الدولة الوطنية والبعد الامبراطوري في ملكية محمد السادس 9- تداخل الديمومات: عندما يكون للماضي البعيد وزن أكبر من الماضي القريب

كتاب «حياكة (خياطة) الزمن السياسي في المغرب: خيال الدولة في العصر النيوليبرالي..» للباحث والجامعي محمد الطوزي كتاب رفيع وتوثيقي وجد جريء في تقديم أطروحته العميقة حول الدولة المغربية. وهو عمل طويل النفس تطلب من الباحث والمفكر محمد الطوزي ورفيقته في العلم والتنقيب التاريخي بياتريس هيبو، ثلاثين سنة من العمل تخلله البحث الميداني والحوارات والقراءات في الوثائق والاحداث إلخ… ونزعم أن في الكتاب أطروحة متكاملة وبنيوية لتاريخ الدولة فيها عناصر لم يسبقه إليها أحد، حسب ما اطلعنا عليه من مقاربات بشكل متواضع طبعا وطبعا.

 

إن المنهاج النموذجمثالي واللجوء إلى المخيال يؤسسان بالتحديد قاعدة مرتكز قوي لآخر إشكالياتنا العامة: وهو تقديم تفسير عن “تشابك الديمومات”..
ونحن نسعى إلى أن نصف بأرفع ما يمكن ممارسات حكومية وتكوينات السلطة، نبرهن أن سجلات التمثل والتمثيلية، والإخراج، والفعل والعقلانية والفهم، ليست فقط تعددية بل يمكنها أن تحيل إلى فترات متنوعة (ديمومات) وبل وتحيل أحيانا إلى زمان طويل للغاية. وهوما يسميه ميشيل دو صيرطو “الزمن الرقائقي أو المُورق feuilleté حيث تتراكب فيه فترات زمنية مختلفة، فيما الأزمنة والأمكنة والمستويات الاجتماعية متقطعة والعلائق بين مختلف هاته “الطبقات – الصفائح ” معقدة ومتأرجحة وملغزة.
نحن نفضل الحديث عن زمن”مُخاط” عوضا عن زمن رقائقي..، أي زمن تمت حياكته بواسطة الجينيالوجياـ عالم الأنساب والإسناد (سلسلة الإنسان الضامن لصدقية حديث عن النبي) والتسلسلات ، والتي تشتغل من أجل ربط أمير المؤمنين بجده النبي كما تربط أبسط المؤمنين الذي يمكنه، بواسطة الأحاديث والسيرة النبوية كما تم تداولها (يمكنه) إعادة إنتاج، شعوريا أولا شعوريا، الفعل النبوي الأول، وبالتالي محو الزمن أو المدة الفاصلة عنه ..(الجوزي يفسر الكيفية التي يتم بها هذا الأمر وسط مريدي حركة التبليغ).. ويمكننا هنا أن نستحضر المَفْهَمةco‪n‬ceptualisation الفيبيرية بخصوص فكرة (التركيب والتناضد) ومنها أن الشبكة الزمانية لا تحيل على زمن ماض، بل على العكس من ذلك، تحيل على موازين منطق اجتماعي متعدد، ويمكنها وإن كانت متباينة، أن تتداخل وتتراوح في ما بينها وتفرز إعادة تمويل متبادلة، ينجم عنها بدورها سجلات جديدة للمعنى..
إن مقاربتنا تُفْرد إذن مكانة مهمة للماضي البعيد، والذي يمكن أن يكون له وزن أكبر من الماضي القريب في المخيال السياسي وفي فهم علاقات السلطة، كما في فهم هندسيات الحكم التي تتم تعبئتها. وسنرى بذلك أن السهولة التي تم بها اعتماد النيوليبرالية في المغرب يمكن تفسيرها بِتَصاديها(من الصدى) مع بعض أفعال وسِمات الإمبراطورية الشريفة..
إن الماضي البعيد لا يكتفي بالتأثير في الذاكرة واللعب عليها، بل هو حاضر عبر سجل (ريبرطوار) من المعنى، بطبيعة الحال، ولكن أيضا عبر تكنولوجيات السلطة وقد اعتبرت عادية ومفهومة، ونفس الشيء ينطبق على خصيصة الإمبراطورية الأخرى ألا وهي التوسع. وفي الواقع، لم يوجد التوسع إلا في ماض سحيق، هو مغرب المرابطين والموحدين والمرينيين…
ومع استرجاع الأندلس من طرف المسيحيين والاندفاعة الإيبيرية عاد التوسع من جديد مع السعديين، والذين ردوا على تحدي الانعزال في الجزيرة على التوسع جنوبا.. ومن المثير فعلا أن نرى السهولة التي تم بها تحيين هذا الماضي التوسعي الذي اعتقدنا بأنه مر وانقضى، عبر التطلعات الترابية وإعادة تشكيل الخرائط اللذين تليا عهد الحماية ثم عن طريق المصاحبة ـ عبر البيعة الدائمة وديناميات الهجرة ـ لمغاربة العالم يهودا كانوا أو مسلمين، وحديثا عبر السياسة الإفريقية الطموحة للمغرب، التي تلعب على “العمق” الإفريقي للمجتمع كما تفعل ذلك، بطريقة متميزة ومتكتمة، في نفس الوقت، وإن كانت ذات أثر بليغ (تفعل ) تلك العائلات الفاسية الكبيرة التي تُقدِّم بعناية من يدافع عن شرفه الخاص الأكلةَ الوطنية السينغالية «تيبودين» (أكلة شهيرة من السمك والرز والمرق بالخضر) أو التذكير بممتلكاتها في السينغال أو في غينيا..


الكاتب : عرض وترجمة : عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 01/04/2023