الريف والكيف.. هل ينهي تقنين الاستعمال الطبي للقنب الهندي هشاشة وبؤس أزيد من 30 سنة؟

بادر الملك محمد السادس إلى تنظيم إنتاج وزراعة القنب في شكل قانوني يحفظ كرامة المزارع والموزع على حد سواء، ساعيا إلى جعله جزءا من القطاع الزراعي بالمغرب، مثل مجموعة من الدول الأخرى، وأيضا للاستفادة من أن المغرب «أكبر منتج للقنب في العالم»، مما سيحيل هذه الزراعة لتكون دافعة اقتصادية للمنطقة ومولدة لأنشطة قانونية مستدامة وفرص شغل عدة، وتوفير مكاسب مالية هائلة كانت مهدورة حتى وقت قريب…
إن تقنين القنب في المغرب سيمكن المملكة من وضع نفسها في خضم العجلة الاقتصادية الدولية لهذا المنتج، الذي يمثل فيها اقتصاده قرابة 30 في المئة من الاقتصاد الدولي، وما يقرب من 60 في المئة على المستوى الأوروبي، إلا أن العديد من الصناعيين لا يخفون رغبتهم التوسعية في المجال، والتي تقلق منتجي القنب الأصليين في المنطقة، والذين كما وصفهم وثائقي قناة (Arte) في لقاء للصحفيين «مود نينوف»و «ليزي ترو» بـ»المزارعين الذين عاشوا على الهامش لعقود.. والذين يخشون على أنفسهم أمام حيتان تجارة الأدوية المحليين والدوليين».

الكيف.. حيث كانت البداية!

«هنا..هنا أين ولدت.. وحيث أريد أن أعود وأدفن تحت ذلك التراب!.. لماذا؟، لأن القدر يجذبني إلى هنا، ولأن من مسؤوليتي أن أدافع عن الريف…»، كانت هذه كلمات أحد المزارعين «عبد اللطيف» (68سنة) الذي قبل الحديث إلى صحفيي قناة «Arte»الفرنسية…
إن الصراع سيشتد بين المزارعين القدامى المحليين، وبين من يجذبهم الربح الهائل للتجارة الدوائية للقنب في المنطقة، ومن المؤكد أن عوامل عدة تساهم في تقوية شدة الصراع، من بينها «سوء الفهم»الذي تبديه الدولة لهؤلاء المزارعين البسطاء الذين لا ترى فيهم سوى «تجار ومهربين» للقنب. يتابع محاور القناة جولته في أرض زراعية بها ما بها من القنب في كل ركن تقريبا، حيث يلتقي مجموعة من الأطفال يشير إليهم بأنهم «مستقبل»المنطقة، قبل أن يلتقي فلاحا على يديه آثار الزمن الذي قضاه في زراعة القنب، أو كما وصفهما ب»يدين كالحجر»لرجل بلغ من العمر 63 سنة.
يقول عبد اللطيف إن غالبية الفلاحين هنا بسطاء لا يملكون سوى الكيف كمدخول مادي مهم بالنسبة إليهم، ولأجل الدفاع عنهم فقد جاب العالم بأسره، وحضر عدة ندوات ومؤتمرات دولية، أبرزها مؤتمر صحفي للأمم المتحدة في جنوب إفريقيا عام 2018، ذكر فيه للجنة الأوروبية «استعداده التام للعمل معهم»ونتج عنه قرار «تاريخي»للملك بتقنين زراعة القنب لأجل أغراض طبية وعلاجية وتجميلية كذلك. يصيف عبد اللطيف بأن «القرار الملكي قد أخرج المزارعين والمنطقة من دائرة المحرمات.. ومكن المغرب من التموقع في مصاف الكبار في المجال، حيث أصبح القنب بعيدا عن النظرة السيئة وتحول لموضوع مهم لبلدان عدة كالولايات المتحدة وكندا، وذلك بفضل الإمكانيات المهمة التي نمتلكها له، لأننا المنتج الأول عالميا للنبتة الخضراء.. لهذا سيكون علينا الاستفادة من هذه الميزة بأكثر قدر من القانونية».
إن تقنين القنب (الكيف)، سيقلب لا محالة القوانين في الريف، فمع تحول المهربين بمرور الزمن لـ»رجال أعمال»محترمين، سيضطرون أيضا لمواجهة القوة التي ستبديها الشركات الدولية وضغوطها على صغار الفلاحين والمنتجين، كما ذكر أحد الفلاحين لعبد اللطيف، الأخير الذي يرى أن «الأمر لن يكون صعبا كما كان عليه الحال قديما وبفضل المبادرة الملكية… إلا أن قدوم كل من هب و دب قد يصعب المنافسة علينا نحن الصغار.. وسيكون عليهم العمل معنا جنبا إلى جنب لنكون شراكة «رابح – رابح قوية».
من الطبيعي التفكير بهذه الطريقة، مع العلم بأن سوق القنب الطبي العالمي قد تبلغ قيمته بحلول سنة 2025قرابة 60مليار أورو، وبأن القانون وحتى إن لم يطبق بعد، فإن الشركات والمختبرات الطبية الوطنية خاصة، باتت تنتظر الضوء الأخضر له، من بينها مختبر «فارما أكاديمي» (Pharma Academy) ضواحي الدارالبيضاء على مساحة 12ألف متر/مربع مجهزة بأحدث التقنيات الطبية، حيث يعمل المهندسون كل يوم على تطوير منتجات طبية أساسها القنب (حبات أو قطرات لعلاج مشاكل الأطفال من قبيل النوم مثلا) استعدادا لتفعيل المشروع الملكي.
تقول المسؤولة عن المختبر، إن «على الجميع الاستثمار في هذا القطاع، لا يمكن تفويت فرصة مهمة كهذه، مع علمنا بأن هذه السوق تبلغ قيمتها السوقية حوالي 20مليار دولار، وأن قرابة 80 في المئة من إنتاجها توجه للاستهلاك غير القانوني منه، علينا أن نعلم أن القطاع العلاجي للقنب، يغيب فيه اللاعبون الكبار الأساسيون لتحريكه طبيا». على المستوى الدولي، بدأت وأتممت دول عدة تقنين استهلاك القنب، وهذا ما دفع بالمختبر للمشاركة في كل ما له علاقة بتقنين القنب، مرسلا إلى فرنسا مندوب مبيعات المختبر(سفيان) للترويج للقنب المغربي والعلاجات الطبية التي يقدمها المختبر على أساسه.
في معرض (CBD) الذي يقام في باريس لهذا الغرض، يحضر عدد لابأس به من المهتمين بالقنب على الأساس الطبي، مروجين كل واحد من جهته لمواد منتجة من القنب تتنوع بين العطور والمواد التجميلية والعلاجات الطبية (أقراص هلامية للنوم) من إحدى الشركات السويسرية، التي أكدت لسفيان أن «للمغرب القدرة على إنتاج القنب بجودة وقوة أكبر مما لدينا في سويسرا أو في أوروبا.. كما أرى أن المغرب، وعلى وجه التحديد «المركز الأساسي»لإنتاج القنب وتصديره للعالم». يقول سفيان، من جهته «إنه، وفي السنوات القادمة، سيكون للمختبر الذي يمثله، القدرة على التموقع ضمن مصاف أبرز 5 لاعبين دوليين في إنتاج العلاجات الطبية وغيرها على أساس القنب.. نعلم أن للمغرب القدرة على ذلك، وسنعمل من جهتنا على إظهار واستغلال هذه القدرات واستخدامها بما يصب في مصلحة المرضى خصوصا».

الريف.. من البؤس
إلى التنمية؟

لكي يستفيد المغرب من هذا الكنز الطبيعي، سيكون عليه أن يحول هذه الأرض التي تعتبر من بين أفقر مناطق المملكة حيث يزرع القنب في مساحة تبلغ 55 ألف هكتار ( 5 مرات منطقة باريس) والتي يعيش ساكنة قرية «أزيلا»على ما يحصلون عليه من بيعه، من بينهم فاطمة (60سنة) التي بنت لها مشتلا على سطح المنزل لزراعته من خلال «قرض»، وتقول إنها تعتني به كما تفعل مع حفيدتها زينب.
يبدو الريف، الإقليم الذي يسكنه مواطنون (400ألف من العائلات) تحولوا لزراعة القنب لمواجهة ظروف الحياة الصعبة، منطقة تعاني من ظروف هشاشة واضحة أجبرت فاطمة على سبيل المثال لا الحصر، على العمل لما يقدر ب15ساعة/يوميا لإعالة 12فردا من عائلتها، مذكرة بأن «العمل شاق جدا، ويستمر بلا راحة ب4أشهر متواصلة، انطلاقا من 5صباحا كل يوم»، وتضيف «إن لم نعمل، فلن نجد ما نقتات عليه لغياب المصانع للعمل».
سيكون للقرار الملكي، وقع ذو بعد مستقبلي مهم على المنطقة، إذ سينهي «سنوات من الاستغلال لزراعة كان مسموحا بها ومحظورا التجارة فيها»، على أن فاطمة لا تعلم متى سيعمل بالقرار الملكي، غير أنها متأكدة من أن «ما يمليه الملك من قرارات فهو صائب لا محالة وهي مقتنعة به وبشدة، وأنه يعمل على أن لا نشعر بالمعاناة من جديد وأن لا نتعايش معها نهائيا كما كان الحال مسبقا». فبالرغم من الهشاشة والبؤس الذي يعانيه السكان بهذا الاقليم، إلا أنهم يعانون أيضا من تجار وسياسيين فاسدين، ومن تاريخ طويل من شظف العيش كما أن الشرطة كثيرا ما صادرت محاصيلهم من هذه التجارة الممنوعة قانونيا، وهو أمر أحال الريف إلى منطقة يسود فيها «قانون الصمت» و»الخوف من الإدانة»، وفي مكان يضرب فيه طبل «القنب»كل يوم لإعداده للاستهلاك، ولا يأتي أحد لطلب زيت الزيتون بالرغم من كثرة أشجاره في المنطقة، كما يقول مصطفى (34سنة) الذي يشتغل في القنب (الكيف) منذ 20سنة، حيث تجفف النبتة وتضرب في ما يشبه الطبل إلى أن تصبح مسحوقا أشبه بـ»مسحوق الحناء»من حيث الشكل، ويبيع مصطفى غلته بنفسه وقد يتخلى عنها لأجل 40أو 50 يورو إضافية على الكيلوغرام الواحد (200يورو للكلغ قبل أن يعاد بيعه ب4000 يورو فور وصوله لأوروبا).
في كل ركن من الريف، تدفع العائلات الريفية منذ 30سنة ثمن عملها في الكيف، حيث يمر أبناؤها بمتاهات السجون على فترات متباعدة ومتقاربة في حياتهم، ولذوي الحظ السيء فتراهم يهلكون أثناء عملية نقله إلى أوروبا، في فترة عجزت السلطات المغربية عن وقف حركة نقله بين الضفتين. في تطوان، يعمل محامي من المنطقة على القضايا المتعلقة بالقنب، لدرجة أنه لا يملك مكانا حرفيا في مكتبه وصولا إلى المطبخ ليضع ملفات القضايا فيه! نتيجة لنضاله الدائم ضد الفساد، الذي أدخله في دائرة التهديدات من عدة جهات إحدى الحالات التي زارته، كانت لشخص اتهم زورا (بحسب قوله) بحيازة الكيف، وأثناء التحقيق أجبر على الاعتراف بالذنب رغم غياب الحجة.
في الأخير، سيمكن مشروع القانون الجديد من إنهاء سنوات من القمع والصراعات بين الفلاحين والمزارعين الصغار والسلطات، وسيبعد سحابة عدم الثقة على غرار ما ذكره عبد الحفيظ أحد من قضوا في السجن سنوات عديدة بسبب قضايا القنب والمتاجرة به، حيث قال: «هناك شروط لابد منها لكي تتغير أحوال المنطقة للأحسن.. أولها وأهمها العفو عن كل المطلوبين من وراء تجارة الكيف»، ويعقب: «نحن سعداء بهذا القانون، إذ سيتحلل به الخوف الذي عشنا معه منذ زمن.. غير أننا لا نعلم حقا كيف سيتعامل معنا بعد إقرار العمل به، وأن ما نعلمه أن الوكالة الوطنية لتقنين القنب الهندي موجودة على أرض الواقع»، ويضيف أحدهم «نتمنى أن تستفيد المنطقة حقا من القانون المنظم، لأن الهشاشة سيقضى عليها بفضل التنمية والمصانع التي سيستفيد منها أطفالنا وشبابنا».


الكاتب : ترجمة: المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 27/10/2022