القاصة فاطمة كطار تتحدث عن مجموعتها القصصية «من أين يأتي الضوء»

أحرص كثيرا على إخراج نصوصي في كامل أناقتها القصصية

لغتي القصصية تتميز بالحضور القوي للمجاز واللعب الصوتي بالمفردات

 

تتقدم القاصة فاطمة كطار، بصرف النظر عن حداثة سنها، بخطى راسخة على خريطة القصة المغربية. قارئة نهمة للمتن القصصي والروائي، وساردة تلتفت باستمرار في المنجز القصصي الوطني والعالمي.
أثارت قصصها الانتباه في العديد من الملتقيات والجوائز الوطنية الخاصة بالقصة القصيرة، خاصة أن سرودها تتطور باستمرار، وتراهن على الأسلبة والخروج من القيد الحكائي التقليدي، فضلا عن تمكنها من أساليب البلاغة القصصية الجديدة، لغة وتركيبا وبناء. أصدرت فاطمة كطار عملها القصصي الأول « من أين يأتي الضوء؟ «، وهي مجموعة قصصية تضم كتابين كل واحد يتميز بأسلوبه ومرجعياته وطرق استعراضه للمحكي. في ما يلي حوار مع القاصة حول هذا العمل

 

p :باكورتك القصصية الأولى تحمل عنوان «من أين يأتي الضوء»، لكنها تضم كتابين. ما الداعي إلى هذا التقسيم؟ وبماذا يتميز الأول عن الثاني؟

n لم يكن التقسيم في المجموعة بين العملين بهدف التقسيم فقط ، وإنما كان من أجل التمييز بين فترتين من الكتابة. فالعمل الأول كان جاهزا في نهاية سنة 2018 والعمل الثاني كان عبارة عن نصوص سردية كتبتها مابين سنة 2019، وسنة 2020، ولأن طبع العمل الأول قد تأخر لمجموعة من العوامل، ارتأيت أن أجمع العملين معا، والتقسيم جاء ليفرق بين الفترتين وبما تميزت كل منهما.
من يقرأ العملين سيجد مجموعة من الاختلافات التي تفرق بينهما، وأولها الأسلوب، فالأسلوب الذي كتبت به الأول يختلف عن الثاني، من حيث اللغة والصياغة ومن حيث المواضيع، فالعمل الأول عبارة عن قصص قصيرة واقعية من الهامش، تعالج قضايا اجتماعية ونفسية، يعيش أبطالها حياة البؤس والفقر والتهميش والاقصاء الاجتماعيين، وهذه الفئة من المجتمع هي التي تكون -غالبا- مثيرة للضجيج والفوضى لأنها لم تجد فرصتها في أن تدمج مع باقي الفئات الأخرى، والكتابة عن هذه الفئة تجعل القارئ يتقرب أكثر من فهم دواخل هذه الشخصيات ونفسياتها، وبالتالي يصبح الكاتب هنا صوتا لها ويستطيع أن يوصل بعضا من احتياجاتها ومتطلباتها، حتى وإن كانت الرسائل التي يريد إيصالها يعبّرعنها بطريقة غير مباشرة. أما العمل الثاني فهو عبارة عن نصوص سردية تحتفي باللغة والخيال بالدرجة الأولى، وتجعل مادتها الخام التعبير عن الذات والنفس وتناقضاتها ورغباتها المكبوتة، كما أنها تطرح مجموعة من التساؤلات الفلسفية التي يكون الغرض منها تحفيز المتلقي على التفكير ومشاركة الكاتب حيرته أمام كل تلك التناقضات التي تعج بها النفس البشرية.

p يلاحظ في المجموعة وجود مزاجين قصصيين، أحدهما يهتم بالحكاية، فيما يولي الثاني أهمية كبيرة للشكل. ما رأيك؟

n نحن نتفق بأن القصة القصيرةً تعرف تطورات مهمة على مستوى الشكل والمضمون، بين تلك المعايير الكلاسيكية القديمة وبين التقنية الحديثة، وسيلاحظ قارئ المجموعة القصصية «من أين يأتي الضوء» أنها تزاوج بين المستويين؛ العمل الأول، هو عمل يهتم بالحكاية وهو مستوى يتوافق وطبيعة الموضوعات المعبر عنها والتي تحتاج إلى حكاية وحدث وشخصيات وزمن ومكان وحبكة… كما أنها تعبر عن نفسها من خلال خلق جو ملائم لعرض تلك الشخصيات كل مرة بمزاج مختلف، كما أنها في بعض النهايات تتركها مفتوحة على تأويلات المتلقي الذي يترك هو الآخر بصمته في وضع النهاية المناسبة لها. ونستطيع أن نجد الحكاية في مختلف الأجناس الأدبية والفنية المختلفة، فالحكاية تحضر في القصة والرواية والمسرح والسينما والفنون التشكيلية، نجدها حتى في حياتنا اليومية وداخل بيوتنا، وتتغير هذه الحكاية بتغير المتغيرات التي تطرأ داخل المجتمع وحسب السياق الاجتماعي والثقافي الذي وضعت فيه. أما العمل الثاني فهو يولي اهتماما كبيرا لشكل القصة التي أصبحت قادرة على التخلي عن المراحل الثلاثة المعروفة بالبداية والوسط والنهاية وعن الحدث الذي تدور حوله القصة، واهتمت باللغة في اقترابها من اللغة الشعرية الإيحائية، وركزت على تقنيات أخرى كالتداعي والحوار الداخلي والانتقال من الزمن الطبيعي الذي تدور فيه القصة إلى الزمن النفسي، فلم تعد القصة هنا تتناول حياة الشخصية بأكملها وما يحيط بها من أحداث وظروف وشخصيات أخرى، بل إنها اكتفت بتصوير جانب واحد من جوانبها والتركيز على زاوية واحدة من حياتها، وربما اكتفت بتصوير خلجة واحدة أو نزعة واحدة من خلجات النفس البشرية، حيث استطاعت أن تصوره بشكل مكثف وخاطف، يساير روح العصر والإيقاع المتسارع الذي أصبحنا نعيشه … كل هذا ركزت عليه قصص العمل الثاني، وهو ما يوضح ذلك التأثر بالقصص الغربية الحديثة، وقد كان هذا المزج بين المضمون والشكل في المجموعة، يعطي ذلك التكامل والانسجام بين قصص العمل الأول وقصص العمل الثاني، ويوضح بشكل جلي التأثر الذي مر منه مسار الكتابة لدي.

p في الكتاب الثاني من المجموعة تحيز كبير لـ «شعرنة المحكي». هل هذا اختيار جمالي مفكر فيه، أم تطور طبيعي لوعيك القصصي؟

n الاهتمام باللغة واستحضار جماليتها أثناء الكتابة يجعلنا أمام شعرنة المحكي، الذي ولد من رحم تداخل الأجناس الأدبية واختلاط بعضها بعضها، فاللغة تتميز هنا بحضورها القوي للمجاز واللعب الصوتي بالمفردات والتوظيف المكثف للصور الغنية التي تضمن شعرية هذا المحكي، هذا المستوى من الكتابة يفضل أن يكون السارد غير واضح الملامح، مجهول الهوية، لا يهتم بصفاته الداخلية أو الخارجية، كما أن شخصياته ليست واقعية وإنما من وحي الحلم والخيال. كل التركيز يكون على الذات الساردة وكينونتها، وما يدور في خلدها وما تعبر عنه من مشاعر وأحاسيس. وتأخذ النصوص هنا مادتها من التعبير عن النفس، وارتباطها بأماكن معينة وأشخاص محددة والزمن الذي يعبر عن ما يسعدها أو عن ما يعتصرها من ألم، وربما يلغي كل ما سبق، وينغلق السرد في دائرة على نفسه. كل هذا يستدعي لغة مقتضبة وموجزة للقبض على تلك اللحظات الفارقة التي تطيل أمد الدهشة عند القارئ.
هذا النوع من النصوص السردية التي تتحيز لشعرنة المحكي، تبرز أهمية بالغة للشكل، حيث يستفيد من إمكانات الشعر والنثر معا ليخلق لنا بنية نثرية وشعرية في نفس الوقت مع تحريرها من كل القيود التي يمكن أن يمكن أن تقيدهما.

p هل هناك أفق قصصي واضح تعملين على استشرافه وإدراكه، خاصة في ظل «الوفرة» التي جعلت من القصة، مغربيا وعربيا، مضمارا مفتوحا لالتقاء جميع الأجناس؟

n إن ما يميز القصة القصيرة اليوم هو قدرتها على ضم مجموعة من الأنواع والأجناس الأدبية على نحو أصبح يتداخل فيه النثر والشعر والسينما والفنون التشكيلية وغيرها من الأجناس ببعضها البعض، وهذا ما يجعل لهذا الجنس الأدبي حضورا قويا بين غيره من الأجناس في الساحة الأدبية، وتبقى الأجناس الأدبية متآزرة ما دامت في خدمة النص الإبداعي. أما في ما يخص الأفق القصصي الذي أعمل على استشرافه، هو أن أتسلح أولا بالزاد المعرفي حول هذا الجنس، وأضيف إلى خزانتي عددا وفيرا من الأعمال التي من شأنها أن تضيف إلى تجاربي المستقبلية الكثير من الاحترافية والجودة، وفي ما يخص تصوري عن القصة القصيرة التي أكتبها والتي أحب أن أكتبها يجب أن تقنعني بكوني القارئة الأولى لها، من خلال تناولها سواء للموضوع أو لحالة من الحالات النفسية أو الاجتماعية….أو بالأسلوب واللغة الموظفة وطريقة التعبير، باعتبارها نوعا سرديا تخييليا يعتمد على الإيجاز والتكثيف وإيصال المعنى بأقل كلمات ممكنة.

p هل بوسعك الحديث عن مرجعياتك القصصية، محليا ودوليا؟ ما هي الأسماء التي أثرت فيك؟ وكيف تتمثلين هذا التأثير؟

n الحديث عن المرجعيات القصصية يتطلب استحضار مجموعة من الأعمال القصصية والروائية أيضا التي تأثرت بها في البداية، وخاصة بعض الكتاب المغاربة الذين كرسوا حياتهم الإبداعية للحديث عن الهامش وما يعج به من تناقضات كمحمد زفراف وأحمد بوزفور وادريس الخوري ومحمد ابراهيم بوعلو ومحمد شكري وغيرهم، قرأت الكثير من الأعمال لهؤلاء الكتاب في بداية الفترة الجامعية وتأثرت بأسلوبهم وطريقة تناولهم للموضوعات، وهذا التأثر كان عبارة عن تقليد، خاصة في ما يتعلق باختيار الموضوعات، ثم بدأت دائرة قراءاتي تتسع لتشمل الأدب العربي والفرنسي والإنجليزي والروسي والإسباني… جعلني هذا التنوع أكتسب أسلوبا خاصا بي، أحاول في كل عمل جديد تطويره وتجويده والحرص على إخراجه في كامل أناقته القصصية.

p ما رأيك في الكتابة القصصية النسائية؟ هل هناك فعلا قصة يكتبها النساء وأخرى يكتبها الرجال؟

n أنا أرى بأن المرأة ظلت مغيبة عن الساحة الثقافية والإبداعية لفترات طويلة، وأن أدوارها كامرأة لم تكن تسمح لها بأخذ القلم والكتابة، لهذا نجد أن الأعمال القصصية النسائية لها خصوصيتها الخاصة التي لا يستطيع الصوت الذكوري اقتحامها أو الحديث بلسانها. وإذا أردنا الحديث عن العمل النسائي يجب أن ننظر إليه كعمل إبداعي له خصوصيته التي ينفرد بها على مستوى التصور والرؤية الناتجين عن تاريخها ووضعها كامرأة في مجتمع ذكوري لا يؤمن بأنها تستطيع أن تكتب هي الأخرى وتعبر عن نفسها وعن مختلف المواضيع بشكل حر دون رقابة أو محاسبة.
أما بالنسبة للتقسيم بين القصة التي تكتبها النساء والقصة التي يكتبها الرجال هو تقسيم من الخارج فقط، لأن العمل القصصي يحكم عليه باعتبار الجودة لا باعتبار الجنس، ويجب تجاوز هذه الثنائيات لخلق نوع من التوازن بين الذكورة والأنوثة والدمج بين عالميهما حتى لا نكون أمام عوائق تحد من الحرية الإبداعية، وبهذا المعنى يمكن القول إن المجموعة القصصية «من أين يأتي الضوء» حاولت تجاوز هذه الثنائية والتركيز على بناء عالمها المتخيل بعلاقات منسوجة أساسا بين الشخصيات وبين انتماءاتها الاجتماعية ومعتقداتها الفكرية وما تعيشه من أحلام ووقائع داخل بيئتها ومحيطها، فمرة نجدها تتحدث بصوت الرجل ومرة أخرى بصوت المرأة، ما يؤكد أن لكل منها الحق في التعبير والكتابة.

p هل بوسعك رسم ملامح القصة المغربية الجديدة، وتحديدا القصة التي يكتبها كتاب من جيلك؟ وما هي القيمة المضافة التي يمكن أن تقدمها فاطمة كطار لهذا الجيل؟

n لرسم ملامح القصة المغربية الجديدة يتطلب ذلك مشروعا قصصيا يقوم على الجدية والاستمرار والمثابرة والاجتهاد، وتكريس الجهد والوقت لهذا الجنس والإبداع فيه، وأظن أن لدينا من المبدعين والنقاد من يسيرون في هذا النهج محاولين خلق قصة مغربية متفردة، ومنهم من نجح بجدارة واستحقاق في ذلك. وبنفس المثابرة والاجتهاد التي يتمتع بهما الكتاب الشباب والكاتبات الشابات سنحمل المشعل بعدهم، ونعمل على إتمام رسم تلك الملامح وتشكيلها على أكمل وجه. وإذا أردنا الحديث عن القيمة المضافة التي يمكن أن أقدمها لهذا الجنس الأدبي هي أن أضع بصمتي الخاصة التي من شأنها أن تشكل فارقا في المشهد القصصي المغربي.


الكاتب : حاورها : سعيد منتسب

  

بتاريخ : 22/07/2022