السي عبد الواحد الراضي وداعا

الاتحاد الاشتراكي يفقد واحدا من رجالاته الأفذاذ

لله أكبر لله أكبر لله أكبر
بعيون دامعة وقلوب مفجوعة مؤمنة بقضاء لله وقدره تنعي ‬قيادة الاتحاد الاشتراكي‬ للقوات الشعبية،‬ يتقدمها الكاتب الأول الأستاذ ادريس لشكر ‬رحيل الأستاذ‬ المناضل عبد الواحد الراضي. ‬ومع ‬هذا المصاب الجلل‬، ‬المتمثل في‬رحيله إلى دار البقاء، ‬يكون حزب القوات الشعبية قد فقد ‬واحدا من قادته الأفذاذ‬، ‬وأحد رواده الأوائل ‬وابنا من أبناء الرعيل الأول للحركة الاتحادية‬، ‬والكاتب الأول السابق للحزب.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
‬إن الاتحاد ‬ينعي‬ في‬ رحيله مناضلا‬ ترعرع في ‬أحضان الحركة الوطنية، ‬في‬أجواء الأسرة الوطنية العريقة، ‬وينعي‬ مع رحيله‬ أحد الوجوه البارزة في‬الحركة التقدمية المغربية، في الخارج إبان الاستعمار، وفي صفوف جمعية الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا عندما كان يتابع دراسته بالسوربون بفرنسا ثم في الداخل بعد الاستقلال ‬حيث ارتبط اسمه بالأنوية الأولى لحركة الشبيبة الوطنية التقدمية،‬ بمشاركته الطليعية في‬أوراش التعبئة الوطنية، ‬حيث شارك في‬ عملية التطوع الكبرى «‬طريق الوحدة» ‬التي‬أنتجتها العبقرية المغربية التعبوية ‬بقيادة الراحل محمد الخامس ومجموع القادة الوطنيين‬ في ‬بناء الاستقلال‬،‬ وإلى ذلك كان الفقيد العزيز واحدا من الأسماء النشيطة ضمن الأنوية ‬الطلابية ‬في‬ كل جبهات الفعل الجامعي‬ النضالي ‬المؤسِّسة،‬ كما كانت له مساهماته المشهود له بها‬ كأحد الأساتذة المغاربة الرواد المخلصين الذين كانوا‬ وراء بناء صرح الجامعة المغربية، ‬وإطارها العتيد‬ النقابة الوطنية للتعليم العالي.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
سيظل اسم عبد الواحد الراضي، ‬الشاب والأستاذ ‬والمناضل القيادي‬ مرتبطا شديد الارتباط‬، ‬بالقيادات الوطنية الأولى للحركة التقدمية،‬ منذ المهدي ‬بن بركة، ‬الذي ‬كان أول من تقاطعت طريقه معه، ‬كقيادي ‬فذ وكرائد من رواد الوطنية المغربية، ‬وعاش الراحل‬ معه سنوات العمل عن قرب في ‬فترات فجر الاستقلال‬ ثم ميلاد الاتحاد الوطني ‬للقوات الشعبية، ‬كما سيرتبط اسمه من بعد استشهاد المهدي‬ بالفقيد الوطني ‬الكبير عبد الرحيم بوعبيد، ‬باعتباره مهندس النضال الديموقراطي‬ والواقعية النضالية المنتجة .‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
سيذكر التاريخ لعبد الواحد الراضي ‬انتصاره الصريح لقيم الحداثة السياسية والفكرية والمجتمعية‬،‬ ثابتا على قيمها‬ وسط الإعصارات التي ‬ضربت بلادنا، ‬كما ستحفظ له ذاكرة‬ الحركة التقدمية في‬المغرب‬،‬ أنه ظل ‬نصيرا للواقعية السياسية ‬النزيهة، ‬مرتبطا بالقيم التي ‬تربى عليها في‬ صفوف الاشتراكية الديموقراطية بأفقها الكوني.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
عبد الواحد الراضي ‬الذي‬ رافق كل أجيال الفعل السياسي‬،‬ في‬المعارضة ثم في‬ تدبير المؤسسات الوطنية الديموقراطية، هو أيضا رجل مبادئ وثوابت تؤمن بتحصين الفعل الجماعي، ‬حيث تمسَّك،‬ في‬أعتى لحظات الشك‬ العام في ‬مغرب التحولات‬، ‬بالثقافة المؤسساتية وجدلية التراكم من خلال العمل الدؤوب، ‬ولم‬ يسجل عليه أبدا أنه ‬تخلى عن قيم العمل الجماعي‬ وعن الخدمة الوطنية النبيلة…‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
‬إلى ذلك تحمل الأستاذ عبد الواحد الراضي ‬ودفع ثمن ظروف السنوات الصعبة للمغرب في ‬سنوات الرصاص كما كان حال إخوانه ‬وأخواته في‬الاتحاد،‬ ولم ‬يتنازل في‬ كل معاركه، ‬بالرغم من كل ذلك،‬ عن العقلانية السياسية‬، ‬التي‬ تنتصر إلى الحوار والإنصات والدفاع ‬عن المشترك الوطني‬ الكبير، ‬حيث ظل عربون الصدقية والنزاهة ونموذج الوطني ‬الذي ‬يُجسِّر الفجوات بين مكونات الحقل الوطني ‬في ‬الأيام الصعبة.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وعرف عن الفقيد إنصاته العميق،‬ وروحه الديموقراطية وقدرته الهائلة على التحمل،‬ ‬وإيمانه العميق ‬بالأخلاق في ‬السياسة ‬إلى درجة أنه جعل من نكران الذات والإقناع‬ وحسن الإصغاء والتواضع ‬والحس المشترك قيما ثورية لا بد لها لمن‬ يضع نفسه رهن إشارة بلاده ‬وأبناء بلاده. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وعُرف عن الفقيد تعدد روافده الثقافية، ‬قراءاته المتعددة في‬الفلسفة السياسية والاجتماعية المعاصرة وسِعة أفقه الإنساني ‬مما أهله أن‬ يكون صوت بلاده في ‬الكثير من المحطات من مواقع مختلفة حيث قاده مساره الوطني ‬إلى أن ‬يتحمل‬ مسؤولية ‬وزارة التعاون ‬في ‬ثمانينيات القرن الماضي، ‬في‬ مرحلة مخاض مغاربية اختار‬ لها العاهل الراحل، رحمه لله، شخص عبد الواحد رحمه الله لتدبيرها ‬في ‬الظروف المعروفة اليوم.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
ولم ‬يبخل بأي ‬مجهود ‬يتطلبه‬ الدفاع عن مصالح‬ بلاده من أي‬ موقع كان‬، ‬سواء كان ذلك‬ من المنبر الرسمي ‬أو من موقع المعارضة إلى جانب‬ القوات الشعبية.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
الأستاذ عبد الواحد الراضي،‬المربي،‬النقابي‬ والبرلماني ‬والمسؤول السياسي ‬رسم له قدره الوطني‬ مسار رجل الدولة بامتياز‬، ‬الرجل الذي ‬جعل من وطنيته أساسا لكل‬ موقف‬ وزاوية للنظر إلى كل ما ‬يتعلق بالحياة السياسية والعلاقات مع الآخرين. ‬وفي‬ذلك،‬ ظل ملكيا ووطنيا واشتراكيا ديموقراطيا ‬حتى النخاع،‬ يحمل في ‬وجدانه كما في‬عقله الواعي‬ عقيدة التعاقد الوطني‬ الذي‬ ظل ‬يربط الملكية المغربية المكافحة والتحديثية والقوى الحية في‬البلاد وعلى رأسها حزب القوات الشعبية. ‬وظل بجانب ذلك من رواد التنشئة السياسية على الديموقراطية من خلال إيمانه العميق بالسيادة الشعبية‬،‬ وعمله المتواصل‬ من أجل‬ تكريسها في‬الواقع الوطني‬ وغرس ‬قيمها في‬التربة المغربية،‬ بعناد المؤمنين وإصرار ‬المناضلين المتفائلين، ‬وبهذه الروح دخل‬ غمار الانتخابات الجماعية الأولى في‬سنوات الاستقلال ‬وحصل على‬ ثقة ‬المواطنين والمناضلين، وظل‬ يعتبر نفسه جنديا في‬ خدمة الديموقراطية أولا،‬ ثم في ‬خدمة المواطنين الذين وضعوا ثقتهم فيه ثانيا وفي ‬خدمة القيم السليمة لديموقراطية القرب وخدمة ‬الفكرة النبيلة للسياسة. ‬وفي‬ذلك، ‬بَادَلَهُ الناخبون ‬حبا بحب وثقة بثقة إلى أن وافته المنية وهو ‬يواصل عمله النيابي‬ والجماعي ‬إلى جانب القوات الشعبية.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
كما ‬يعد الفقيد أحد صناع التجربة التمثيلية في‬المغرب كواحد من أقدم ممثلي ‬الشعب‬ والحزب‬، ‬مما بوأه‬ مكانة الثقة في ‬تدبير شؤون المؤسسة النيابية كرئيس لمجلس النواب،‬ في‬فترة فارقة من تاريخ المغرب،‬ عرفت الإعداد الجيد والسليم للتناوب التوافقي ‬الذي‬ كان أحد الفاعلين الرئيسيين فيه.
‬وسيحفظ له التاريخ ‬ولاشك، ‬خدماته الجليلة وهو‬ على رأس ‬هذه المؤسسة التشريعية ‬الوطنية،‬ كما‬ سيحفظ له عمله مِنْ ‬على منبر الاتحاد البرلماني الدولي‬،‬ كرئيس له،‬حيث شرف بلاده ‬في ‬محفل دولي ‬يعرف الجميع الرهانات التي ‬تدور حوله…‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
لقد آمن الراحل بحزبه وبثقافته المؤسساتية وواصل العمل ‬إلى حين وافته المنية، ‬بعد أن حفظ اسمه في‬سجل الخالدين من مناضلي‬ وقادة الاتحاد،‬ حيث شارك في ‬تأسيس الاتحاد الوطني‬ للقوات الشعبية في‬ انتفاضة‬1959، ‬ثم واصل النضال في‬الاتحاد الاشتراكي ‬منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، وكان له حضوره الذي ‬لا محيد عنه في‬ قراراته المصيرية،‬ إلى جانب المهدي‬ وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي، ‬تغمدهم لله برحمته، ومحمد اليازغي أطال لله في عمره،‬ وتحمل مسؤولية الكتابة الأولى في ‬ظروف كان المغرب فيها ‬يعيش مخاضا جديدا،‬ سيعرف أوجه في ‬الربيع المغربي‬مع‬ عشرين فبراير الشهيرة. ‬وتمكن الفقيد الكبير من أن يحظى باحترام كل مكونات المجتمع وفي‬ مقدمتها أبناء الحركة الاتحادية،‬ بما جُبل عليه من أخلاق ترفع من شأن المشترك الحداثي ‬والإنساني ‬بعيدا عن التموقعات ‬غير المنتجة وبعيدا عن‬النزعة المغامراتية فردية كانت أو جماعية. ‬وفي‬الوقت ذاته، ‬ترجم إيمانه الإصلاحي ‬العميق، ‬من خلال تجربته على رأس وزارة العدل، ‬التي‬ قاد بها حوارا وطنيا واسعا وشجاعا من أجل الدخول في‬دينامية إصلاحية جديدة،‬ تؤسس لمغرب المؤسسات والفصل بين السلط والعدالة .‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
إن الاتحاديات والاتحاديين،‬ إذ ‬ينعون أحد المؤسسين لحزبهم‬ يعرفون بأن فقدانه هو خسارة للوطن (والوطنيين) وخسارة للحركة الديموقراطية والحداثية ولكل محبي‬القيم الإنسانية الكونية، ‬الذين سيستلهمون منه ولا شك كل الأخلاق الرفيعة‬ ومقومات الروح الوطنية من أجل مستقبل متجدد لبلادنا وأبنائها. ‬‬‬‬‬‬‬‬
عزاؤنا واحد، وكل التعازي ‬الخالصة لأسرته‬ الكبيرة والصغيرة وأبنائه.
إنا لله وإنا إليه راجعون.‬‬‬


بتاريخ : 28/03/2023