الفريق الاشتراكي في دراسة تقرير المجلس الأعلى للحسابات

ضعف تجاوب قطاعات كبيرة مع المجلس

المطالبة بمراقبة من يسيرون ميزانيات تصل إلى 95 % من ميزانية الدولة

 

تدخل البرلماني حميد الدراق باسم الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية في جلسة مشتركة لمجلسي النواب والمستشارين خصصت لدراسة تقرير المجلس الأعلى للحسابات الأخير، والذي سبق وقدمته رئيسة المؤسسة المعنية.
وجدد الدراق التأكيد على الأدوار المهمة التي يضطلع بها هذا المجلس على مستوى تتبع وتقييم أثر السياسات والبرامج العمومية بالنسبة للمغاربة، ووقوفه على رصد الاختلالات المرتبطة بتدبير المال العام، التي تعرفها عملية تنفيذ وتنزيل هذه السياسات. هذه المهمة التي تندرج في صلب تخليق الحياة العامة ومحاربة كل أشكال وصور الفساد، كاختيار استراتيجي انخرطت فيه بلادنا، ووضعت من أجل ضمان تفعيله مجموعة من الآليات والأدوات.
وشدد نفس المتدخل على أن موقف الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية مبدئي تجاه نتائج ومخرجات تقارير مؤسسات الحكامة، وخاصة هذه المؤسسة التي تعنى بتعزيز شروط النزاهة والشفافية في تدبير الشأن العام. وهو ما يجعلنا نؤكد من جديد انخراطنا في جميع التوصيات الصادرة على ضوء النتائج التي انتهى إليها التقرير، الذي هو موضوع مناقشتنا اليوم. غير أننا نسجل رفضنا لمحاولات البعض التعامل معه بشكل تجزيئي يستهدف من خلاله الاستغلال السيء للنتائج المتوصل إليها، بهدف تبخيس العمل السياسي والفاعل السياسي، على أساس أن هذه النتائج تعني جميع مرافق ومؤسسات وإدارات الدولة مادامت تعني عملية تدبير المال العام، كما نؤكد على ضرورة تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، لكن من دون توجيه تفعيل هذا المبدأ ضد من لا يتجاوز حجم تدبيره 5% من ميزانية الدولة، في مقابل من يدبرون 95% منها، ونحن بهذا الموقف الواضح لا ندافع عن أي صورة من صور الفساد، بل ندعو إلى مواجهتها كلها بنفس الحزم، وإلى عدم استغلال الطموح الجماعي في محاربة جميع صور الفساد، في العمل على تبخيس الممارسة السياسية من خلال التركيز على بعض الشوائب التي تعتريها، ذلك أنه لا يصح بل لا يمكن التوفيق بين العمل على تعزيز النموذج الديمقراطي المغربي وبين ضرب السياسة والسياسيين، إذ أنه لا يمكن قيام أي نموذج من نماذج الديمقراطية من دون ممارسة سياسية.
وقال الدراق أيضا لاحظنا أنه مباشرة بعد إعلان قلقنا من الاستغلال السيء للنتائج التي انتهى إليها هذا التقرير، أن هناك آلة تحركت من أجل تحريف مواقفنا، حتى تظهرنا بمظهر الرافض لها، وقد حرصنا على انتظار هذه المناسبة لنعيد طرح موقفنا بشكل مسؤول في جلسة مسؤولة، ولنؤكد أن مخرجات التقرير تؤكد ما ذهبنا إليه، حيث تضمن العديد من الخلاصات التي ترصد مجموعة من الاختلالات التي يعرفها نشاط المؤسسات والإدارات العمومية.
في هذا الإطار، فإننا نسجل التجاوب المحدود لجل القطاعات العمومية مع ملاحظات وتوصيات المجلس الأعلى للحسابات، ذلك أنه غالبا ما يكون محكوما بمنطق التجاوب التقني المفروض واللازم، وكأن الأمر لا يعدو أن يكون ممارسة وإجراء روتينيا فقط، غايته الرفع من نسب إنجاز التوصيات، تماما كما يكون تعاطيها دائما مع مواقف واقتراحات المعارضة، في حين أن الواجب هو السهر على تجويد النشاط العمومي انطلاقا من هذه الملاحظات، وهو ما يجب أن ينعكس بشكل مباشر على حجم ونسب الاختلالات المرصودة اضطرادا مع توالي تقارير المجلس.
على هذا الأساس، فإن وزارة الاقتصاد والمالية مطالبة اليوم باعتماد آليات للتعاقد بينها وبين مختلف القطاعات الحكومية، وبين هذه الأخيرة ومصالحها اللاممركزة، بغاية تحديد أهداف مختلف السياسات القطاعية ووسائل وآجال تنزيلها، ومن جهة أخرى فهي مطالبة بإصلاح المالية العمومية، وفي هذا السياق فإننا نتساءل ما المانع من اعتماد قانون مالي تعديلي عوض الاستمرار في اللجوء إلى استرداد الهوامش الميزاناتية؟
وأضاف الدراق: إننا إذ نثمن رفع المجهود الاستثماري خلال هذه السنة، فإننا نؤكد أن تخصيص اعتمادات مالية كبيرة للاستثمار يبقى إجراء غير كاف، إذا لم تتحقق نسب إنجاز المشاريع الاستثمارية المبرمجة، ذلك أن قرار رفع حجم الاستثمارات يجب أن يصاحبه مجهود كبير مرتبط بأثر هذه الاستثمارات اقتصاديا واجتماعيا، خاصة أن الواقع يبين بالملموس أن النتائج الاستثمارية تبقى دون مستوى وقدر المجهودات المبذولة، وهو ما يجعلنا ملزمين على طرح أسئلة مباشرة، مضمونها ما سبب صغر حجم الفوائد الاقتصادية والاجتماعية التي تحققها بلادنا، أمام حجم المجهود الذي تبذله في تأهيل وتطوير العملية الاستثمارية فيها؟ وقد تضمن تقرير المجلس الأعلى للحسابات أجوبة عن جزء مهم من هذه الأسئلة، وهو ما يفرض على الحكومة على الأقل تقييم جزء كبير من المجهود الوطني المبذول في هذا المجال، وخصوصا ما تعلق منه بنجاعة البرامج وأثرها، والتي رصدت لمشاريعها أغلفة مالية كبيرة، بكبر هامش الأمل الذي وضع على نتائجها، ثم تفعيل توصياته في الموضوع، بداية من تطهير بنود ميزانية الاستثمار من جميع النفقات التي لا تعتبر نفقات استثمار وانتهاء بمراجعة تخطيط نفقات الاستثمار بصورة تعكس التوجهات العامة لمالية الدولة.
وتماشيا مع توجيهات جلالة الملك، انخرط المغرب في تنزيل ورش الحماية الاجتماعية باعتباره ورشا اجتماعيا مهما، حيث ارتكز هذا الورش على مجموعة من المرتكزات، أهمها الإصلاح الشامل للمنظومة الصحية ببلادنا حتى تصبح قادرة على استيعاب جميع احتياجات وتطلعات المغاربة وعلى تقديم خدمات صحية عمومية جيدة. هذا الإصلاح الذي لا يمكن أن يدرك غاياته إلا إذا انطلق من تأهيل أوضاع الموارد البشرية الصحية باعتبارها أساس المنظومة الصحية، وهو ما أكده تقرير المجلس الأعلى للحسابات الذي نحن بصدد مناقشة مخرجاته، من خلال رصده لمجموع الاختلالات التي تعترض الارتقاء بالموارد البشرية الصحية وقدراتها، والمتعلقة أساسا بالحجم الصغير لهذه الفئة من الموظفين العموميين مقارنة مع حجم مرتفقي القطاع الذي يشتغلون فيه، وهو ما يشكل عائقا حقيقيا أمام ربح رهان توفير التغطية الصحية الملائمة لجميع المغاربة. في هذا الإطار فإننا نستغل هذه المناسبة للتذكير بأن الحل الوحيد للرفع من جاذبية القطاع، مادام أنه أكثر المبررات التي يستحضرها المسؤولون عن قطاع الصحة بالمغرب، هو اعتماد حوافز مالية وغير مالية من أجل رفع كثافة العاملين الصحيين وفي مقدمتهم الأطباء، وإعادة انتشار موظفي الصحة في المناطق التي تشكو من ضعف الخدمات، ثم اعتماد مخطط استعجالي يستند إلى توظيف كل الخريجين من الكليات والمعاهد والاحتفاظ بمناصب المحالين على التقاعد، مع تعزيز الأعداد بتشجيع عودة المهنيين المغاربة من الخارج.
وهو ما غاب عن مشروع تحفيز الموارد البشرية الصحية الذي أتت به الحكومة، والذي تضمنه قانون الوظيفة الصحية، هذا المشروع الذي لم تحترم في إعداده أي صورة من صور المقاربة التشاركية، حيث أنه وبالرغم من أنه يتعلق بمهنيي الصحة إلا أنه لم يتم إشراكهم في إعداده.
وبخصوص موضوع التجميع الفلاحي، فقد سبق لنا في الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية، خلال المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة في موضوع السيادة الغذائية، أن أشرنا إلى فشل مخطط المغرب الأخضر على هذا المستوى، انطلاقا من كون التجميع الفلاحي أساس الفلاحة التضامنية التي تعتبر دعامة من دعامات هذا المخطط، وهو ما تؤكده المعطيات التي تضمنها تقرير المجلس الذي نحن بصدد مناقشته، حيث أن القول بفشل برامج التجميع الفلاحي هو تأكيد فشل رهان تنمية حلقة أو حلقات من السلاسل الإنتاجية، سواء إنتاج أو توضيب أو تلفيف أو تخزين أو تحويل أو تسويق المنتوجات الخاصة بهذه السلاسل، وهو ما يتطلب بذل مجهود إضافي سواء في ما يتعلق بالسهر على تنفيذ البرامج الموقوفة أو تقييم وتتبع مشاريع التجميع المحدثة.
إنها أمثلة من نتائج وتوصيات التقرير الأخير الصادر عن المجلس الأعلى للحسابات، والتي تتطلب منا الوقوف عندها بكل جدية، ليس فقط من أجل استخلاص الدروس من أجل الارتقاء بتدبير الشأن العام وتعزيز الشفافية والنزاهة، ولكن أيضا من أجل تفعيل المبدأ الدستوري المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة حفاظا على المال العام وصونا للمصلحة العامة.


الكاتب : محمد الطالبي: الرباط

  

بتاريخ : 21/06/2023