الصحة النفسية والعقلية تئن بسبب القلق، الاكتئاب، الفصام وغيرها والانتحار يهدّد الأجيال المختلفة

تغييب جلسات الاستماع وارتفاع الضغوط الناجمة عن المشاكل العائلية والمهنية وغيرها تعمّق جراحها

 

تعتبر الصحة النفسية والعقلية أحد الأعطاب المتواصلة التي تعاني منها المنظومة الصحية في بلادنا، رغم كل التحذيرات التي تم إطلاقها، وضدا عن كل التقارير والخلاصات التي تناولت هذا الموضوع وتبعاته الوخيمة، التي تؤثر على جودة الحياة بل وتذهب ببعض المرضى إلى وضع حدّ لحياتهم في لحظة قاتمة تُغلق خلالها أبواب الأمل أمامهم.
صحة نفسية معتلة، لم يقف عندها تقرير سابق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان لوحده فقط، ولا تصريحات وزراء تعاقبوا على القطاع، كما هو الحال بالنسبة للوزير السابق الذي أكد على أن 40 في المئة من المغاربة الذي تفوق أعمارهم 15 سنة، يعانون من أمراض نفسية وعقلية، أي ما يمثل 9.6 ملايين مغربي من أصل 24 مليونا، هذا الرقم الأخير الذي هو تعداد هذه الفئات العمرية بحسب نتائج الإحصاء السكاني العام، مشيرا إلى أن 26 في المئة يعانون من الاكتئاب، و 9 في المئة من اضطرابات القلق، و5 في المئة من اضطرابات ذهنية، في حين تعاني نسبة 1 في المئة من الفصام أو ما يعرف بـ «السكيزوفرينيا»، بل أشارت إلى واقعها أيضا خلاصات نتائج البحث الوطني حول الصحة النفسية للسكان إضافة إلى أبحاث ميدانية أخرى.
وضعية نعيد طرحها من جديد، بمناسبة تخليد اليوم العالمي للصحة النفسية الذي يتم الاحتفال به في العاشر من أكتوبر من كل سنة، خاصة وأن المهتمين والمتتبعين في بلادنا ظلوا يترقبون النهوض بهذا المجال من خلال معالجة الشق القانوني المؤطر له، والرفع من أعداد الموارد البشرية، وإحداث بنيات استشفائية جديدة، وتخصيص ميزانيات مهمة للتجهيز بالمعدات العلمية التقنية والأدوية، بالنظر إلى أن البنيات القائمة اليوم، تعاني خصاصا كبيرا في المهنيين وفقرا حادا في التجهيزات، وفقا لتأكيدات العديد من مهنيي الصحة النفسية. وعن خطورة أعطاب الصحة النفسية التي تفاقمت حدتها بشكل أكبر مع جائحة كوفيد 19، أوضح الدكتور مصدق مرابط لـ «الاتحاد الاشتراكي» على أن منظمة الصحة العالمية أكدت أن الاكتئاب يعد أحد الأمراض النفسية الرئيسية التي يجب التعاطي معها بشكل مسؤول، كما أبرزت أن الانتحار يعدّ السبب الثاني للوفاة بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و29 سنة، مشيرا في هذا الصدد إلى أن بلادنا سجّلت تناميا في عدد الحالات المسجلة، الأمر الذي يستدعي وقفة تأمل لمدّ يد المساعدة لمن هم في حاجة إليها، مبرزا أن جلسات الإنصات والاستماع يجب أن تكون متاحة أمام الجميع، في مقرات العمل، بالقطاعين العام والخاص، وفي دور الشباب، وبالمراكز الصحية، للمساهمة في تحصين المرضى من أية خطوة قد تكون وخيمة، لأنه كلما ازدادت الضغوط وساد الصمت إلا والنتيجة تكون مأساوية.
وشدّد الدكتور مصدق، وهو خبير في الشأن الصحي، على أن الكثير من المؤسسات لا تعطي للصحة النفسية حقّها وقيمتها وتتعامل معها باستخفاف، والحال أن جملة المشاكل اليومية والضغوط المختلفة تساهم في تردي الحالة النفسية للأشخاص، ويكون لها تبعات عليهم وعلى محيطهم، مضيفا بأن ما يعرفه الشارع العام من توترات واحتقانات في المرور وغيره، تعتبر إحدى تجليات هذا الوضع المعتل. وأكد المتحدث في تصريحه لـ «الاتحاد الاشتراكي» على أن أرباب الأسر عانوا كثيرا خلال السنوات الأخيرة، للإجابة عن الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية لأسرهم، ونفس الأمر بالنسبة للأطفال واليافعين، مما ولّد الشعور بالإحباط واليأس وغيرهما من الأحاسيس ذات الوقع الصعب على نفسية الأشخاص، التي لها تبعات جد وخيمة، لا سيما في ظل غياب مخاطبين لمناقشة تلك الأوضاع المختلفة التي يعاني منها كل شخص. ونبه الدكتور مصدق إلى أنه يصعب اليوم تحديد الأرقام المتعلقة بعدد الأشخاص المتأثرين بقضايا الصحة النفسية، ليس في المغرب فحسب بل في جميع أنحاء العالم، لأن الأغلبية تعاني من هذه الضغوط في صمت، مشيرا إلى أن هناك مجموعة من الأسباب التي تجعل الأفراد يواجهون تحديات ذهنية أو نفسية، وقد يكون الأمر مزيجا من عوامل مختلفة مثل الصدمة، أو ضغوط العمل، أو المشكلات العائلية، كما أبرز المتحدث في نفس السياق أن منظمة اليونيسيف أشارت مؤخرا إلى أن تقديراتها على مستوى العالم تظهر أن أكثر من 1 من كل 7 مراهقين من الفئة العمرية ما بين 10 و 19 سنة في العالم مصابون باضطراب عقلي تم تشخيصه، بينما يفارق الحياة حوالي 46 ألف مراهق في العالم سنويا جراء الانتحار الذي يشكل واحدا من أكبر خمسة أسباب للوفاة في صفوف هذه الفئة العمرية،
واقع الصحة النفسية وجراحها، يجعل اليوم عددا من المهتمين بالشأن الصحي عموما والمتتبعين له، يطرحون أكثر من علامة استفهام عن مآل ما تم تداوله سابقا من خطوات لعلاجها، من قبيل إحداث لجنة وطنية للصحة العقلية تحت اسم «اللجنة الوطنية»، تتولى المساهمة في إعداد السياسات والاستراتيجيات الوطنية المتعلقة بالصحة العقلية، وإعداد تقرير سنوي حول واقع وتطور الصحة العقلية حول ظروف علاج المرضى، إضافة إلى إحداث لجنة جهوية للصحة العقلية بكل جهة من جهات المملكة، تتولى مراقبة شروط علاج المرضى، خاصة أثناء إقامتهم بالمؤسسات الاستشفائية للصحة العقلية، والبت في الطعون والشكايات الموجهة إليها من المرضى أو من أقاربهم، إلى جانب تقديم تقرير سنوي عن أعمالها للجنة الوطنية. أسئلة، تشمل كذلك سبل مكافحة الاضطرابات العقلية، وأعمال الوقاية والتشخيص والعلاج وإعادة التأهيل وإعادة الإدماج، هاته المهام الموكولة إلى المؤسسات الاستشفائية للصحة العقلية، والعيادات الخاصة للأمراض العقلية والمراكز العمومية أو الخاصة المتخصصة في التكفل بصنف من أصناف الاضطرابات العقلية، أو بفئة من فئات الأشخاص المصابين بها، وكذا مؤسسات إعادة التأهيل وإعادة الإدماج الاجتماعي، إضافة إلى المراكز الصحية والوحدات الطبية المتحركة التابعة لشبكة مؤسسات الرعاية الصحية الأولية. ولا تقف دائرة الغموض عند هذا الحد بل تشمل كذلك نمط الاستشفاء بالمؤسسات الاستشفائية للصحة العقلية الذي يكون إما استشفاء إراديا أو استشفاء لا إراديا وفق أحكام النص، ومقتضيات التتبع الطبي الإجباري الخارجي وسبل إعادة التأهيل، وغيرها من التفاصيل المؤجلة إلى حين، ليظل الوضع قاتما رغم كل المجهودات المبذولة من أجل إنارة طريق الصحة النفسية والعقلية في بلادنا.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 11/10/2021