الفنان المغربي نور الدين فريحي المقيم ببلجيكا

أوجه رسالتي للمعنيين بالأمر لدعم دور الشباب لأنها كانت تلعب دورا أساسيا

في تأطير الشباب وتفتح لهم الأبواب

نور الدين فريحي فنان مغربي من مواليد الدارالبيضاء 18 ماي 1957 ويعيش بالديار البلجيكية منذ سنوات طويلة، مارس هوايته في المسرح منذ شبابه إلى ان قادته الظروف لإكمال مساره خارج المغرب ويبصم اسمه بقوة . يتقن عدة لغات وراكم تجارب في التمثيل كما حمل هم الفن منذ البداية، تحس في نبرة صوته عندما يتحدث عن مجاله، قوة عشقه وإيمانه بأن الفن رسالة ومرأة تعكس الواقع .
تم اختيار نور الدين فريحي ضيف شرف الدورة التاسعة لمهرجان «أفلام الجنوب» الذي ينظم ببروكسيل بإدارة الفنانة المغربية رشيدة الشباني التي تقيم ببلجيكا أيضا. عن هذا وعن مساره والحجر الصحي، حاورته جريدة «الإتحاد الإشتراكي»، رغبة منها في التعريف بالمغاربة الموهوبين المقيمين بالخارج، وأن تكون جسرا بينهم وبين بلدهم الأم.

 

 تم اختيارك كضيف شرف لمهرجان «أفلام الجنوب» فما هو إحساسك؟

أولا لا بد أن أستهل شهادتي بالقول أنني أعتبر هذا المهرجان، مبادرة جد جيدة ، علمت بوجوده منذ 6 سنوات أثناء مشاركتي في أحد الأعمال الفنية بجانب مؤسسته الممثلة رشيدة الشباني، حيث عملنا معا في فيلم هولندي تحت عنوان «وعد بيزا»، كما حضرت فعالياته منذ سنتين. ويجب أن أؤكد بأنه بفضل مثابرة رشيدة الشباني وعملها المتواصل استطاع المهرجان أن يتطور ويصل لسنته التاسعة، إذ ضحت بعملها كممثلة ومخرجة لتوفر كل وقتها لهذه التظاهرة الفنية.
في ما يخص التكريم، فلا يمكنني إلا أن أكون جد فخور، وقد أثلج قلبي فعلا هاته الإلتفاتة، تعذر على إثرها لساني عن التعبير عن أحاسيسي العميقة تجاهها. فهذا المهرجان صنع أهميته من كونه أصبح مكانا للقاء أولا ما بين الفنانين في ما بينهم، وما بين هؤلاء و محبي الفن السابع، يحجون إليه سينيفيليين يمتازون بكونهم ذوي ثقافات وجنسيات مختلفة قصد التعرف على الثقافة العربية. كما أنه أصبح من بين المنصات التي تسهل التبادل وعقد الشراكات لخدمة الفن في جل أطراف العالم وما بين مختلف الجنسيات تحت سماء بلد يعرف هو أيضا بتنوعه ألا وهو بلجيكا التي أحبها وأنتمي إليها كمغربي وأحب تنوعها.

 فمن هو يا ترى نور الدين الفريحي؟

حقيقة أجد صعوبة في التحدث عن نفسي، لكن ما يمكن القول هو أنني نشأت مثل أي طفل مغربي عادي، ترعرعت وسط عائلة متعددة الأفراد، ما بين 5 أخوات و5 إخوة. منذ صغري كان لدي ميول لشيئين أساسيين، ففي الإطار الرياضي كنت أهوى كرة السلة وفي الإطار الفني عشقت المسرح.

 ومتى بدأ هذا العشق للفن؟

حقيقة لا أدري، ولكن ما اتذكره هو أنني ولجت المسرح عن طريق دار الشباب سيدي معروف فهي الرافعة التي دفعت بي إلى هذا الميدان إذ لعبت دورا أساسيا في مساري الفني حيث التقيت، في هذا الفضاء، بطلبة آخرين كانوا ضمن فرقة مسرحية، ومن بينهم الزجال أفندي رضوان، الذي أعتبره أخا أكثر منه صديق. التحاقي بالفرقة المسرحية «فرقة الخلود» التي كنت أنتمي إليها، تم في فترة كان ما يصطلح عليه ب»المسرح الثوري» هو الشائع، وهذا النعت حينها كان يرهب الناس، وكانت العديد من الفرق المسرحية تدخل في هذا الإطار. وفضلا عن فرقة الخلود، كانت «فرقة سيزيف».
أما دار الشباب بوشنتوف فقد عرفت بفرقة «مسرح الباسم» التي سبق ولعبت مسرحية «الكيرة» التي كان ضمنها شفيق السحيمي ويوسف فاضل ونجاح حميد وأخيه المرحوم نجاح عبد الكريم، المهاوتي، التازرني وأيضا شكري عبد المجيد الذي سافر هو أيضا بعدها إلى خارج المغرب، وهو رسام وكاتب درامي يعيش الآن بهولندا.. وكنا ضد المسرح النخبوي، ونسعى إلى مسرح هادف، مسرح تحضره أمهاتنا وجداتنا تتابعنه وتفهمنه..، ففكرتنا آنذاك أن المسرح مرآة للواقع و للمجتمع فهو يعكسه لذا يجب أن يتوجه للجميع .
لعبت في عدة مسرحيات، إذن، وفي أدوار مختلفة وحصلت لنا بعض المشاكل، من بينها أن ذات يوم ساهمت في مسرحية تحمل عنوان «أشياء لا تتحرك» في حي «كريكوان» رفقة سعد الله نور الدين، وأذكر أن رجال السلطة طردونا ومنعونا من إكمال المسرحية وأخرجوا الجمهور.
ويجدرالإشارة بأن افندي رضوان هو من كان يكتب المسرحيات وأذكر أن أخر مسرحية قمنا بها كانت بعنوان «الزنقة 11» وسبق وشاركنا بها في مهرجان الدارالبيضاء للهواة.
من جهة أخرى ومن هذا المنبر أبتغي أن أوجه رسالتي للمعنيين بالأمر بضرورة دعم دور الشباب لأنها فعلا كانت تلعب دورا أساسيا وتؤطر الشباب وتفتح لهم الأبواب وتسمح لهم بإبراز مواهبهم بعيدا عن أي عادات سيئة التي قد يسقطون فيها ولا تعود بالنفع لا عليهم ولا على المجتمع المغربي. أتوجه بهذا النداء، بصفتي ابن لهاته المؤسسة، ولأنني وقفت مؤخرا عند زيارتي للمغرب للإندحار الذي وصلت إليها هاته الدور التي كان لها اليد في مساعدة أجيال كثيرة، ذات سنوات يمكن القول أنها عرفت ازدهارا فنيا وثقافيا.
كما أحب أن أشكر جزيل الشكر القائمين انذاك على دار الشباب سيدي معروف والأستاذين العسطي وموغلي لأنهم وجهونا ومنحونا المجال للتعبير عن أنفسنا وعن طاقاتنا الفنية.

 كيف وصل بك المطاف للدولة البلجيكية؟

شاءت الظروف أن يتفرق أعضاء فرقتنا المسرحية. لكن بالنسبة لي المسرح كان أهم شيء لدي، يشعرني بالإنتماء لعائلة، خاصة وأنني نشأت داخل أسرة متعددة الأفراد قليلا ما كانت توفر الاهتمام الكافي لطفل في سني بسبب كثرتنا، فكانت الفرقة التي انتميت إليها بمثابة تعويض على هذا النقص.
عندما تفككت فرقة الخلود حزنت جدا، ففكرت مغادرة المغرب وقادني مصيري لبلجيكا بتاريخ 29 دجنبرمن سنة 1976 ، يعني أني احتلفت بالسنة الجديدة في الحدود مع فرنسا، بيد أنني لم أمارس المسرح مباشرة بعدها، فقد انتظرت 10 سنوات قبل أن تتاح لي فرصة المساهمة في مسرحية. وبالمقابل بقيت على علاقة بالفن، لكن من باب الموسيقى، ففي الفترة الممتدة ما بين سنتي 77 و 87 أنشأنا نحن مجموعة من الشباب فرقة موسيقية نغني من خلالها مجموعة من أغاني الغيوان، وقد أسميت الفرقة الموسيقية «خلود» على غرار الفرقة المسرحية التي كنت أشتغل فيها بالمغرب تيمنا بهاته الأخيرة ومن كثرة حبي لها.
فقد كنت أنتمي، حسب اعتقادي، لجيل امتاز بالصحوة الثقافية، فترة ظهرت فيها مجموعات ناس الغيوان وجيل جيلالة والمشاهب.. فأصبح للهجهوج والبانجو.. قيمتهم وفي إطار هاته الموجة، تعلمنا الغناء والعزف على مختلف هاته الآلات الموسيقية من بندير وطامطام.. فمثلت لي الموسيقى بديلا، دون أن أسهو عن حلمي بالعودة لممارسة المسرح في يوم من الأيام.
عودتي للمسرح ببلجيكا ارتبطت بمسرحية اقتبسها صديق عن رواية الطاهر بنجلون «موحا الأحمق موحا العاقل» سنة 1988، وهو الممثل والموسيقي عبد القادر زحنون المشهورهنا بالديار البلجيكية، وفكر في منحي الدور الرئيسي. وبهذه المناسبة أشكره كثيرا.
هاته المسرحية تم تمويل إنتاجها من طرف فرقة «زوار كوميدي» أو « المسرح الأسود»، بعدها بشهور قليلة اتصل بي مدير المسرح الذي رأني أؤدي الدور الرئيسي، واقترح علي العمل في مسرحية له، كانت فرحتي كبيرة عندما استطعت أن اتعرف بفضل عبد القادر زحنون على مدير هذا المسرح، والسبب أنني وجدت نفسي في أعماله واسترجعت الإحساس الذي كان يمتلكني عندما كنت أعمل في الدارالبيضاء مع أفندي رضوان في إطار ما يلقب ب»المسرح الملتزم». وكان هذا المدير كل ما يعرض علي عرضا جديدا للعمل أزداد فرحا، واستمر ذلك طيلة 13 سنة كانت بالنسبة إلي كمدرسة. عندما كنت في الدارالبيضاء كنت أحضر مناقشات تدور ما بين حميد نجاح وغيره من الممثلين المسرحيين المثقفين، حول المشهد الفني المغربي والمسرح واستوعبت ذلك وبدخولي تجربة «المسرح الأسود» كل تلك المعلومات التي تشرح المجتمع، طفت لفوق وجعلتني ألج هاته المدرسة بسلاسة.
فضلا عن العمل بالمسرح شاركت في برامج تلفزيونية وفي سنة 1998، إذا لم تخني ذاكرتي، عرض علي العمل في مسلسل ومدته 27 دقيقة ويحمل عنوان : thuis.
كان يبث يوميا باستثناء أيام السبت والأحد، ولمدة 11 سنة. وبالرغم من مروري بعدها من ظروف امتازت بجفاف العروض، إلا أنني بعد حين استطعت أن أعمل في أفلام سينمائية سواء قصيرة أو طويلة.
بالنسبة لي كنت أحب أن أساهم في الأفلام القصيرة لأنها كانت من إخراج الشباب وأنا في اعتقادي من الضروري مساعدة هؤلاء وإعطائهم يد العون لأنهم هم مستقبل البلد وإذا لم نساعدهم هم بدورهم لن يساعدوا أحدا بعد ذلك وبالتالي لم يكن الدخل المالي من أولوياتي، فعندما يطلب منك شاب تخرج توا أن تساهم معه في عمله تجد بأنه من واجبك الموافقة ففي رأيي يجب أن نكون في خدمة الشباب وهذا ما يدفعني إلى اعتبار مهرجان «أفلام الجنوب» مهم جدا لأنه منصة للتنوع .
أخر فيلم شاركت به ، من عمل كل من عادل العربي وبلال فلاح، إخراج مشترك لمغربيين أعتبرهما مقتدرين، وللإشارة فهما مخرجا «باد بويز» الأخير الذي يمثل فيه ويل سميث. بعده استدعيت للعمل في مسلسل بعنوان «خلايا الأزمة» مع المخرج جاكوب بيرغير وهو إنتاج مشترك ما بين سويسرا بلجيكا ولوكسمبورغ. سلسلة من 6 حلقات ويتطرق موضوعها لمشكلة المملكة العربية السعودية واليمن، وسيعرض قريبا، أي في حدود شهر نونبر، في التلفزة البلجيكية.
وحاليا أنا منهمك في تصوير عملين: الأول من إنتاج «نتفليكس» والثاني للقناة التلفزية البلجيكية «إرتي بي إيف».
ونحن نمر بهاته الأزمة الصحية العصيبة، أود أن أسالك عن شعورك إزاء هذا الوباء وكيف مرت فترة الحجر الصحي.
صراحة أصبت بصدمة، فقد كنت على بعد أيام معدودة من انتهاء تصوير سلسلة «خلايا الأزمة» بألميريا وكان ذلك في حدود 4 أو 5 مارس، وقلت في نفسي لابد أن أزور المغرب، بحيث توجهت إليه في التاسع من شهر مارس ومرما يقارب 10 أيام قبل ان تعلن السلطات عن إغلاق الحدود ومنع السفر وانطلاق الحجر الصحي. لم أتوقع أنني سأمكث بالمغرب لأكثر من أسبوعين على أكثر تقدير، لكن وجدت نفسي مجبرا على البقاء، الحمد لله أنني كنت بمنزل والداي وتمت معاملتي والعناية بي كملك من طرف أخي(مبتسما)، الذي أشكره، لكن غيابي عن زوجتي وأولادي كان بمثابة صدمة كبري لي، علاوة عن كوني لم يكن بإمكاني لا الخروج للتجوال ولا التحرك وذلك لمدة 3 أشهر ونصف، كانت فترة نفسية مرهقة. وأيضا تركت ركاما من الأعمال تنتظرني، ولحسن الحظ تم تأجيل الأعمال رسميا. وما أود قوله حول هاته الأزمة الصحية هو أنها تشعرني بالحزن، ولكن الله أعلى من كل شيء والثقة به أكبر.

 


الكاتب : سهام القرشاوي

  

بتاريخ : 03/10/2020