الفنان التشكيلي عبد الله بلعباس صديق البحر و النوارس

 

عرف بتلقائيته و تواضعه، و تعلقه الشديد بمدينته مازكان حيث كان مسقط رأسه، فتراه متجولا بين دروبها وأحيائها العتيقة وعلى جنبات شاطئها، محاولا اقتناص صور بصرية من زرقة الماء وأجنحة النوارس وألوان الأسوار ورائحة التراب، عبر كاميراه التي لا تفارقه، إنه الفنان التشكيلي العصامي عبد الله بلعباس الذي اعتنق الرسم في طفولته داخل حجرات الدرس مختلسا لحظة فراغ، محولا إياها لخطوط ودوائر قبل أن تتحول لبورتريهات زملائه أو أساتذته، تابع دراسته بمدينة الرباط ليحصل على الإجازة في الفلسفة وبعدها كأستاذ في نفس المادة في مدينته الجديدة ، وبما أن الابداع استهواه فقد قرر الانفصال عن سلك التعليم في إطار المغادرة الطوعية، والانزواء في مرسمه خالقا عالما خاصا به عالم يسوده الهدوء والإحساس المرهف، كيف لا وهو الشاعر الذي يتغنى بكل ما هو جميل، جاعلا من اللوحة قصيدة، ومن القصيدة لوحة.
تتميز أعمال التشكيلي عبد الله بلعباس بخصوصيتها ومحاكاتها للزمن والمكان بكل واقعية، وقدرتها على التشكل وفق زمنها، كما أنها مفتوحة على تنوعات الشكل والمعنى، حيث نلامس في لوحاته مسافة مفتوحة للبصر، مسافة غامضة وبإشارات واضحة تبرز جوانب الوعي الباطني، وتكشف قوة الفعل والخيال والموهبة، له أسلوبه الخاص في التعامل مع اللوحة خالقا بينه وبينها علاقة حميمية قد يستغني فيها عن الفرشاة أو أية أداة أخرى للاشتغال، معتمدا على أدوات بسيطة يغطي لمستها البراقة في العمل الإبداعي الذي تسكنه النزعة الفلسفية.
استطاع أن يكوّن نفسه بنفسه ليروض لوحاته ويجعلها تحاكي المتلقي وكأن بها روحا تحدثه، وهو ما لامسناه من خلال مجموع معارضه الفردية التي نظمها أو التي شارك فيها في مجموعة من المدن كالبيضاء و الرباط وفاس والجديدة و .. اشتغل على العين والبحر، والجسد والوجوه، خاصة الأنثوي منها، بطريقة مبهمة دون ملامح مانحا للمتلقي فرصة تجسيد شخصيات لوحاته، حيث قال عنه الكاتب عز الدين الماعزي «يستغل عبد الله بلعباس انطلاقا من نزعته الفلسفية التي تتغلغل داخله ويتنفسها ويتفرد في تجربته بإخراجها عبر انفلاتات وتشكيلات وبورتريهات على ورق وملصقات الجرائد لشخصيات عالمية ووطنية، أدبية وسياسية وغنية متميزة، واشتغاله على الصورة، يلتقطها بكاميراه: مناظر طبيعية للبحر والنوارس من مدينة مازكان حد النخاع « .
يقوم الفنان عبد الله بلعباس الملقب بصديق البحر والنوارس بتوظيف الألوان بشكل يجعل فضاء لوحاته يبدو شفافا كالماء فتبرز العناصر الموظفة لتنمحي، سواء كانت وجها أو تفصيلا من جسد أو باب وتتشكل مع نتوءات السند قماشا كان أو خشبا، معتمدا على تقنيات خاصة به وتعامل فريد مع تشكيلات الألوان ليبقى الحبر أحيانا سيدها، في تناغم و تراقص يتفرد به كأسلوب أطلق عليه أسلوب بلعباس.
يقول عنه الناقد حسن إغلان « أتذكر الآن أني كتبت عن رسومات هذا الفنان في أواخر ثمانينيات القرن الماضي في مجلة «اليوم السابع»، حين جُلت خلسة في أوراقه المتناثرة برسومات على الورق المقوى أو على صفحات الجرائد، وكأن الرسم على هذه الأخيرة كتابة على كتابة، أو بالأحرى خرق للكتابة، عبر تشتيت النقط، وتجميع بعضها في شكل جمل أو طائر أو ما شابههما … وفي ما بعد استهوتني بلاغة الجسد عبر تشكيله بكافكاوية بديعة، وهو عمل برع فيه الفنان بكثير من القلق والتوتر .»


الكاتب : محمد الصفى

  

بتاريخ : 24/03/2022