«العيادة الأخيرة» لمخرجها مراد الجوهري تفتح أبوابها فوق ركح المركز الثقافي بتطوان

استمتع عشاق أبي الفنون بمدينة تطوان، مساء السبت المنصرم، بعرض مسرحي باذخ وجميل موسوم ب « العيادة الاخيرة «، قدمته جمعية فضاءات ثقافية بالعرائش، بتنسيق مع مسرح الأفق بتطوان، بعد سنتين من توقف الأنشطة الثقافية بسبب الجائحة، ليعلن عن بصفة رسمية عن عودة الحياة لخشبة المسرح بالمركز الثقافي بتطوان.
على ركح المركز الثقافي بتطوان، فتح الدكتور ميشيل فوكو أبواب عيادته، في عرض مسرحي يجمع بين الإشارات المشفرة و الدراما و الإبداع الفني، إذ تستحضر المسرحية ثلاث شخصيات هامة في مجال الفكر و الثقافة و الحداثة، ميشل فوكو بأسئلته المستفزة، و لويس ألتوسير بإجاباته الممعنة في التأمل، و كلاوزفيتش بمواقفه الغريبة.
و على مدى ساعة و خمس دقائق، تفنن مؤلف المسرحية و معه مخرج هذا العمل الدرامي المتميز في تفكيك و طرح أسئلة متعددة حول اشتباك المعرفة بالسلطة، و كذا الدور التبريري للمعرفة الراهنة في المجتمعات الحديثة لجرائم الإنسانية، من خلال ابتكار مفاهيم مثل الشرط التاريخي و الاحتمال أو اللاوعي و الاإرادة و اللاحضور جسدي في فعل الاشياء.
و هكذا توفق كاتب المسرحية و معه المخرج مراد الجوهري في استفزاز عشاق المسرح، الذين حجوا بكثافة، عبر طرح أسئلة عميقة خلخلتها بدواخل المتلقي شخوص عمله الفني : ميشل فوكو بأسئلته المستفزة ، و لويس ألتوسير بإجاباته الممعنة في التأمل ، و كلاوزفيتش بمواقفه الغريبة والمثيرة.
و أبرز مؤلف المسرحية عزيز قنجاع، في تصريح صحافي على هامش هذه الفعالية الثقافية، أن مسرحية العيادة الأخيرة تلامس موضوعين رئيسيين يطبعان المرحلة المعاصرة على المستوى الفكري، منها التحالفات التي نسجتها المعرفة مع السلطة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فيما الموضوع الثاني يحاول أن يعالج السياق التبريري الذي انساقت فيه المعرفة في تدبير مجموعة من القضايا المشينة للبشرية، و بالتالي أصبحت المعرفة تجد لها لغة تبريرية لهذا الواقع المؤلم.
و أضاف كاتب النص المسرحي أن هذه الإشكالية سيتم صياغتها من خلال سيرة ثلاثة مفكرين أساسيين طبعوا القرن العشرين، و هم المفكر ميشيل فوكو و المفكر لويس ألتوسير و المفكر كلاوزفيتش منظر الحرب، الذي اقتبست منه كل المعاجم السياسية الحديثة مفاهيم الاستراتيجية و التكتكة و كل المفاهيم التي أثرت في التنظيرات التنظيمية للأحزاب.
و أشار قنجاع أن المسرحية تركز أن مسار هؤلاء المفكرين الثلاثة داخل عيادة سيلتقون فيها، و سيحاكمون أنفسهم بأنفسهم، تفككها المسرحية بصيغة حكائية دراماتولجية تعيد صياغة تلك الإشكاليات وفق مسار درامي به حوارات تحاكي و تلامس كل ما أنتجه فكرنا المعصر.
و شدد على أن المسرحية بمثابة محاكمة لفكر ما بعد الحداثة و للمبشرين به، و خلخلة لفكر ما بعد الحرب العالمية الثانية، و بالتالي ضرورة إنتاج مجال معرفي جديد يحاول أن يستلهم قيم التضامن و السلم و التعايش و الهوية المشتركة و الاعتراف بالأخر.
من جانبه يرى مخرج المسرحية مراد الجوهري، أن ” العيادة الأخيرة ” تستحضر ثلاث شخصيات هامة في مجال الفكر والثقافة، جرى إقحامها فوق الركح في سياق عملية صراع بين الأفكار التي أنتجها كل من المثقفين الثلاثة، مشيرا إلى أن العمل يتميز ببناء درامي قوي، و يطرح أسئلة متعددة حول الواقع الحالي، الموسوم على المستوى الثقافي بالتيه، و الذي خلقه المثقفون المعاصرون.
و أضاف المخرج أن المسرحية جمعت بين ثلاث مفكرين في مجالات متباينة، واحد في الفلسفة وثان في الفكر والأخير في الحرب، لكي تفكك علاقة التقاطع و التلاقي و التنافر بين السلط و الحرية، مشددا على أن العمل لم يكن سهلا على مستوى كتابته الاخراجية لكونه عمل قوي و مفعم بالاشارات والايحاءات.
وختم الجوهري كلامه بالتأكيد على أن المسرحية محاولة لتحليل المثقف وتشريحه و تقديمه مغفلا يتوهم فهم العالم، كما تطرح سؤال الحرية و السلطة التي تطال كل شيء، التي تعترف بوجود زوايا غامضة في النفس البشرية ، هذا الى فضح العلاقات المختلة في المجتمع التي لا يعترف من خلالها المجنون بجنونه، ولا القاتل بجريمته.
من جانبه أكد وليد بورباع أحد نجوم المسرحية أن العرض المسرحي شخصه ثلة من المواهب المسرحية الواعدة و الشابة بمدينة العرائش، التي احتضنتها جمعية فضاءات ثقافية بالعرائش.
و أضاف وليد أن القاسم المشترك بين الجميع كاتبا و مخرجا و ممثلين هو الايمان بالرسالة التي يحملها عشق المسرح في بناء مجتمع واع مثقف و حداثي.
هذا، و قد شارك في تشخيص أدوار المسرحية كل من أحمد بلال و وليد بورباع و فاطمة الزهراء الجباري و حمزة فتح الله، و هي من سنوغرافيا الأستاذ عبد الخالق الكلاعي.


الكاتب : مكتب تطوان.

  

بتاريخ : 15/04/2022