الفنانة التشكيلية حياة الشوفاني

أعمال تحاكي ذاكرة الموروث
بحس طفولي وشاعري

” أجمل ما في الفن الفطري هو غياب العقل الثقافي والذي يكون أحياناً محدداً لانطلاقة وبداهة فعل الإبداع والطاقة الوجدانية عندما تتحقق بكامل قوتها وانفعالها، المراس المدرسي او التعليمي او المعرفة المسبقة أحياناً تقيد فعل الإبداع او تمنهج فعل العناصر لذا أجد أن الأعمال الفطرية فيها قوه الحدس وطلاقة الروح والمشاعر. “

– فاخر محمد : فنان تشكيلي عراقي –

يشكل الفن التشكيلي مصدر إلهام لها، وحياتها الثانية، حيت نعتها البعض بخليفة الفنانتين فاطنة الكبوري وفاطمة حسن، فنانة تشكيلية عصامية من مواليد 1991 بمدينة أزمور، صقلت موهبتها منذ الصغر في وسط عائلي فني، حيث استلهمت فن الرسم من والدها الفنان محمد الشوفاني، إنها الفنانة التشكيلية حياة الشوفاني، برزت أعمالها من خلال مساهمتها في عدة معارض جماعية و فردية بكل من البيضاء والصويرة وآسفي والرباط والجديدة وآزمور .. جعلت الأضواء تسلط عليها كفنانة بصمت اسمها بقوة في الساحة التشكيلية، كما أكسبها الثقة و مزيدا من التجربة التي وظفتها في أعمالها من خلال اللقاء بفنانين من مدارس مختلفة ونقاد وأساتذة وإعلاميين، مما جعلها تقول ذات يوم، إن هذه المعارض هي أكبر وأهم مدرسة استفادت منها، لتتبوأ مكانة متميزة في عدد من التظاهرات والمسابقات و يتم تكريمها إقليميا كأحسن فنانة أزمورية للشباب، كما كانت لها مساهمة بالغة العمق في ديوان الشاعر إدريس لمرابط “زينة لبها” من خلال رسومات زينت صفحاته. يقول عنها الفنان التشكيلي عبد الاله زخروف: ” تعتبر الفنانة الشابة التشكيلية المغربية الأزمورية حياة الشوفاني أحد الأسماء البارزة والمتفردة في سماء الفن الفطري اليوم بمدينة أزمور، فهي من الشباب الذين جعلوا من الفن الفطري سندا فنيا وفلسفيا عن طريق الموضوعات، فاتحة للفن الفطري تخوما جمالية غير مفكر فيها. لذا فتجربة حياة تجربة مهمة اليوم داخل كارتوغرافية الفن الأزموري المعاصر، لا أحد يستطيع أن ينكر جمالية اللوحة وطرائق تشكيلة للمادة، فهي تمزجها بأشكال من الحياة اليومية للإنسان المغربي. ومشاركتها في العديد من المعارض الفنية المتميزة جعلها تتبوأ مكانة رصينة داخل أقرانها من الفنانين المغاربة الشباب، أتمنى لها مزيدا من التفوق والنجاح ” .
وأنت تلج فضاءات أعمال حياة الشوفاني تلامس من خلال أولى التصفحات أن لوحاتها تحاورك فرحا وحبا وجمالا، كأنها سمفونية ألوان تتراقص على إيقاع كوني مفعم بالشاعرية والجمال الروحي بلمسة بريئة وحس طفولي منبعث من أعماق الفنانة، وما أثث ذاكرتها من ذكريات نابضة من أشياء تعتبر جزءا من حياتنا اليومية كأثر شعبي، ملامسة صورا أليفة وبرؤية جمالية تربط فيها بين الحكاية والبياض وذلك بشكل مبهج للعين وبتقنيات لونية ومهارات بالغة الدقة في بناء تشكيل معالم لوحاتها، دامجة ترميزاتها عبر تلك البانوراما البصرية، مغترفة مكوناتها ورغباتها ما يتعلق بعلاقة الإنسان مع الحياة وما يحيط بها من مكونات، متجاوزة ثنائيات الماضي والحاضر، الظاهر والباطن، بطريقة لونية ولمسة تخيلية لا متناهية، لعشقها الشديد للألوان الزاهية وتغطية المساحة كنوع من الإبحار في التاريخ ومحاولة تكثيفه في جزئياتها، و لعل ما جعل لوحاتها لها مكان خاص لدى المتلقي هو امتلاكها لقدرة التكوين فوق المساحة بكل لوحة لها مضمون خاص تحكي من خلالها صقة أو حكاية من ذاك الزمن الجميل برؤيا واقعية ممزوجة بالخيال البصري.
يقول عنها الفنان التشكيلي نور الدين الغماري: ” حياة الشوفاني فنانة متميزة ومتفردة بلوحاتها الضاربة في عمق الفن الفطري، حيث نجدها في غالبها مستوحاة من عالمها الغني بمواقف وتجارب حياتية محضة، إضافة إلى غنى و صفاء الألوان الذي تعتمدها في أعمالها والتي تعكس نضج الفنانة، لذا يمكننا أن نقول أن أعمال حياة الشوفاني تقترب في تميزها من أعمال المرحومة طلال الشعبية، لأنهما تنتميان لنفس المدرسة الفطرية الخامة، فنانة رائعة بصمت حضورها بكل ثقة وتميز”، فالإبداع لدى حياة الشوفاني هو حكاية عشق منذ الطفولة ولن تنتهي فهو متعة و لذة لا توصف، الإبداع لديها هو سفر عبر عوالم الألوان وتناسقها الطبيعي الذي يبعث الروح في الذات الإنسانية و يجعلها تتناغم وتتجاوب معه وتعقد معها علاقة ود، حيث أنها استطاعت أن تمتلك قدرة بالغة في استخلاص الأجواء اللونية التي تبعث على الحركة والحياة في اللوحة وفق بؤرة بصرية تشد الناظرين.
فكلما زرت مرسمها أو أحد معارضها إلا و شدت انتباهك تلك الأوان البراقة، الزاهية وهي تغطي مساحات اللوحات، كأنك في محفل شعبي حي تنبعث منه الأهازيج و الطقوس التي تعتبر جزءا من ذواتنا، لا يمكن الانسلاخ عنها، فهي بذلك تعيدنا لقراءتها و الاستمتاع من خلالها ما تختزله لمساتها من أصالة وحفظ للذاكرة الشعبية بحس طفولي غاية في السلاسة، لتبقى أعمال الفنانة حياة الشوفاني ذات لغة تشكيلية فطرية خامة مبنية على أسس خاصة بها، استقتها من تجربتها واحتكاكها بأسماء لها وزنها في الساحة التشكيلية، تمتاز بالبساطة البعيدة عن التفاصيل المعقدة من حيث الأشكال والألوان مشكلة إبداعات لونية متناغمة بين التركيب والتوزيع الجميل الذي يترك الأثر الفني في نطاق الحيز المشكل، بعفوية صادقة ذات دلالات إنسانية واجتماعية كأنها تعيد الاعتبار لثقافة الأصيل تمتزج فيها صور الواقع والخيال كأننا بصدد حكايات ألف ليلة وليلة.


الكاتب : محمد الصفى

  

بتاريخ : 19/08/2021