الذكرى الأربعينية لرحيل المناضل أحمد بويقبة

خلدت الجمعية الطبية لإعادة تأهيل ضحايا العنف وسوء المعاملة والمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف وعائلة وأصدقاء ورفاق المرحوم المناضل أحمد بويقبة الذكرى الأربعينية لوفاته، في حفل تأبيني بقاعة غرفة التجارة والصناعة والخدمات، يوم الأحد 3 مارس 2024 بمدينة خنيفرة.
وقام رفاق بالجمعية الطبية لإعادة ضحايا العنف وسوء المعاملة، القادمين من الدار البيضاء ، بني ملال ، القنيطرة، المحمدية، سلا، الراشدية، خريبكة، فجيج ، فرنسا وأمريكا بزيارة وتفقد صحة المناضل محمد أرسلي من ضحايا سنوات الجمر والرصاص بمنزله بخنيفرة.
المناضل أحمد بُويـقبَة من رجال خنيفرة، لجأ إلى المنفى الاضطراري، وحكم عليه غيابيا بالإعدام، اقتادوا أفراد أهله نحو الظلمات المجهولة لإكرامهم في ضيافة الجلادين، وبينهم شقيقته عيدة بويقبة زوجة «قائد الكومندو المسلح»، محمد أومدا، التي كانت من النساء الأمازيغيات اللائي لم ينل الجلادون من شموخها، وهي تحت رحمتهم السوداء على مدى ثلاث سنوات وخمسة أشهر تحت أبشع ضروب التعذيب الجسدي والنفسي، قبل ارتقاء معشر الجلادين بوحشيتهم، ونقلها على متن طائرة عسكرية من نوع هيلوكبتر، وتعليقها من رجليها في وضعية متدلية والتهديد بإلقائها على الأرض أو في البحر إن لم تدلهم على مكان زوجها الذي لم تكن تعلم أي شيء عن مكانه.
أحمد بويقبة من مواليد عام 1939 ببويجمان بآيت خويا، القبيلة التي ستتعرض لسياسة الأرض المحروقة، ثم ولوج ل «جامع» القرية لتعلم بعض الكلمات والحروف، ومارس الزراعة وتربية المواشي، إلى حين كتب عليه القدر أن يجد نفسه منخرطا في صفوف المقاومة ضد المستعمر الفرنسي، رفقة صهره محمد أومدا، وانتقاله من حزب الاستقلال إلى حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ومنه إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وكان قد أخذ موقعه بين المتمردين على النظام القائم والحكم الفردي آنذاك، وهو على وعي تام بأن الطريق شاق وطويل ما دام يرى، حسب قوله، أن «الاستقلال غير تام» وأن «البلاد تعج بالخونة والظلم والحيف» وقد أخذ رفاقه يؤمنون بالكفاح المسلح وسيلة للتغيير. كرة الثلج المتمرد أخذت تتكور شيئا فشيئا، وتبدأ مرحلة التنسيق مع الخارج، ثم مع الفقيه محمد البصري، عبر آيت زايد الحسين من تنغير (الذي نفذ فيه حكما بالإعدام)، وفي أوج موجات القمع والاضطهاد والعنف لجأ أحمد بويقبة مع من لجأ من «الثوار» إلى أمكنة متفرقة، ورغم مطاردتهم لعدة مرات كانوا يتمكنون من الإفلات من الاعتقال ويفضلون ظروف الجوع والعطش عن الوقوع في طاحونة الموت، وظل «الثوار» بالجبال والغابات لأزيد من سنتين، وكلهم استعداد للموت وتقبل نتائج اختيارهم من أجل تحقيق أحلامهم في التغيير والديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، وأيضا من أجل الانتصار على مشاعر اليأس والإحباط التي كان يعاني منها الشعب ما بعد حصول البلاد على الاستقلال، ولم يفت أحمد بويقبة أن يضع فاصلا بجملة قال فيها «إننا لم نكن ضد الملك بل ضد الخونة والحاكمين والمسؤولين بمراكز القرار»، على حد لسانه. في هذه الأثناء بدأ السلاح يتدفق من الجزائر ليد رفاق أحمد بويقبة عبر فكيك، بواسطة محمد سعا الفكيكي، والذي وصلت دفعته الأولى على متن شاحنة يسوقها شخص لم يتذكر بويقبه من اسمه إلا «إبراهيم»، والذي توقف بها بكولميمة ووضعها ببيت حدو اللوزي قبل نقلها إلى «تدغوست» التي انتقل إليها أحمد بوقبة رفقة موحى والحاج أمحزون وجلبا منها كمية من السلاح وبعض الرجال المدربين على حمله واستعماله، وقبل حلول شهر مارس بأيام قليلة صدرت أوامر خاصة ل «الثوار» بالنزول إلى الميدان، وذلك عبر إبراهيم التزنيتي ومحمود بنونة الذي سيستشهد، خلال اليوم الخامس من مارس 1973، في مواجهة مسلحة بأملاكو بمنطقة كولميمة صحبة رفيقه مولاي سليمان العلوي، وتم الاتفاق على يوم الثالث من مارس كموعد لإطلاق النار، والبداية من مولاي بوعزة، حيث تم التخطيط للهجوم على ثكنة للمخازنية بهدف الاستيلاء على بعض الأسلحة التي أكدت بعض المعلومات وجودها بهذه الثكنة، وأقدم الكومندو المُهاجِم على اغتيال الحارس الليلي ولم يتم العثور على أي سلاح. «الخطة الفاشلة» أجبرت الثوار على العودة إلى الجبال التي تم تطويقها من كل جانب بالعسكر والدرك، وبالمأجورين من المدنيين «الحيَّاحَة»، لتقع مواجهات واشتباكات مسلحة بين الطرفين، ومن «الثوار» من نجا ومنهم من سقط قتيلا، ناهيك عن اعتقال المئات من الأبرياء، بمن فيهم الشيوخ والنساء والأطفال، وتعذبهم بوحشية، لإجبارهم على الإدلاء بمعلومات عن أماكن «الثوار» التي لم يكن أحدا يعلم بها، وحينها أفلح محمد أومدا في إقناع مرافقيه بمغادرة البلاد نحو الجزائر، وفعلا غادرها هو وصهريه أحمد بويقبة ومحمد بويقبة، ثم احماد تغاط، ليصدر في حقهم، يوم 30 غشت 1973، حكما بالإعدام من طرف المحكمة العسكرية الدائمة. وبينما ظل محمد أومدا بمنفاه إلى أن وافته المنية عام 1986 ليُدفَن مغتربا، عاد أحمد بويقبة، في نهاية غشت من عام 1995، إلى أرض الوطن بعفو صدر في حقه عام 1980، وكان قد قضى بالجزائر مدة سنتين ليلجأ بعدها إلى ليبيا التي عاش فيها حوالي 18 سنة، ظل خلالها يتابع أحداث بلاده عبر الصحف التي كانت من بينها جريدة «المحرر»، في حين لا يزال بالجزائر رفيقه احماد تغاط وشقيقه محمد بويقبة، هذا الأخير الذي ليس سوى زوج فاظمة أمزيان التي تعد من أبرز النساء ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بمنطقة خنيفرة، والتي كانت قد اعتقلت رفقة أطفالها وتعرضت لشتى أصناف التعذيب الجسدي والنفسي، ليتم اختطافها ثانية إثر مغادرة زوجها للبلاد، واقتيدت إلى ظلمات المعتقل وهي حامل، حيث وضعت وليدها «حفيظ» خلال فترة الاحتجاز الرهيب.


بتاريخ : 11/03/2024