الدولة الوطنية والبعد الامبراطوري في ملكية محمد السادس 16- المخزن و(الطالْبْ): مراسلات السلطان الحسن الأول مع عالِمٍ قرويٍّ صغير ـ2ـ

كتاب «حياكة (خياطة) الزمن السياسي في المغرب: خيال الدولة في العصر النيوليبرالي..» للباحث والجامعي محمد الطوزي كتاب رفيع وتوثيقي وجد جريء في تقديم أطروحته العميقة حول الدولة المغربية. وهو عمل طويل النفس تطلب من الباحث والمفكر محمد الطوزي ورفيقته في العلم والتنقيب التاريخي بياتريس هيبو، ثلاثين سنة من العمل تخلله البحث الميداني والحوارات والقراءات في الوثائق والاحداث إلخ… ونزعم أن في الكتاب أطروحة متكاملة وبنيوية لتاريخ الدولة فيها عناصر لم يسبقه إليها أحد، حسب ما اطلعنا عليه من مقاربات بشكل متواضع طبعا وطبعا.

 

وبدون إشارة واضحة للمبارزات الثنائية بينهما عندما كان «خليفة»، فإنه لم يتردد في التذكير بأن الحسين خدم مصالح المخزن عن بعد. وفي الفاصل بين هذا وذاك، يلمح إلى أنه يعرف بأن هذا الأخير، الحسين، «يعتريه الخوف بسبب سوء التدبير»، ويترك الغموض يخيم بالتوجه إلى الطالب بهذه العبارات»هي مسألة علمنا بها ولكن لا تحملْ هما لها، أمَّننا لله وأمَّنك من المخاوف التي غذتها مصادر أخرى»، قبل أن يسرد خطورة الأخبار التي وصلت بخصوصه، والتي من شأنها أن « تزيل الفرحة وتجعلنا نشيح عنه بوجهنا والحكم عليه بأنه عاص متمرد».
غير أن السلطان، ومباشرة بعد الجملة الموالية يستعيد لهجة مطمئنة حيث يكتب بأن فرضية حسين معارض «لا تخطر له على بال»، كما أن البقية تسير في التقنية الرفيعة للتلميحات وتعطينا فكرة عن الفن الرفيع للسياسة كما يفهمها السلطان،» كيف لنا أن ننزله من هذا الموقع العالي أو أن نسمح بأن يصيبه ضرر ولا نقبل بأن نعطيه عنايتنا.. أنجانا لله من إطفاء هذا المصباح وليطمئن المرابط نفسا» وبهذا الحدب الظاهر يضع الطالب في قلب الشفاعة ولا سيما عندما يكتب «وجوابا على شفاعتكم أخبر المرابط بقرارنا وأعلمه بأننا أفضل من يحفظ شرفه حتى ولو كان المتآمرون لا يدخرون جهدا، وضعفت قوته وتجاوزه الأمر، نتبع في ذلك سياسة أسلافنا وإنْ نريد إلا الاصلاح..»
في 17 يوليوز 1882 أخبر عون من أعوان المخزن الطالب أنه توصل ونقل الطرد الموجه إلى أرسلان وأنه يحمل له الجواب رفقته. وفي الرسالة السلطانية المؤرخة بنفس اليوم يسجل الحسن الأول تنقل الطالب إلى ايليغ لإبلاغ التعليمات إلى حسين والاستماع إلى إرادته في تحريك القبائل باتجاه الجبل وحث بلاد سلالته (أبناء قبيلته) على الانضمام إلى السلطان والموعد الذي ضربه السلطان يوم الاثنين. وفي نهاية المطاف نجد أن حسين لم يأت إلى تيزنيت بل أرسل وفدا (من ضمنه أحد أقربائه أو ولده) ونقل ممتلكاته النفيسة إلى حرم الولي الصالح واختبأ في الجبل، وباستثناء لقاء سري وصفه بول باسكون، في الوقت الذي كان فيه السلطان مازال «خليفة» فإن اللقاء وجها لوجه بين حسين والسلطان لم يحدث أبدا.
المجموعة الثانية من الرسائل، وعددها 5 تمتد من 18 مارس إلى 19 يوليوز 1883، وآخرها رسالة مرسلة من طرف عون من أعوان المخزن وتوصيل بوصول خطاب من السلطان لم يعثر عليه المختار السوسي. والحال أن التأريخ الموسع والتقْريضي للسلالة العلوية لصاحبه الناصري، والذي يعد من أهم مصادر الهيستوغرافيا المعاصرة للدولة المغربية لا تحتفظ لا بسنة 1883 ولا السنة التي تليها وتنقل مباشرة إلى سنة 1885، والتي لا يحتفظ منها سوى ببعض الأحداث البسيطة: وفاة عالمين من سلا القباب (الأطلس المتوسط) ومطاردة الإسبانيين للجمارك في الموانئ بعد الانتهاء من دفع الديون المترتبة عن حرب تطوان.
غير أن تحليل مراسلات الحسن الأول التي تم نشرها في مختلف المصنفات تكشف ملكا يتصرف سنة 1883 في مسار الحكم قريبا من سلطة رأس دولة وطنية من قبل تدبير أزمة وسط الطائفة اليهودية في فاس(14 فبراير)، الانشغال باقتناء الممتلكات العقارية من طرف الأوروبيين في الشمال (28 يونيو)، المعالجة السرية لتحركات وتصرفات بوعمامة (12 ماي) مواجهة الفرنسيين المستقرين على الحدود الشرقية (27 غشت)، سك عملة جديدة (23 غشت) ومعاقبة أهل ازعير (22 شتنبر) أو معاملة «المحميين» المغشوشين الذين يرفضون الخضوع لنظام المخزن (28 أكتوبر)…
يجب القول إن غضب الإسبانيين والإنجليز كان في أوجه، حيث كان الأولون يشترطون تطبيق اتفاقية تطوان، والتي تتيح الطريق لبناء ميناء على طول الساحل السوسي، في حين كان الآخرون يدافعون بحماسة عن مصالح مواطنهم ماكنزي الذي كان يطمع في التبادل التجاري مباشرة مع دار بيروك وايليغ.
يوم 18 مارس 1883 كتب السلطان إلى الطالب يخبره بأنه تناهى إليه خبر وصول باخرة تحمل الأرز والشعير وغيرهما من المواد الغذائية إلى سواحل أيت بعمران، وأن الباخرة تم استقبالها استقبالا حسنا من طرف القبائل بالرغم من تحذيرات السلطان، وينبه الحسن الأول بأنه يعلم الطالب بهذا كي لا يدخر أي مجهود لتقديم النصح للساكنة ولعن المفسدين(…) لأن الناس الطيبين والعارفين بالدين والأصول معروفون بالتزامهم بدعم الدين والدفاع عن مصالح الإسلام…لاسيما إذا كانوا من أهل العلم (مثله) الذين يعتبرون ذلك واجبا شرعيا «. وفي 5 ماي، وجه السلطان رسالة إلى الطالب، والذي يسجل فيها توصله بمكتوب لهذا الأخير يخبره فيه بتوجهه إلى أيت بعمران رفقة عم السلطان مولاي لكبير الذي كان يحمل رسالة. وكتب السلطان بأنه راض عن السرعة التي نفذ بها الطالب الأمر وشكره على مجهوداته المبذولة لإنجاز المهمة..


الكاتب : عرض وترجمة : عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 10/04/2023