الزمن النحوي في قصيدة «باقة طريق الليل طويلة» للزجال عبد الرحمن فهمي

 

إن تحديد الزمن الإشاري المرتبط بشكل مباشر بزمن التلفُّظ المنبثق من الزمن النحوي الذي لديه وظيفة سياقية يؤديها الفعل أو الصفة كما قال تمام حسان، إذ إن ظاهرة الزمن السياقي النحوي باعتباره جزءا من الظواهر الموْقعية السياقية يعمق دلالة الفعل على زمن ما وافق قرينة دالة.
ولأن الزمن النحوي هو زمن الجملة بمجموع ما فيها من قرائن لفظية ومعنوية وحالية، ولأن دور هذه القرائن هو توجيه الزمن، فقد بات من المتعذِّر الحديث عن الزمن النحوي من غير فهم اصطلاح الجهة في الزمن طالما الجهة هي مجموعة سمات الحديث التي تمكّن من قياسه ووصفه زمنيا فهو ممتد أو غير ممتد أو لحظي تحديدا لدلالة الفعل إما زمنا أو حدثا.
والفعل هو ركن مهم في بناء الجملة سواء في اللغات أو في اللهجات لأنه لا يعدو أن يكون تعبيرا عن حدث يجري على أزمنة مختلفة، ودلالته على الحدث يأتي عن اشتراكه مع مصدره أو صفته في هذا الحدث.
وليس القول الزجلي المغربي بدْعا بين سائر اللهجات وأشعارها، حيث دلّ استقراؤنا لمجموعة من الدواوين الزجلية على نضج الفعل في الدارجة المغربية وقدرته على تصوير دقائق ورقائق الزمن.
وبالانعطاف على قصيدة (باقة طريق الليل طويلة) للزجال المغربي عبد الرحمن فهمي نجد أن الفعل فيها تَمَحْرَقَ بين ثلاثة معانٍ زمنية:
1) إفادة ما مضى (الماضي)، مثل فعل (باقة) في الشطر الأول.
2) إفادة ما هو كائن لم ينقطع (الحاضر)، مثل فعل (نكول) بكاف معقودة في الشطر الثاني.
3)إفادة ما يكون ولم يقع (المستقبل)، مثل (أري) في الشطر الثامن.
ويُعزى هذا الاختلاف في المعاني الزمنية إلى التناوُبات الصيغية الزمنية التي تُنْزَع في القصيدة المدروسة وتلوّنتْ جهتها الزمنية إلى خمس كيْنونات زمنية من خلال أفعال القصيدة التي بلغت خمسة عشر فعلا، هي (باقة، نطول، تزاد، تم، بقات، أري [مرتان]، شعليه، زيدي، تاهت، راه، مازال [ثلاث مرات]، تكد)؛ حيث يمكن تحديد الجهة الزمنية لهذه الأفعال إلى (ما مضى) و(ما يكون) و(ما لم يقع) و(ما هو كائن) و(ما لم ينقطع).
وبالرجوع إلى الأفعال الماضية من هذه الزمرة الفعلية، نجد الزجال عبد الرحمن فهمي قد نوَّعَ جهتها الزمنية والحَدَثِية مما أدى إلى تلوين سياق الجهات الزمنية في النص والتي يمكن إجمالها في الجدول الآتي:


وإذا كان الفعل المضارع هو أشبه بالاسم في الإعراب، فإنه تارة يدل على الحال وأخرى على الاستقبال ولا تحددهما إلا قرينة السياق؛ إلا أن الفعل المضارع في القصيدة الفهْمية تنوعت جهته الزمنية، فطلّ تارة على التعبير عن الزمن الماضي إذ تحوّل زمنه من صلاحيته للحال أو الاستقبال إلى الدلالة على حدث ماضوي ، مثل فعل (نكول) و(نكد) اللذان إن اشتملا على ماضوية الزمن الجِيهِي فإنهما يشملان على استطالة الزمان توقُّعاً واستشرافا للوصول المفترض للشاعر بعد طيّ مسافاته إن لم نقلْ معاناته.
فضلا عن توظيف الشاعر فهمي لإوالية الحال من خلال صفات مشبهة وغير مشبهة، وقد تعاورت في القصيدة ستّ مرات جعلت الدلالة الحالية لأفعال المضارعة راجحة عند تجردها من القرائن، وهذه الصفات الواردة في النص، هي: (طويلة [مرتان]، ثقيلة، دليلة، عليلة)، فمن خلال هذه الصفات الحالية تنوعت جهة الحال إلى: عادي وتجددي واستمراري.
وإذا كان فعل الأمر نقيض النهي، فإن الفعل الأمر يُصاغُ من المضارع لائتلافهما في الدلالة على المستقبل ويتمّ ذلك بنزع حرف المضارعة من فعل الأمر الحاضر، وهذا الرأي ينسب إلى البصريين الذين يعتبرون فعل الأمر قِسْماً قائما بذاته، ونحن إلى هذا الرأي نميل.
والأمر الذي وظفه الشاعر عبد الرحمن فهمي خرج عن أصله وهو طلب فعل الشيء إلى أغراضَ بلاغيةٍ عمقت جهته الزمنية، فمنه ما هو دالّ على الاستقبال ومنه ما هو جال على الحال كفله الأمر (شعليه) الذي يدل على الاستقبال في اطراد الإضاءة وديموميتها وفعل (زيدي) الذي يدل على حال الزيادة وفعل (أريْ) الطّلَبي.
بعد هذه الرحلة الممتعة في دروب الزمن النحوي في قصيدة (باقة طريق الليل طويلة)، يمكن أن نخلص إلى مجموعة من النتائج:
* جنوح الشاعر عبد الرحمن فهمي إلى الدلالة الزمنية لصيغة الفعل الماضي بأبعاد جيهِية مختلفة كالماضي البعيد والبسيط والقريب من الحال.
* ورود صيغة الفعل المضارع مع تغيير دلالتها إلى حال واستقبال حسب القرائن المعنوية واللفظية الواردة في السياق.
* عدم ورود صيغة فعل الأمر مع أي قرينة لفظية بل تنوعت دلالاتها وفق القرائن المعنوية.
وبالجملة، فإن مفهوم الزمن النحوي ذو وظيفة سياقية طالما الزمن ينبع من الجملة بما فيها من عناصر مختلفة، وقد استثمر الزجال فهمي في قصيدته موضع الدراسة للكشف عن دلالات زمنية تخدم دلالة السياق المنشعب تشعب الطريق الليلي الذي يَعُقُّ الآمل بالوصول.


الكاتب : د. أنس أمين

  

بتاريخ : 02/11/2021