الزلزال وما بعده

هزة أرضية وزلزال، رجات قوية أحس بها الجميع، في الطابق الخامس أحسسنا بها عنيفة أكثر، في الحي المحمدي الآن كل شي خارج للشارع.
كنت أغسل يدي بعد وجبة العشاء، فجأة رأيت لاڤابو يرقص بطريقة عنيفة، نظرت أسفله متوهما احتمال تسبب الصنبور في هذه الشطحة الغريبة، أحسست بالجدران تتحرك، فقلت للعائلة هذا راه الزلزال.
في مشروع الحي المحمدي، عادة يمتلئ الشارع الرئيسي المتقاطع مع الشارع المؤدي لسوق السلام، بجماهير الوداد أو الرجاء أو الطاس إثر كل فوز جميل أو إنجاز رياضي تاريخي، البارحة لفظت الدور والشقق والمقاهي جميع ساكنيها، تفادينا المصاعد، نزلنا الأدراج، وفي الخارج التقى جميع الجيران ، سكان عمارة مكونة من ثمانية طوابق وثماني وعشرين شقة كلهم في العراء، بعض الجيران لم أرهم ولم ألتقهم منذ شهور، حتى الذين بينهم خصومات وحدهم الرعب، الصراخ والهلع والبكاء الهستيري وانتظار الأسوأ، استوعبوا الذي يحدث، تبادلوا أحاديث الخائفين واتفقوا على المبيت خارج الشقق.
أن تبيت ليلتك في العراء هاربا من الموت، في حديقة عمومية أو شاطئ صار جاهزا للمصابين بالرعب، تجربة غريبة وتفاصيلها مخيفة، أما إذا تعلق الأمر بأعنف زلزال عشته فجأة وفي حيز زمني لا يتجاوز الدقيقة، فالعقل عاجز عن ضبط جزئيات الكارثة، والقلب المعطوب يستسلم لتداعيات ما بعد الرجة الكبرى، وما بين شلل العقل العاجز وأعطاب القلب المكابر مسافة هواجس مفترضة وبصيص أمل في النجاة.
في هذا الوقت الموسوم بالصدفة المزعجة، اختفى الموقع الفضائحي المهووس بمطاردة العاهرات والمنحرفين وذوي السوابق، من منكم رأى موقعا مخابراتيا يقوم بمهمة «البرگاگة» والتحايل على ضحاياه لانتزاع اعترافات وحقائق يهتم بها بوليس الجرائم المتناسلة؟ يا سادة.. أين اختفت شوفني وتيڤي؟ لا حس ولا خبر عن صحافيي الارتزاق وصحافيات التسول بمآسي نساء الليل ولصوص الهوامش المستباحة!
ومع كل مصيبة يهرع إلينا سماسرة الظلام والتخويف من الموت بلحاهم البشعة، يغرقون وسائط الاتصال بحقاراتهم الغبية، دعاء الزلزال غ خليوه عندكم، الأهم الآن هو إنقاذ الحاصلين تحت الأنقاض.
والجعواق القزحي ذو اللحية السائبة لديه إحساس صخري بأن الأمة لا تستطيع الحياة سوى بأوامره وتعليماته وتهديداته ووعيده الخرافي البليد، مسح لحيته البشعة بيمناه السمينة، أطل على الناس صارخا متوعدا ناهقا في من أدمنوا برازه المدنس، قال: «قلتها لكم، إن الله يعاقبكم على ذنوبكم وعدم اتباعكم لأوامري المقدسة، ها هو الموت يأخذ رجالكم وأطفالكم ونساءكم، وها أنتم مجبرون على الخضوع لرغباتي واستيهاماتي واحتلامي، فتذكروا!!! «
طيب قلت يا وجه النحس إن هذا الزلزال والهلع المقترن به بسبب ذنوبنا، لكني أسألك لأزيل الغصة من حلقي المزدحم بالتفال وأخلص البلعوم من تنخيمة التقزز والاحتقار: «ما هو ذنب الصوامع والمساجد وأماكن عبادة استوت جدرانها مع الأرض؟ ما ذنب المنابر الفاخرة ومكبرات الصوت ومصابيح أضواء مواقيت الصلاة؟» أعرف أنك لن تعدم الجواب، أنت ملقح بلقاح الإلحاح على الخديعة وعدم الاعتراف بالخطأ، ومع ذلك أكرر عليك السؤال: « ما ذنب الصومعة والذي يؤذن بها؟»
في تواصل بين أستاذتين:
ـ إنا لله وإنا إليه راجعون
ـ الرحمة والمغفرة
ـ رشيدة كل تلاميذي ماتوا
عيطت عليهم دابا
قالوا لي كلهم ماتوا
أقسم بالله
ممصدقاش
قالوا لي
كيحطوا موتى الدوار في المدرسة
أكثر من النصف مات
أحواز البهجة التي أحب، كلما زرت مراكش الحبيبة، أخطط لزيارتها والتمتع بطبيعتها السخية، في الطريق إليها، كنت أتوقف لأتمتع بمناظرها وجمالها الأخاذ، إمليل أغمات تاحناوت ولماس أوريكا سيتي فاطمة تيغدوين، أتذكر تفاصيل بناياتها ودواويرها، وبيوتها الطينية الراكبة فوق بعضها البعض، والآن .. اختفت الكثير من الدواوير، وبعضها ودع ضحاياه، مات بها كل الرجال، وبكت الثكالى والأرامل والأيتام، صعب جدا هذا الرحيل المفاجئ، ومؤلم اختفاء العديد من الأحبة.
تكون في حضن عائلتك الدفيء، وفي رمشة عين، تفقد الأب والأم والإخوة، ومن نجا يتفقد محيطه، ينادي بالأسماء، حسن إلهام إيناس إلياس والزوج، لا أحد يرد النداء، لا أحد نجا من تحت الأنقاض، وفي لحظة عدم بيضاء، يداهمك الإحساس باليتم، وتتغير الحياة للأبد، فما أقساك أيها الموت حين تهجم دون مقدمات.. وما أكبر الفاجعة!
وما يخفف من حدة وقسوة الألم، هذا التعاطف العالمي الكبير مع وطني الحبيب، وهذا الحب غير المشروط، قبل شهور اجتمع العالم كله بصورة غير مسبوقة أمام شاشات القنوات العالمية لمتابعة دقائق محاولات الإنقاذ في فاجعة الطفل ريان، وقبلها بأسابيع وقف العالم مشدوها أمام معجزة أسود الأطلس في مونديال قطر، واليوم أظهر العالم إنسانيته والجميع أعلنوا تضامنهم في الحين، أوقفوا المؤتمرات ووقفوا دقيقة صمت وبكوا وتبرعوا بالدم والمساعدات الإنسانية، فعلا.. ما أروعك يا وطني الحبيب.. تفرح فيفرح العالم لفرحك، وتحزن فيحزن العالم لحزنك !!


الكاتب : حسن برما

  

بتاريخ : 12/09/2023