الرئيس الفرنسي يدعو إلى توطين القرى الفرنسية بالمهاجرين

 

في سابقة بفرنسا، دعا الرئيس إيمانويل ماكرون إلى توطين القرى الفرنسية النائية، والتي تعاني نقصا ديموغرافيا كبيرا باللاجئين والمهاجرين الجدد، من أجل سد النقص الديموغرافي الذي تعاني منه هذه المناطق، وذلك في خطاب له، هذا الأسبوع، أمام عمال المدن (محافظي المدن) الذين يمثلون الدولة الفرنسية في المدن والجهات، خاصة أن عددا من هذه القرى تقفل بها المدارس والثانويات لعدم وجود عدد كاف من التلاميذ، بل إن مصالح الخدمات العمومية تقفل هي الأخرى أبوابها مثل البريد والخدمات الاجتماعية، لعدم وجود عدد كاف من السكان.
هذا الخطاب المنفتح على الهجرة كحل لمشاكل فرنسا الديموغرافية، لا يتوافق مع النظرة السلبية للهجرة وسط الإعلام والمجتمع الفرنسيين اللذثين يعتبران الهجرة أم المشاكل في المجتمع الفرنسي وليست الحل، وهو ما يجعل التساؤل مطروحا: كيف سيقنع الرئيس عائلته السياسية وحلفاءه من اليمين الذين يعتبرون الهجرة خطرا على فرنسا وليست حلا، خاصة أن الرئيس ليست له أغلبية في البرلمان الذي يتضمن أكبر عدد من نواب اليمين المتطرف في تاريخ فرنسا؟.
مبادرة الرئيس الفرنسي المعروف برؤيته الإيجابية والليبرالية لموضوع الهجرة، تتناقض مع ناخبيه اليمينيين المحافظين، وهذه الدعوة تتناقض مع الإصلاحات القانونية التي يقوم بها وزيره في الداخلية جيرار دارمنان من أجل تسريع مسطرة طرد المهاجرين الذين لا يتوفرون على الإقامة، كما يسعى الى إعادة قانون العقاب المزدوج ضد المهاجرين، والذي تم في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي، حيث يؤدي المهاجر ما بذمته أمام القضاء الفرنسي في مرحلة أولى وتتم معاقبته مرة ثانية، من خلال طرده نحو بلده الأصلي.
حاليا، تسعى فرنسا ووزير داخليتها إلى تكثيف عدد المطرودين من فرنسا، وتسريع دراسة ملفات اللاجئين الذين وصل عدد طلباتهم سنة 2021 الى 100 ألف طلب حسب الإحصاءات الرسمية. كما تسعى فرنسا إلى تسريع وتيرة طرد المهاجرين بدون إقامة، حيث ارتفع عددهم ب8.2 في المائة سنة 2021 مقارنة مع سنة 2020، إذ تم طرد حوالي 13 ألف مهاجر من التراب الفرنسي. وتقوم وزارة الداخلية بمشاورات واسعة مع العاملين في هذا المجال حتى شهر أكتوبر من أجل دراسة كيفية تسريع وتيرة الطرد.
وكما أعلن الرئيس في خطابه أمام العمال، سيتم وضع مشروع قانون جديد أمام البرلمان في سنة 2023 من أجل إصدار قانون جديد للهجرة واللجوء أكثر تشددا ويسهل مسطرة طرد المهاجرين.
يتم ذلك في إطار التوتر الذي تعرفه العلاقة بين فرنسا وبلدان المغرب العربي، خاصة المغرب حول ملف التأشيرة الذي استعملته فرنسا منذ الحملة الانتخابية الأخيرة كوسيلة ضغط على بلدان المنطقة، وتسريع وتيرة طرد المهاجرين بدون إقامة. وهو ما خلق توترا في العلاقة بين الجانبين وعرقل التعاون الجامعي والاقتصادي والتبادل البشري بين الرباط وباريس، والذي ستكون له آثار سلبية على التبادل والتعاون في المستقبل بين البلدين.
سياسة توطين القرى التي دعا إليها الرئيس، بالإضافة الى معارضة المحافظين اليمينين لها ، تطرح مشكلا آخر وهو هل المعنيون بالأمر، أي المهاجرون، مستعدون للعيش في المناطق والقرى النائية بفرنسا؟ وهل سيقبل بهم سكان هذه القرى؟
حاليا، تتم تجربة بمنطقة البروطان، في قرية كلاك، وذلك من خلال اتفاق بين هذه الجماعة القروية وإحدى المؤسسات الخاصة التي تمول هذه العملية، وذلك من أجل توطين عدد من المهاجرين لمواجهة النقص الديموغرافي، ومن خلال برنامج للتكوين، لكن المعارضين لهذه العملية قاموا بحملة توقيعات ومظاهرات بالمنطقة، وقال اليمين المتطرف إن سياسة «تعويض السكان» وهي نظرية عزيزة على اليمين المتطرف، قد بدأت، وأنه سوف يتم تعويض السكان الأصليين بالأفارقة والمسلمين. قضية كلاك مازالت في بدايتها، فهل سينجح المتطرفون المدعومون من طرف بعض السكان الخائفين في إفشال هذا المشروع الذي يبدو أنه نال إعجاب الرئيس الفرنسي؟.
هذه المبادرات حول الهجرة التي تقترح من قمة الدولة الفرنسية، وتعدد القوانين حول الهجرة التي تتغير بوتيرة تجعل حتى الموظفين العاملين في هذا القطاع عاجزين عن فهمها وتطبيقها، تجعل من فرنسا أكبر بلد يستضيف الهجرة غير الشرعية، وبه مئات الآلاف من المهاجرين بدون إقامة، حيث تتحدث آخر التقديرات عن وجود ما بين 600 و700 ألف، في حين أن المساعدة الطبية للدولة المخصصة للمهاجرين بدون إقامة، يستفيد منها 380 ألف مهاجر فقط، وهو ما يعني أن الباقين لا يستفيدون من التغطية الصحية.
ومن المقترحات التي تناقش بفرنسا ،أيضا، نجد سياسة الكوطا التي يقترحها بعض المسؤولين لسد النقص في اليد العاملة، منهم وزير الداخلية جيرار دارمنان الذي لا يرى مانعا من استقبال كوطا من المهاجرين لبعض المهن أو القطاعات التي تعاني نقصا كبيرا في اليد العالمة كقطاع الفنادق، الزراعة، البناء والمطاعم، وهو الاقتراح الذي تعارضه إليزابيت بورن الوزيرة الأولى، التي لا تتصور قبول كوطا للهجرة بوجود مليونين من العاطلين بفرنسا الذين يجب تكوينهم لشغل هذه المناصب، وهو ما يعني أن النقاش سيكون ساخنا حول قانون الهجرة الذي سيناقش بالبرلمان في شهر أكتوبر، حيث إن الحزب الحاكم وحلفاءه ينقسمون حول الموضوع، وسياسة الكوطا يدعمها الوزير الأول السابق إدوارد فليب ورئيسة فريق الأغلبية بالبرلمان أورور بيرجي.
تعاني فرنسا من نقص ديموغرافي، وعدد كبير من القطاعات في حاجة الى مئات الآلاف من العمال، لكن الخطاب السلبي السائد في الإعلام والرأي العام الفرنسي، يدفع السياسيين الى مسايرة الرأي العام في هذا الاتجاه السلبي نحو الهجرة، مما يضر بالاقتصاد الفرنسيـ حيث أن الجدل حول الهجرة لا ينتهي في بلد يضم أكبر حزب يميني متطرف رغم أن نسبة الأجانب في المجتمع الفرنسي هي قليلة، لا تتعدى 7 في المائة مقارنة مع باقي البلدان الصناعية وهي سياسة لها تأثير سلبي على الاقتصاد الفرنسي وديناميته، والذي يعاني من نقص كبير في اليد العاملة.


الكاتب : باريس: يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 20/09/2022