الشعب الجزائري يقاطع الانتخابات والرئيس تبون يقول إن نسبة المشاركة لا تهم

لم تفلح محاولات نظام العسكر في الجزائر، وواجهته المدنية التي يمثلها عبد المجيد تبون، في إضفاء شرعية على الانتخابات التشريعية الي تم تنظيمها، أول أمس السبت، حيث قاطعتها الأغلبية الساحقة من المواطنين، بل إنها لم تنظم في مناطق متعددة خصوصا بالقبائل، وهو ما ينزع عن هذه المسرحية الشرعية التمثيلية، كما هو الشأن في المسرحية التي نظمت لتنصيب تبون محل بوتفليقة أو بمشروع الدستور، مما يؤكد فشل العسكر في تشكيل واجهة مدنية لحكمة تحظى بنسبة مقبولة من التأييد الشعبي وتقنع المجتمع الدولي.
ومما كان ملفتا في هذه العملية الفاشلة، تصريح تبون مع بدء الاقتراع بأن نسبة المشاركة لا تهم حيث قال «سبق أن قلت إنه بالنسبة لي، فإن نسبة المشاركة لا تهم . ما يهمني أن من يصوت عليهم الشعب لديهم الشرعية الكافية لأخذ زمام السلطة التشريعية».
ولا حظ المتتبعون بكثير من الدهشة هذا التصريح، حيث أنها أول مرة يصرح فيها رئيس بأن نسبة المشاركة في الانتخابات لا تهمه، متسائلين عن الأساس الذي سيستمد منه النواب المقبلون شرعيتهم في ظل هذه المشاركة الضعيفة والمنعدمة في مناطق عديدة من البلاد.
رسميا بلغت نسبة المشاركة الوطنية في الانتخابات 30,20 في المئة، حسب رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي، وهي أقل نسبة منذ 20 عاما على الأقل بالنسبة إلى انتخابات تشريعية، ورغم ذلك شكك العديد من المتتبعين في هذه النسبة معتبرين أنها لا تعكس حقيقة المقاطعة الواسعة التي شهدتها مختلف الولايات، خصوصا أن الأرقام التي أعلنت عند الساعة الرابعة بعد الزوال، أكدت أن نسبة المشاركة تجاوزت بالكاد 14 في المائة.
وخلال يوم الانتخابات سجل توتر في منطقة القبائل بالخصوص حيث كانت المشاركة شبه معدومة.
وقال نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان سعيد صالحي لفرانس برس إن «اعمال شغب» وقعت في بجاية و»الأجواء متوترة» في كثير من قرى البويرة.
وأوضح أن 17 مركز اقتراع فتحت أبوابها صباحا في بجاية من أصل 500، وفي الساعة الثانية زوالا كانت كل المكاتب مغلقة.
وأورد منسق السلطة الوطنية للانتخابات في تيزي وزو أن 136 مركز اقتراع و229 مكتبا أغلقت بسبب حوادث، بينها تخريب صناديق.
وكانت المشاركة في منطقة القبائل شبه معدومة مع نسبة بلغت 0,79 في المائة في بجاية و0,62 في المئة في تيزي وزو، حسب أرقام رسمية أولية.
وكان النظام يأمل بنسبة مشاركة تراوح بين 40 و50% على الأقل . وتبدو السلطة مصممة على تطبيق «خارطة الطريق» الانتخابية التي وضعتها، متجاهلة مطالب الشارع المتعلقة بدولة القانون والانتقال الديموقراطي والقضاء المستقل، ووضع حد لحكم العسكر.
وترى مجموعة الأزمات الدولية أنه «في سيناريو محتمل، قد تجتمع القوى السياسية المنبثقة عن هذه الانتخابات لتشكيل ائتلاف هدفه استمرار النظام».
فمع اقتراب موعد الانتخابات، حذر رئيس أركان الجيش الفريق سعيد شنقريحة، الذي يعتبره المعارضون الحاكم الفعلي، من «أي مخطط أو فعل يهدف إلى التشويش على سير» الاقتراع.
وسعت الحكومة التي ينظر إليها على أن ها الواجهة المدنية للمؤسسة العسكرية، إلى كسر الحراك،
فقد منعت كل المسيرات وكثفت الاعتقالات والملاحقات القضائية ضد المعارضين السياسيين والناشطين في الحراك والصحافيين المستقلين والمحامين.
ويقبع ما لا يقل عن 222 من سجناء الرأي خلف القضبان في الجزائر بسبب نشاطهم في الحراك أو الدفاع عن الحريات الفردية، بحسب اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين.
وعبرت منظمة هيومن رايتس ووتش الجمعة عن أسفها لأن «وعود الرئيس تبون الفضفاضة بالانفتاح والحوار تتحطم على صخرة واقع القمع في الجزائر»، وأدانت «التصعيد القمعي المخيف».
من جهة أخرى أكد مركز التفكير الأمريكي ( أطلانتيك كاونسل) أن الانتخابات البرلمانية في الجزائر، والتي تأتي بعد عامين من الاحتجاجات الشعبية، لن تكون كافية لمعالجة المأزق السياسي العميق لنظام فاقد للشرعية بشكل صارخ.
وفي مقال تحليلي، كتب أندرو فيران، المتخصص في الشأن الجزائري ومؤلف كتاب «الحلم الجزائري» الذي سيصدر هذا الصيف، أن الاقتراع الذي جرى، أول أمس السبت، «ليس سوى المحاولة الأخيرة لإدارة الرئيس عبد المجيد تبون بحثا عن شرعية تفتقر إليها بشدة».
وسجل كاتب المقال أنه إذا بدا أن انتخاب تبون في دجنبر 2019، والاستفتاء الدستوري في نونبر الماضي قد أديا إلى النتائج التي توقعها هو وداعموه في صفوف القوى الأمنية النافذة في البلاد، فإنه من الصائب مع ذلك، القول إن المستويات العالية للامتناع عن التصويت والاحتجاج «كشفت الهوة الهائلة بين الجزائريين وقادتهم». وفي الواقع، فقد صوت في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 43 مليون نسمة، أقل من شخص واحد من بين كل سبعة ناخبين مؤهلين على الدستور الذي تم اعتماده على الرغم من ذلك.
وأشار أندرو فيران إلى أن القادة الجزائريين حاولوا منذ فترة طويلة جسر هذه الهوة، لكن هذا الأمر أصبح مكشوفا سنة 2019 مع اندلاع الحركة الاحتجاجية التي أنهت عشرين عاما من حكم سلف تبون، عبد العزيز بوتفليقة.
وذكر بأن «المظاهرات الحاشدة، التي اندلعت جراء ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة وغذتها تراكمات سنوات من الإحباط والإهانة، زجت بالبلاد في مأزق سياسي» مشيرا إلى أن «الحرس القديم للنظام يواجه منذ عامين متظاهرين من فئة عمرية أصغر بكثير، متعطشة للفرص وأقل تسامحا مع عزلة الجزائر طويلة الأمد».
وتابع كاتب المقال أنه بحجة اعتماد الدستور الجديد، أقدم تبون في فبراير الماضي على حل المجلس الشعبي الوطني، منهيا فترة ولاية النواب العادية التي كانت مدتها خمس سنوات قبل عام واحد، موضحا أن «هذه الخطوة تتماشى مع حملة الإصلاحات المزعومة التي تقودها السلطات لخطب ود المواطنين الناقمين وتقويض الدعوات إلى مزيد من الإصلاحات العميقة».
وسجل أن هذه الهرولة إلى إجراء الانتخابات تتعارض مع رؤية التغيير السياسي الجذري الذي دعا إليه «الحراك» الشعبي منذ نشأته، ونفس الشيء ينسحب على الدستور الجديد الذي يبقي على اختلال موازين القوى بين السلطتين التنفيذية والتشريعية الذي طال أمده، مبرزا أنه لهذه الأسباب أعلن العديد من نشطاء الحراك عن نيتهم مقاطعة الانتخابات ومواصلة التظاهر.
وأضاف أن البطالة ما زالت مستشرية في الجزائر، كما انهارت عائدات النفط، وتراجع احتياطي العملة، فيما يشعر الكثيرون بالإحباط إزاء تعاطي الحكومة مع جائحة كوفيد-19، لا سيما التأخر في توفير اللقاحات مقارنة بجيران البلد.
وأشار المحلل إلى أنه في خضم هذه التحديات عانى الفاعلون السياسيون التقليديون في إقناع الناخبين، مبرزا أن الجزائريين الذين ما زالوا يثقون في نزاهة نتائج الانتخابات يمكنهم الحكم على هذا الاقتراع وفقا لمعيارين أساسيين يتمثلان في نسبة المشاركة والأوراق الملغاة.
وذكر في هذا الصدد، بأن النتائج الرسمية للانتخابات التشريعية، خلال العقود الماضية، أظهرت تراجعا عاما في الإقبال وزيادة مطردة في معدل الأصوات الملغاة، وهو نمط شائع من التصويت الاحتجاجي في الجزائر.
وإذا كان العديد من الجزائريين يعلقون أهمية قليلة على هذه الإحصاءات الرسمية، فإن هذه الأرقام تظل، حسب الخبير، ذات أهمية قصوى بالنسبة للرئيس تبون وأعضاء آخرين من الطبقة الحاكمة الجزائرية، معتبرا أن جهودهم لتشجيع إقبال الناخبين ليست سوى خطوة في مسعاهم الأكبر لنيل الشرعية.
وخلص أندرو فيران إلى القول إن: « الشرعية المستمدة من الكفاح من أجل الاستقلال لطالما اتخذت مطية للتستر على خطايا القادة الجزائريين. وبمغادرة هؤلاء للسلطة يواجه من خلفوهم سؤالا حاسما: ما الذي يمكننا أن نقدمه للجزائريين اليوم كي نستحق ولاءهم؟ وعلى الرغم من أنه سؤال بالغ الأهمية بالنسبة لآفاق البلد على المدى الطويل فإنه لن يجد إجابة في هذه الانتخابات.


بتاريخ : 14/06/2021