الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تعيش على منح الدولة والدوزيم تتكبد خسائر تصل إلى مليار درهم

 

أطلق تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول «أعمال المحاكم المالية»، صفارات الإنذار بخصوص الأزمة المالية التي تهدد القطاع السمعي البصري العمومي بالمغرب، وخصوصا الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة (SNRT) وشركات الدراسات والإنجازات السمعية البصرية (SOREAD-2M).
ووفق المعطيات التي كشفها إدريس رئيس المجلس، في عرض قدمه أمام البرلمان، أول أمس الثلاثاء، الوضعية المالية للشركتين العموميتين جد حرجة، مشيرا إلى أن «النتيجة الصافية للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة عرفت تدهورا ملحوظا سنة 2012، إذ سجلت عجزا بلغ 146.35 مليون درهم، ورغم التحسن الطفيف خلال السنوات اللاحقة فإن الشركة تواجه العديد من الصعوبات لإيجاد مستوى من الاستقرار».
وتعتمد الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة حسب التقرير ذاته أساسا على الإعانات المقدمة من طرف الدولة، والتي بلغت سنة 2018 ما قدره 931 مليون درهم. بينما الموارد الذاتية للشركة، والمكونة أساسا من مبيعات المساحات الإشهارية، تبقى ضعيفة، إذ لم تتجاوز 13 % من تمويلها منذ سنة 2013.
أما شركة «صورياد دوزيم»، يورد تقرير المجلس الأعلى للحسابات، فتعرف وضعيتها تفاقما أكبر، إذ تسجل منذ سنة 2008 نتائج سلبية، ما لا يسمح لها بالقيام بالاستثمارات الضرورية لتحديث مختلف مرافقها.
وقال إن القناة الثانية ظلت تتكبد خسارة سنوية قدرها 100 مليون درهم خلال الفترة 2008-2019، ما يعني مليار درهم في ظرف 10 سنوات.
وتشير المعطيات الرسمية إلى أن «دوزيم» تعتمد، بشكل أساسي، على عائدات الإشهار، إذ لا تتعدى إعانات الدولة، منذ سنة 2013، في المتوسط 50 مليون درهم سنويا، أي بنسبة 7 % من إيرادات الشركة.
ويرى المجلس الأعلى للحسابات أن «النموذج الاقتصادي الذي تعتمده شركة «صورياد» يجعل إمكانية التوفيق بين الربحية المالية والتزامات الخدمة العمومية أمرا صعبا، علما أن دفتر التحملات يفرض عددا معينا من الالتزامات لبث الإشهار».
ومن خلال تقييمه لتدبير الشركتين العموميتين، سجل رئيس المجلس الأعلى للحسابات عدم تجديد عقود البرنامج بين الدولة والشركتين منذ سنة 2012، «وهو ما يتناقض مع الدور الإستراتيجي الذي ينتظر أن يلعبه القطاع السمعي البصري العمومي، كما أنه يتعارض مع مقتضيات القانون رقم 77.03 المتعلق بالاتصال السمعي البصري الذي ينص على أن المخصصات من الميزانية التي تمنحها الدولة للشركتين تكون بناء على عقود برامج».
وانتقد جطو عدم تحويل الشركتين الإعلاميتين إلى قطب عمومي واحد، مردفا: «رغم أوضاعهما المالية الحرجة، وكونهما تتوفران على الرئيس المدير العام نفسه، فإنهما لا تشكلان قطبا موحدا يمكنهما من العمل في ظروف أفضل من حيث التنسيق والتكامل في الأنشطة والاقتصاد في تدبير الموارد».
وشدد جطو على أن الوضعية المالية للتلفزة المغربية العمومية تكتسي صبغة استعجالية، تتطلب «إعادة هيكلة القطاع السمعي البصري في بلادنا وتحمي مكوناته ضمن قطب عمومي موحد».
ونبه الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات إلى التأخر الكثير في أخذ المبادرة من قبل الحكومة والمسؤولين، مشيرا إلى أنه «بعد مضي أكثر من 13 سنة على المراحل الأولى للإصلاح، لم يتم بعد إنشاء هذا «القطب السمعي البصري العمومي»، الذي سيكون من بين وظائفه تحديث القطاع وإحداث نوع من التكامل والتنسيق، خاصة في سياق المنافسة القوية للشبكات الفضائية الأجنبية».
وجاء في التقرير أنه خلال سنة 2017 تم تمويل الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة عن طريق دعم الدولة ( 1.117 مليون درهم)، وصندوق النهوض بالمشهد السمعي البصري والإعلانات والنشر العمومي ) 120 مليون درهم(، وكذا عن طريق ضريبة تنمية المشهد السمعي البصري الوطني ( 279 مليون درهم)، فضلا عن عائداتها المتأتية من الإشهار والخدمات الأخرى (216 مليون درهم(.
وأكد التقرير أن مراقبة تسيير الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة عن العديد من الملاحظات، من أبرزها ما يلي:
– غياب وثيقة رسمية تحدد التوجهات الاستراتيجية للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة. فبالبرغم من إثارة المجلس الإداري للشركة، في اجتماعه المنعقد بتاريخ 30 يونيو 2005 حول البث الإذاعي، لموضوع الحاجة إلى وضع استراتيجية لتحديد تموضع القنوات الإذاعية للشركة بالنظر إلى المنافسة الناتجة عن تحرير المجال السمعي البصري الوطني، غير أن هذه التوصية لم يتم تفعيلها.
-عدم تجديد عقد البرنامج بين الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة والدولة، ذلك أن الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة عقود برامج مع الدولة تغطي فترتي 2006- 2008 و2009- 2011، وذلك من أجل تنفيذ التزاماتها المحددة في دفتري التحملات الخاصين بهاتين الفترتين. إلا أنه لم يتم ابرام أي عقد برنامج لفترة ما بعد سنة2012، وهو ما يتعارض مع مقتضيات القانون رقم 77.03 المتعلق بالاتصال السمعي البصري الذي ينص على أن المخصصات من الميزانية التي تمنحها لها الدولة تكون بناء على عقود برنامج.
-عدم مسك محاسبة تحليلية، وهو ما يحرم الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة من إمكانية حساب تكلفة شبكتها، حيث يعتبر هذا المؤشر المعتمد من قبل العديد من القنوات التلفزيونية، أداة مهمة في التسيير. كما أن غياب هذه المحاسبة يجعل من الصعب على الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تقدير التكلفة الفعلية الناجمة عن الوفاء بالتزاماتها، خاصة تلك المفروضة بموجب دفاتر التحملات.
-غياب شبه كلي لدلائل حول المساطر المعتمدة بشكل رسمي، ذلك أن الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة لا تعتمد في تسييرها على مساطر رسمية تمكنها من توضيح وتحديد الإجراءات اللازمة للقيام بأنشطتها، وكذلك الأفعال والمهام الخاصة بكل العاملين بالشركة.
– عدم تحيين نظام المشتريات. فالبرغم من تعديل القوانين المنظمة للصفقات العمومية خلال سنتي 2007 و2013، لم يخضع نظام المشتريات الخاص بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة لأية مراجعة أو تحيين منذ اعتماده في يناير 2006. إذ أن العديد من مقتضيات هذا النظام أصبحت متجاوزة، ولم تعد تتلاءم ومتطلبات الشفافية والنجاعة والمساواة في تنفيذ الطلبيات العمومية، بالمقارنة مع مقتضيات مرسوم الصفقات العمومية.
وبخصوص التدبير المالي والميزانياتي، فقد أبرز تحليل المؤشرات الرئيسية التي تم احتسابها انطلاقا من نتائج المحاسبة العامة والقوائم المالية، كما جاء في التقرير ضعفا في الوضعية المالية للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة. وفي هذا الإطار، لوحظ ما يلي :
– هيمنة المنح المقدمة من طرف الدولة مقارنة مع الموارد الذاتية، حيث انتقلت من مبلغ 895 مليون درهم سنة 2012 إلى ما يعادل 1.117 مليون درهم سنة 2017 ، أي بنسبة ارتفاع تصل إلى 25 في المائة .
وفيما يتعلق بالضريبة الخاصة بتنمية المشهد السمعي البصري وتمويلات صندوق النهوض بالمشهد السمعي البصري وبالإعلانات وبالنشر العمومي، فيتم تقييد مبالغها في البند المخصص «لبيع المنتوجات والخدمات المنتجة». وقد بلغت قيمة هذه الرسوم خلال سنة 2017 ما مجموعه 399 مليون درهم، أي ما يمثل 65 في المائة من رقم معاملات الشركة برسم نفس السنة.
كما أن نسب الموارد الذاتية للشركة، والمكونة من مبيعات المساحات الإشهارية والخدمات التقنية والحقوق الرياضية تبقى ضعيفة، حيث لم تتجاوز 13% من مجموع مصادر التمويلات منذ سنة 2013 .
كما عرفت النتيجة الصافية للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، يؤكد التقرير، تدهورا ملحوظا سنة 2012، إذ بلغت ناقص 146,35 مليون درهم، وذلك بالرغم من تحسنها خلال السنوات اللاحقة، إذ تجد الشركة صعوبة لإيجاد مستوى من الاستقرار. كما أن العجز المسجل خلال سنة 2012 أثر سلبا على رأسمال الشركة، حيث تمت إعادة الرسملة من خلال الرفع من رأسمال الشركة إلى 914 مليون درهم عن طريق خلق وإصدار 3.893.670,00 سهم جديد بقيمة 100,00 درهم. بالإضافة إلى الخفض من رأسمال الشركة بقيمة 407 مليون درهم عن طريق استيعاب الخسائر المتراكمة.
وبخصوص تدبير مداخيل الإشهار التي تتأتى من القنوات التلفزية التابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، وخاصة القناة الأولى والرياضية، بالإضافة إلى القنوات الإذاعية، لاسيما الإذاعة الوطنية، فقد سجل التقرير أنها بلغت هذه المداخيل خلال سنة 2017 ما قدره 161 مليون درهم.
وتتكلف وكالة الإشهار بتسيير وتسويق المساحات الإشهارية في مختلف وسائل الإعلام من تلفاز وراديو، إلا أن هذا التسيير يثير مجموعة من الملاحظات نذكر أبرزها كالآتي:
-ضعف نسبة استغلال المساحات الاشهارية المتاحة وتدني مداخيل الإشهار. فعلى سبيل المثال، لم تتجاوز نسبة الملء 20 في المائة من المساحة الإشهارية المتاحة خلال سنة 2017، حيث بلغت نسبة المساحة الإشهارية التي تعذر بيعها 80 في المائة.
كما سجلت المداخيل المتأتية من بيع المساحات الإشهارية انخفاضا ملحوظا، بحيث انتقل رقم المعاملات (دون احتساب الرسوم) من 253 مليون درهم في سنة 2011 إلى 161 مليون درهم سنة 2017 ، أي بنسبة انخفاض بلغت 36 في المائة.
وقد كشف تحليل مداخيل الإشهار، يقول التقرير، عن هيمنة المداخيل المتأتية من بعض القنوات التلفزية بالمقارنة مع القنوات الإذاعية، إذ بلغت موارد القنوات التلفزية سنة 2017 ما مجموعه 148 مليون درهم، أي ما يعادل 91 في المائة من مجموع المداخيل، في حين لم تتجاوز مداخيل القنوات الإذاعية 14 مليون درهم، أي ما نسبته 9 في المائة .
في السياق نفسه، كشف تحليل مخزون البرامج كشف عن تراكم البرامج التي لم يتم بثها من سنة إلى أخرى. وقد بلغت قيمة مخزون البرامج التي لم يتم بثها إلى غاية نهاية سنة 2016 ما مجموعه 62,79 مليون درهم، منها 28,48 مليون درهم تتعلق بالبرامج التي تم تسليمها قبل 2014 .
وأكد التقرير أن الوعاء العقاري المتوفر لدى مديرية الشؤون القانونية يضم أراض مستغلة «كمراكز للبث»، بالرغم من أن هذه المراكز لم تعد مستغلة من طرف مديرية البث.
وبالاعتماد على تحليل عينة مكونة من 188 محطة مستخرجة من معطيات مديرية الشؤون القانونية، تبين، حسب ما أكده التقرير، عدم ضبط الوضعية العقارية للتجهيزات والمحطات التابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة. وفي هذا الصدد، لوحظ أن 48 في المائة من المحطات توجد في حالة «وضع رهن الإشارة» (91 محطة)، و28 في المائة من المحطات لا تتوفر على وثائق تبرر وضعها القانوني (52محطة)، و14 في المائة من المحطات تم تحويلها إلى الشركة بأمر أو قرار لوزير المالية (27 محطة). كما أن عددا مهما من المحطات التي توجد في حالة «وضع رهن الإشارة» لا تتوفر بدورها على وثائق تثبت وضعيتها القانونية.
وبخصوص القناة الثانية، سجل تقرير المجلسس الأعلي للحسابات عدة ملاحظات، من أبرزها أن النموذج الاقتصادي لشركة صورياد غير ملائم، حيث استفادت خلال الفترة 2008 – 2017 ، من منح الدولة بما مجموعه 506 مليون درهم، وبمتوسط 50,50 مليون درهم في السنة. في المقابل، دفعت للدولة كضريبة على الشاشة ما مجموعه 32 مليون درهم في نفس الفترة.
وتجدر الإشارة إلى أنه، بالإضافة إلى طبيعتها غير المنتظمة، تم تخفيض مبلغ هذه المنح إلى الثلث (بالمقارنة مع منح سنة2001)، مع العلم أن الدولة لم تمنح أية منحة (إعانة) للشركة سنة 2008 . ومنذ سنة 2013 ، تمثل حصة هذه المنح من إيرادات الشركة ما يعادل 7 % في المتوسط.
وقال التقرير إن هذا النموذج الاقتصادي يجعل المفاضلة صعبة بين الربحية المالية والتزامات الخدمة العمومية على النحو المحدد في دفتر التحملات، والذي يفرض عددا معينا من الالتزامات لبث الإشهار.
وجاء في التقرير أنه منذ سنة 2008 ، وشركة «صورياد- M2 « تحقق نتائج صافية سلبية. فقد تكبدت الشركة في المتوسط خسارة سنوية قدرها98,4 مليون درهم بين سنتي 2008 و2017. وتعزى هاته الخسارة إلى أهمية حجم النفقات مقارنة بالموارد، بما في ذلك دعم الدولة .
وأشار التقرير إلى العجز في الوضعية المالية لراديو القناة الثانية. ووفقا للمركز المهني لقياس نسب الاستماع، يحتل راديو القناة الثانية المركز الثاني عشر من حيث نسبة الاستماع.
ولقد عرف رقم معاملات راديو القناة الثانية انخفاضا هاما منذ سنة 2008 ، حيث انخفض من أكثر من 22 مليون درهم إلى 8,4 مليون درهم في عام 2017 ، أي بانخفاض قدره 62 %. ومن بين المصاريف الهامة التي يتحملها راديو 2M ، نجد النفقات المتعلقة بحملات التسويق الموكلة إلى وكالة خاصة، والتي تفوق مداخيل اشهار الراديو.
في نفس الاتجاه، لا يغطي رقم معاملات الأنشطة الرقمية للشركة نفقاتها المباشرة. وبالتالي، فإن النتيجة التحليلية لهذا النشاط لسنة 2017 شكلت عجزا قدره 9,2 مليون درهم، على الرغم من أن رقم معاملات الأنشطة الرقمية قد شهد تقدما واضحا.
بلغت الوضعية الصافية للشركة، في 31 دجنبر 2013، ما قدره 54,73 مليون درهم، مقابل رأس مال بقيمة 358,69 مليون درهم. لذلك فهو أقل من الحد الأدنى القانوني المنصوص عليه في قانون شركات المساهمة، والبالغ ربع رأس المال.
وعلى الرغم من هذه الوضعية المقلقة، فقد قرر الجمع العام غير العادي، في اجتماعه المنعقد في 26 يونيو 2014 ، مواصلة عمل الشركة، وفقا لأحكام المادة 357 من قانون شركات المساهمة.


الكاتب : سعيد منتسب

  

بتاريخ : 30/01/2020