الشاعر عبد العزيز أمزيان لـ «الاتحاد الاشتراكي» : بالشعر لن تخسر شيئا ستربح هذا المنار البعيد /القريب

ازداد بمدينة القصر الكبير قبل أن تبتلعه المدينة الغول الدار البيضاء، منذ أزيد من عقدين من الزمن، حيث يعمل كأستاذ لمادة اللغة العربية، بسلك الثانوي التأهيلي. في جعبته الآن ثلاثة دواوين «مواقد الروح» ، «شبيهي في التيه»، «جمرات الريح»، ، وكتاب نقدي في فن الترسل.
إنه الشاعر عبد العزيز أمزيان، الذي فتح لنا قلبه، وأجاب بتلقائيته المعهودة عن الأسئلة التي طرحناها عليه، بهدف تقريب قراء هذا الحوار، من عوالمه، كمبدع وكإنسان

 

– الشاعر عبد العزيز أمزيان، نفتتح حوارنا معك، بالحديث عن ديوانك الشعري الأخير «شبيهي في التيه» الصادر في العام 2020. في هذا الديوان، تتكرر مفردة التيه في أربعة عناوين : وجوه تائهة – غيمة تائهة – شبيهي في التيه – خرائط التيه. إضافة لقصيدة أخرى تحمل عنوان «متاهات».ما سر التيه في منجزك الشعري هذا؟ وفي أية فترة زمنية، كتبت قصائد «شبيهي في التيه»، البالغ عددها 25 قصيدة ؟
– ربما يعزى السبب إلى الشقاء الذي حكم على الإنسان أن يعيشه (منذ عقاب سيزيف بحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه) التيه اليومي، والرتابة المملة، المضجرة والروتين المدمر، الساحق الذي بات إنسان العصر يعيشه بحكم قسوة الحياة، وعبثية الوجود، والشعور بلا جدوى الصرخة التي يطلقها في وجه قتامة الأيام، وحلكة العمر.. وقد توافقت كتابة هذه القصائد التي تضمنت بعض هذه الأبعاد التي أشرت إليها، مع فترة زمنية دقيقة، عشت فيها تجارب إنسانية خصبة، شعرت فيها بانسحاق وجودي، وتيه مربك، مضطرب، فقدت فيها أناسا قريبين مني، وضاع بعض الصرح الذي كان سندا للحياة الفضلى التي كنت أنشدها.

– قبل «شبيهي في التيه» صدر لك ديوانان، يهمنا منهما «جمرات الريح»، الصادر في العام 2018. كيف تقرب قراء هذا الحوار من هذا الإصدار؟ وهل ديوانك الأخير، هو امتداد لـ «جمرات الريح» ؟ أم أن كل واحد منهما متفرد بخصوصياته ؟
– أعتقد أن الديوانين «مواقد الروح» و»جمرات الريح» ليسا متفردين تماما، بل هما متقاربان في المزايا الفنية، والسمات الجمالية، إلى حد ما، لأنهما يعكسان مرحلة معينة من تجربة الحياة التي خضتها، وهي تجربة يغلب عليها البعد الوجداني، والطابع الرومانسي، لأنها تستحضر- بكثافة – كل أحداث الماضي البعيد، والقريب، لتصهرها في بوتقة واحدة، وتدمجها في خط يكاد يكون واحدا، في اللغة، والأسلوب، والصورة، والخيال، والإيحاء، والعاطفة، وما إلى ذلك من وسائل الإبداع المعروفة، وأدوات التعبير المعهودة.. مع بعض الاختلاف، من طبيعة الحال، الذي تفرضه ظروف الحياة، وملابسات الأزمات التي تمر منها، فتؤدي بك إلى الانفلات من ربقة التجربة، والتحرر من بعض ضغوطاتها..

– أعود بك إلى مرحلة البدايات. متى استهواك الشعر والأدب؟ ومن كان الأقرب إلى قلبك وذوقك من الشعراء المغاربة والعرب؟ ثم في آية فترة زمنية، كتبت القصائد التي جمعتها في باكورتك «مواقد الريح» الصادرة في العام 2013 ؟
– منذ المرحلة الإعدادية، وأنا شغوف بالشعر والأدب، ومولع بعوالمهما الخيالية البديعة، وقد استهواني في مرحلة الثمانينات من القرن الماضي، أدب جبران، والمنفلوطي، ومصطفى صادق الرافعي، وشعر إيليا أبي ماضي، وشعر خليل مطران، بينما في مرحلة التسعينيات، جذبني شعر محمود درويش، وأحمد عبد المعطي حجازي، وأمل دنقل، ومن المغرب، أحمد المجاطي، عبد الله راجع، وعبد الكريم الطبال، وغيرهم من الشعراء الآخرين الذين يصعب حصرهم ..
الفترة الزمنية، التي كتبت فيها القصائد التي جمعتها في باكورتي «مواقد الروح»، تمتد من 2003 إلى سنة 2013.

– الشاعر عبد العزيز أمزيان، لك كذلك مؤلف في فن النثر، صدر في العام 2013، تحت عنوان «رسائل حب»، أصدرته مرة أخرى في طبعة ثانية منقحة، في العام 2018، تحت عنوان جديد «نافذة على الغيم»، يقول الناقد محمد داني، على ظهر غلاف هذه الطبعة (فن الترسل في أدبنا المغربي قليل ونادر.. واليوم استطاع أديبنا العزيز أمزيان، أن يقدم للقارئ رسائل بديعة لا تخلو من جمالية أسماها رسائل حب…).سؤالي هو: من أين أتتك فكرة تأليف كتاب عن الترسل أو التراسل ؟ وما سر حصوله على إحدى جوائز ناجي نعمان الأدبية ؟
– استمالني فن الترسل منذ وقت مبكر، وحصل ذات مرة أن ألفيتني أكتب رسالة إلى امرأة جمعتني بها، في القديم القريب، علاقة عاطفية قوية، يمكن أن أصفها بالمزلزلة، دامت عشر سنوات، انتهت بخيبة أمل، وانكسار مدو، لما شدني الحنين إليها. وفي سياق طقس الكتابة إليها، فوجئت ذات يوم، برسالة تصلني من امرأة، تربطني بها علاقة افتراضية من سورية، كانت تنشر بأحد المنتديات الأدبية، فأخذنا نتبادل الرسائل في ما بيننا، من وقت لآخر. استمر ذلك لبضع سنين، إلى أن توقف، لظروف البعد، واستحالة اللقاء..

– الشاعر والناقد الدكتور محمد عرش، كتب ورقة حول ديوانك «جمرات الريح» تحت عنوان «ريح الشمال تهب على جمرات الريح». وهي الورقة التي عرفت طريقها إلى النشر، بجريدة الاتحاد الاشتراكي، بتاريخ: 14/01/2021.
استهل عرش ورقته بما يلي : دائما تسترعي اهتمامي، عدة ملاحظات وأنا أقرأ لشعراء الشمال ومنها : رقة القاموس اللغوي وشفافيته- سهولة الوصول إلى المعنى دون التواء- نفحات أندلسية تلون شعرية القصيدة.ما تعليقك على مدخل هذه الورقة، لمبدع «مخبزة أونغاريتي» ؟
-في الحقيقة، كانت ملاحظات الشاعر الأريب محمد عرش دقيقة وحصيفة وصائبة إلى حد ما، إذ ليس من اليسير أن يهتدي أي مبدع إلى هذه السمات البارزة في قصائد شعراء الشمال، بالفعل تلمس – في الغالب – تلك الملاحظات، وأنت تقرأ لهؤلاء الشعراء، وتكاد تصادفها في جل قصائدهم – بشكل من الأشكال – وبمعنى من المعاني التي أشار إليها المبدع المميز صاحب «أنثى المسافات».

– المبدع عبد العزيز أمزيان، إضافة إلى اهتمامك بالشعر قراءة وكتابة، تشرف على تنظيم أنشطة ثقافية بالثانوية التي تدرس فيها، وبفضاءات أخرى كذلك.حدثنا عن هذه التجربة وما الأهداف التي تطمح إلى تحقيقها من خلالها؟
-أشرف على تنظيم الأنشطة الثقافية والأدبية والتربوية بالثانوية التأهيلية التي أعمل بها، منذ وقت بعيد، أي ما يقارب 20 سنة، والأهداف التي أنشد تحقيقها من خلالها هي أن أساهم في إبراز المواهب والطاقات وإبداعات المتعلمات والمتعلمين، وتنمية شخصيتهم وحسهم الفني وذوقهم الجمالي، وصقل الميول والمواهب، وتعهدها بالرعاية والتهذيب، وترسيخ حس المبادرة والابتكار لديهم، وغيرها من الغايات الأخرى، التي تجعلهم وتمكنهم من حسن تدبير أوقات الفراغ.

– لك أيضاً، مشاركات في العديد من المهرجانات والملتقيات الأدبية والشعرية، في مدن مغربية شتى.ما الذي لا تزال ذاكرتك تختزنه وتحتفظ به عن هذه المشاركات ؟
– لا تزال ذاكرتي تختزن كل حدث، وتحتفظ به، ولا أزال أستحضر كل المشاركات التي استدعيت إليها، في العديد من الملتقيات والمهرجانات، لأنها تعد تجارب خصبة، يقع فيها احتكاك مباشر مع أدباء من مختلف المشارب والحساسيات، وتبادل الخبرات، والأفكار وما إلى ذلك من حوار ونقاش، إذ يثري كل ذلك آفاقك، و يغني أدبك…

– اسمح لي شاعرنا عبد العزيز أمزيان، أن أعود بك لمرحلة الطفولة.كيف قضيت طفولتك بمدينة القصر الكبير ودراستك بثانوية وادي المخازن للتعليم الأصيل ثم بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمدينة تطوان ؟
– تعد مرحلة الإعدادي والثانوي والجامعي مرحلة مهمة في حياة المرء، فيها يكتشف العالم، بشغف وفضول، ونزق وطيش، وفيها يقبل على الحياة بعنفوان وحب مغامرة، وإظهار الجسارة والإقدام، وبلا شك تكون هذه المرحلة مليئة بالأحداث والمغامرات المدهشة، التي يصعب نسيانها، إذ تظل محفورة في الذاكرة، وراسخة في الذهن.. أتذكر المغامرات الباذخة، التي كنا نقوم بها أنا والأصدقاء، بدون مراعاة العواقب وحساب المآلات. أتذكر حاجتنا إلى الخبز، في المرحلة الجامعية، حين كنا بعيدين عن الأهل، لما كانت تنفد نقودنا القليلة. أتذكر السمر الشعري الذي كنا نتبارى فيه، حول من يحفظ أكثر من بيت شعري ينتهي بروي معين. أتذكر النقاشات الحادة التي كنا نخوضها، إلى أول الصباح. أتذكر أيام الاستعداد للامتحانات، في نهاية أيام الربيع، إذ كنا نذهب إلى واد لوكوس، بالقصر الكبير لمراجعة الدروس، حيث السكينة والخضرة وزقزقة العصافير، وخرير مياه النهر، والمدى الواسع الممتد إلى ما لانهاية.. أتذكر كل هذا الذي كان يساعدنا على التركيز والاستيعاب والفهم. أتذكر أشياء كثيرة وجميلة لا يمكن أن تنسى أو تمحى.. إنها عمرنا الباقي، وحديقتنا الأبدية في امتداد الزمن، ومدى الحياة…

– كيف توازي بين مهنة المتاعب، من إعداد للدروس وتدريس وتصحيح… وبين الشغف الأدبي ؟ ثم ما الذي يستفيده التلاميذ والطلبة عندما يكون مدرسهم أديباً وشاعراً ؟
– الجميل في مهنة المتاعب كما أطلقت عليها، هي أنها تدخل في صميم الهواجس الأدبية، وترتبط بشواغل الكتابة، وتتصل بهموم الإبداع، إذ مهنة التدريس – كما لا يخفى- تتطلب من المدرس الاتصال الدائم بعالم الفكر والمعرفة، والاحتكاك الدؤوب بآفاق العلم والثقافة، لذلك وازيت بين مهنة التدريس من إعداد للدروس والتخطيط والتنفيذ والتقويم، وإكساب المتعلمين القدرات، وتنميتهم معرفيا ووجدانيا ومهاريا، وتحفيزهم على التعلم والتحصيل الدراسي والتكوين المعرفي، وبين الإبداع الشعري، الذي تعد المعرفة ذخيرته الأساس، والثقافة ركيزته الأولى. ومن تحصيل حاصل أن أقول إن التلاميذ يستفيدون أيما إفادة، ويحصلون على خبرة إضافية واسعة، عندما يكون مدرسهم أديبا أو شاعرا، لا من حيث قراءة النصوص، ولا من حيث الإنشاد الشعري، ولا من حيث المعلومات المعرفية المتنوعة، التي يتلقونها، ولا من حيث تمثل قيم الجمال، في الأذهان والسلوك، ولا من حيث تصور مبادئ الفن في العقول والأفعال، ولا من حيث الطموح والإرادة والإصرار على النجاح، ولا من حيث الثقة والتوق إلى الغد الأفضل، ولا من حيث التفاؤل، والانجذاب إلى المستقبل الأجمل..

– ماذا يعني لك كل من محمد عنيبة الحمري ومبارك حسني ؟
– محمد عنيبة الحمري : يتمتع بروح الدعابة ويمتلك حس النكتة. يتصف كذلك بالحكمة والرصانة وهدوء الطبع. اجتماعي بنسبة معينة، وفي الحدود المعقولة. حدسه الغريزي لا يخطئ، وتوقعاته تصدق في غالب الأحيان..
مبارك حسني مشغول بمشاريعه الأدبية، لدرجة تحظى بنصيب أكبر، في حديثه مع أصدقائه. قلق ومتذمر بعض الشيء من الواقع الثقافي، كثيرا ما يهرب إلى ذاته، في عزلة شبيهة بمحارب طواحين الهواء.. لكنه سرعان ما يعود إلى أصحابه ومعارفه، ليجدد مياه نهر الحياة، ويستعيد مرحه معهم وفرحه الفطري بلقائهم.

– ماذا عن مشاريعك الأدبية القادمة؟.
– في الواقع ليست هناك مشاريع أدبية قادمة يمكن أن تذكر. لا أخطط كثيرا لهذا الأمر، أترك ذلك للظروف وللمصادفات. أنا جد مقل في الكتابة. أحاول أن أستثمر الوقت للقراءة، ولا أفكر في الكتابة إلا حين يراودني المخاض، ويعتريني الإلهام، وتنتابني ساعات الحزن، ويسكنني القلق، وتجتاحني رغبة البوح، وتغزوني رياح المكاشفة، آنذاك أنبري للكتابة…

– الشاعر والأديب عبد العزيز أمزيان، كلمتك الأخيرة لقراء هذه الحوار؟
– كلمتي الأخيرة لقراء هذا الحوار: كن صادقا مع نفسك ومع الآخرين، ثق أنك ستجد ذاتك، ستلتقي ببحورك الهائجة في داخلك، ستعانق شمسك الساطعة في قلبك، ولن تخسر شيئا، إنما ستربح هذا المنار البعيد/ القريب، وهذه الطريق الطويلة/ القصيرة، وهذه الخفقة القصية/ الدانية.. وهذا الحلم السحيق/ المجاور…
في الواقع ليست هناك مشاريع أدبية قادمة يمكن أن تذكر. لا أخطط كثيرا لهذا الأمر، أترك ذلك للظروف، وللمصادفات. أنا جد مقل في الكتابة. أحاول أن أستثمر الوقت للقراءة، ولا أفكر في الكتابة إلا حين يراودني المخاض، ويعتريني الإلهام، وتنتابني ساعات الحزن، ويسكنني القلق، وتجتاحني رغبة البوح، وتغزوني رياح المكاشفة، آنذاك أنبري للكتابة…


الكاتب : حاوره: عبد الحق السلموتي

  

بتاريخ : 21/03/2022