الدولة الوطنية والبعد الامبراطوري في ملكية محمد السادس -4- في معنى المخزن ودار المخزن .. والوطنية الإمبراطورية..

 

كتاب «حياكة (خياطة) الزمن السياسي في المغرب: خيال الدولة في العصر النيوليبرالي..» للباحث والجامعي محمد الطوزي كتاب رفيع وتوثيقي وجد جريء في تقديم أطروحته العميقة حول الدولة المغربية. وهو عمل طويل النفس تطلب من الباحث والمفكر محمد الطوزي ورفيقته في العلم والتنقيب التاريخي بياتريس هيبو، ثلاثين سنة من العمل تخلله البحث الميداني والحوارات والقراءات في الوثائق والاحداث إلخ… ونزعم أن في الكتاب أطروحة متكاملة وبنيوية لتاريخ الدولة فيها عناصر لم يسبقه إليها أحد، حسب ما اطلعنا عليه من مقاربات بشكل متواضع طبعا وطبعا.

إن التجدد الحاصل في الدراسات حول الإمبراطورية غير بعيد عن الأخذ بعين الاعتبار لما سميناه في النهاية البعد الإمبراطوري للدولة في المغرب، والذي سبق أن ظهر في أعمالنا السابقة بدون أن نصوغه بهذا المصطلح (أعمال اللوزي وهيبة في سنتي 1999 و2000). فقد كنا منتبهين منذ أمد بعيد لتعدد سجالات شرعنة الدولة والتعريف عنها، وبالتالي لتنوع أشكالها، بيد أننا كنا نأولها داخل الإطار العام للدولة، حتى ولو لم نتبن التعريف “القانوني – العقلاني ” والبيروقراطي، وبقينا منتبهين إلى تحولاتها، وقد قاربنا هذه التحولات انطلاقا من مفهوم المخزن ( وقد كان المخزن، إلى حدود الحماية، يشير إلى القصر الملكي ثم الجهاز الإداري للإمبراطورية الشريفة، واليوم يحيلنا المصطلح على” نمط حكم الناس” (حسب عبارة كليس Claisse)، يحيلنا كذلك وبالخصوص على طريقة في الوجود وفي العمل تسكن الكلمات وتحدد توابل الطعام وطقوس الزواج وحياكة ملابس المناسبات وتحدد الطقوس المرجعية، التي تحدد بدورها شكل ومضمون العلاقة بين الحاكمين والمحكومين )، انطلاقا كذلك من مفهوم المخزن كبنية بيروقراطية ثم انطلاقا من “دار المخزن” باعتبارها مكانا لصناعة السلوكات والمهارات والقيم وفنون الحكم(ودار المخزن فضاءٌ مغلق حصري للقصور الملكية وما يتبعها، وهو موقع الهيبة التي تشكل “أساس السلطة”، و” دار المخزن هي المكان المركزي الذي تبنى فيه ثقافة السلطة، وانطلاقا من هذا المكان تتوالى متنقلة شيفرات الطاعة والقيادة”، وهوالمكان كذلك الذي تصنع فيه القاعدة والمهارات المرتبطة بمعرفة الحياة داخل حرم السلطة، في القصر كما في المؤسسات الأخرى : المخزن، البرلمان، الأحزاب السياسية العائلة…إلخ. وهو ما كانت مراسلات القرن 19 تسميه” المخزنية”)..
وقد جاءت الخلاصات العامة حول الإمبراطوريات التي رأت النور حديثا، صدىً لقراءتنا لأعمال المؤرخين بل أكثر من ذلك جاءت صدى للحوْليات والكتابات السردية لفترة ما قبل الاستعمار، وعلى غرار الكتابات حول الإمبراطوريات العالمية، تتحدث هذه النصوص عن تنوع الساكنة، وسياسة الحفاظ على هذه التنوعات وصيانتها من طرف مخزن هو بذاته متباين في تنوعه.. تتحدث عن دَوَران السلطة وتداولها، والحفاظ علي التميزات المحلية والتراتبيات المحلية بدون استيعاب، ولكن في إطار دينامية حقيقية للإدماج داخل مجموعة ما (جماعة الجماعات)، وعن استراتيجية تقليص الكلفة عبر الوسيط، وعن التسويات حول الانقطاعات الفضائية**** كما الزمانية، وعن الأهمية الممنوحة لتدبير الأشخاص أكثر من المجالات، وعن وجود ولاء، انطلاقا من مرحلة معينة لوطنية نحن مجبرون على نعتها بالوطنية الإمبراطورية.
ونفهم من هذا التعداد بأن الأمر يتعلق بأن الأبحاث حول التشكُّلات السياسية التاريخية المُنتظَمة كإمبراطورية هي التي ألهمتنا أكثر من الاشتغال على الإمبراطوريات الاستعمارية، بمعنى التجارب الإمبريالية لكُبريات الدول الوطنية. بيد أن من المفارقة أن تجديد هذه الأعمال حول الإمبراطوريات المنقرضة جعلنا أكثر انتباها لراهنية النمط الدولتي (من الدولة) الإمبراطوري في المغرب. كما هو حال الدور الذي تلعبه اليوم الوسائط في ممارسة السلطة، وبشكل عام حال اشكال الحكومة غير المباشرة المبنية، في الحين ذاته، على مبدأ الحكومة بأقل تكلفة، واستعمال الوسائط المعترف به بهذا القدر أو ذاك، على حد سواء!
وهو كذلك حال الطريقة التي تتقوى بها السلطة، تحت حكم الحسن الثاني كما في عهد محمد السادس، عبر اللعب على الاختلافات والتعددية.
وقد أعطينا بسرعة، مع ذلك، مسافة بعد عن هذه الأعمال، على الأقل ابتعاد عن بعضها، وهي الغالبة، والتي فكرت في الإمبراطورية، ضمن رؤية خطية لتحولات الدولة، باعتبارها شكلا متجاوزا يميز لحظة تاريخية سابقة عن لحظة الدولة الوطنية (وهناك بطبيعة الحال بعض الاستثناءات التي لا تعتبر الإمبراطورية والدولة الوطنية، شكلين متتاليين وغير قابلين للتركيب، غير أنها عكسنا تشتغل على أوضاع ماضية ، وإذا كان هؤلاء المؤرخون يشيرون إلى راهنية التفكير حول الإمبراطورية فإنهم لا يحللون بالملموس أوضاعا معاصرة انطلاقا من وجهة النظر هاته).. ونحن لا نعتقد فقط بأن الإمبراطورية أثرت في صياغة شكل الدولة الوطنية – سنعود إلى هذا النقطة طوال هذا الكتاب ـ بل لا نرى أن في الإمبراطورية والدولة الوطنية شكلين للدولة متباينين ومتميزين في الزمن، بل هما على العكس من ذلك سجلان متلازمين يسعفاننا في «تفكير» الدولة المغربية في كل تعقيداتها..


الكاتب : عرض وترجمة عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 27/03/2023