ويعرض أيضا لتآكل الطبقة المتوسطة التي تكاد أن تختفي.
المسلسل من بطولة كاريس بشار وفايز قزق ومن إخراج رسا شربتجي المخرجة السورية المعارضة التي غادرت سوريا بسبب موقفها المعارض، ويعد عمل كسر عظم أول عمل لها بعد سنوات من القطيعة.

مقابلة مع السيد آدم.. قصة قاتل متسلسل

يختلف نوعا ما مسلسل مقابلة مع السيد آدم عن سابقيه، حيث يعرض الجزء الثاني منه لهذا الموسم، ويلعب الفنان غسان مسعود دور البطولة المطلقة لشخصية بروفيسور في الطب الشرعي يتعرض لضغوط كبيرة من جهات عليا بهدف تغيير مجريات تقرير شرعي له حول إحدى الجرائم، ما يسبب له أزمة نفسية وكارثة اجتماعية تحوله من بروفيسور تشريح إلى قاتل متسلسل لا يترك وراءه أي أثر أو دليل.
ويجمع ملاحظون ونقاد دراميون على أن الدراما السورية صناعة فنية طالها ما طالها بسبب ويلات الحرب، صحيح أنها تراجعت لكنها تسير بخطى ثابتة نحو إستعادة بريقها ووضعها الاعتباري باعتبارها أحد أهم الانتاجات الفنية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، والتي لازالت مرآة عاكسة لمعاناة المجتمع السوري في توظيف شيق للمخزون الثقافي السوري، وأنها تعالج ذلك كله في قوالب درامية مهنية عالية تجعلها تكاد لا تمحى من ذاكرة متابعيها، وما جعلها كذلك تعود للمنافسة عربيا بعد عقد من التقهقر والتراجع.


الكاتب : إيمان الرازي

  

بتاريخ : 16/04/2022