الدولة الوطنية والبعد الامبراطوري في ملكية محمد السادس -38- مسؤولية مولاي حفيظ تدفعه إلى التفكير في الانتحار

كل‭ ‬هاته‭ ‬التطورات‭ ‬تتنبأ‭ ‬بصعوبة‭ ‬تجاوز‭ ‬البعد‭ ‬الرعوي‭ ‬للمسؤولية‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬تطورات‭ ‬الإطار‭ ‬المؤسساتي،‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬يتيح‭ ‬ذلك‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر،‭ ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬دستورا‭ ‬جديدا‭ ‬وإنشاء‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للقضاء،‭ ‬إعادة‭ ‬تنشيط‭ ‬المجلس‭ ‬الدستوري،‭ ‬برلمان‭ ‬بصلاحيات‭ ‬واسعة،‭ ‬انتخابات‭ ‬نزيهة،‭ ‬ومجتمع‭ ‬مدني‭ ‬دينامي‭. ‬والمحطات‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬ذهبت‭ ‬فيها‭ ‬آليات‭ ‬تحميل‭ ‬المسؤولية‭ ‬والمحاسبة‭ ‬عليها‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬مطافها‭ ‬تصادف‭ ‬اللحظات‭ ‬التراجيدية‭ ‬‮..‬

 

يقول العروي «لا تتسامح قواعد الفقه في هذا الموضوع حيث السلطان مجبر على خوض الجهاد ضد العدو الكافر مهما كانت الشروط والنتائج المرجوة من هذا الجهاد، ذلك لأن نصر الله دوما ممكن وإذا لم يقم بهذا الواجب فإن جزاءه هو العزل، وهذه قاعدة عامة ليست حكرا على المسلمين، بحيث أن الأمير المنهزم يتعرض منطقيا للتضحية. وتمثل أحداث 1908 ظاهرا ثورة ضد رفض القتال، ولهذا نجحوا، وحتى الأعداء فهموا تلك الأهداف. الثورات تتشابه من حيث ميكانيزماتها لكنها تختلف من حيث غاياتها وأسبابها التاريخية… ومن الواضح أن الوضع في مغرب تلك الفترة بكل مكوناته الاجتماعية كان وضعية تخلف وعزلة وتشاؤم واتهام الذات والآخر، وكل ذلك لم يكن ليساعد على ظهور حركة واعية وناضجة ومنفتحة على المستقبل، ثورة للتجديد والإصلاح .. وأحداث 1908 تمثل، ولا يمكنها أن تمثل، غير ثورة مضادة».
هذه القراءة، المتأثرة بشكل عميق ببراديغم الدولة الأمة. بدون السقوط في التقريع باسم الوطنية، تمتاز بإيجابية إعادة وضع الأحداث في سياقها. فهي تأخذ بعين الاعتبار، على وجه الخصوص، الفارق بين نظرية المسؤولية من جهة عواقبها القصوى، التي تقتضي. تنبيه الأمة من مخاطر التفكك والاجتياح من طرف ديانة أخرى، وحدود هاته المسؤولية كما تحددها موازين القوة. والعروي يثير هنا، بدون ذكره إجبارية وجود وسائل تدوين الهزيمة والتخلي باعتبارهما النتيجة المنطقية للوضعية.. فالحالات النفسية أو قسوة تقديره الموقف لا يمكنها فعل أي شيء.. على عكس ذلك، كان العلماء الذين استشارهم السلطان مولاي عبد العزيز يعتقدون بأن المسؤولية القصوى هي منع الفوضى والحفاظ على النظام . وهذا التصور، الذي يقضي بأن المسؤولية لا يمكن أن تكون إلا أمام الله، لا تضع آليات لتحمل المسؤولية : إذ وحدها موازين القوة يمكنها أن تحدد محاربة أو لا العدو. بعد ذلك، وعلى وجه الخصوص، نجد أن تعاقد البيعة – والتي عمدت الحركة الوطنية بشكل واسع إلى فهمه ومساواته »بالعقد الاجتماعي«ـ هذا التعاقد يحدد، بطريقة دقيقة، مسؤولية السلطان الجديد، ويحدد التزاماته، أي خوض الجهاد واسترجاع المناطق المحتلة وعدم تنفيذ الاتفاقيات الموقعة من طرف من سبقوه، والتي تمس باستقلال المغرب . ونشير، بالمقابل، إلى أن الذين كتبوا العقود ( من قبيل الكتاني وابن المواز، والذين استمروا في التعاون مع السلطات الجديدة ( لم يستخلصوا ما يجب من عواقب من عدم تحقيق الشروط التي حددوها هم بأنفسهم، وظلوا أوفياء إلى مبدأ »كل شيء إلا الفتنة«. ووحده السلطان فعل ذلك بالتنازل عن العرش مسبقا بذلك تنحيته من طرف المستعمر، وهو سلوك فيه ما يكفي من الاستثنائية كي يحتاج الإشارة إليه. ومرده، بحسبنا، إلى مولاي حفيظ العالم أكثر مما هو مرده إلى مولاي حفيظ السلطان. فقد حمله ليوطي، الذي كان قد وصل للتو إلى فاس، مسؤولية تمرد الجنود المغاربة إزاء الضباط الفرنسيين.. وقد بدأ مولاي حفيظ أولا بإدانة الحادثة. وقرر من بعد »التنازل لفائدة ابنه الأكبر البالغ من العمر عشر سنين، «وقد تلا ذلك مسلسل طويل، والذي كانت خلاله سلطات الحماية، التي لم تكن قد اختارت بعد خليفته، تخشى الفراغ السياسي.. وكان السلطان يعتقد بأنه عاجز عن مواصلة الحكم، إلى درجة أنه فكر في الانتحار..( في حديث مع وزيره بنغبريط:» قال مولاي حفيظ بأنه سيذهب بعيدا إلى حد وضع حد لحياته إذا ما استمرت فرنسا في معارضة إرادته في »التنازل،« ولما رد عليه بنغبريط بتحريم الأمر الإلهي الوارد في القرآن للانتحار، كان له هذا الرد الذي يدخلنا في صميم مأساته: لقد دشنت الكثير من الأشياء في المغرب، وسأدشن الانتحار«)


الكاتب : n عرض وترجمة: عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 30/04/2024